سورية الدولة… تسقط خطط أعدائها
هشام الهبيشان
تزامناً مع وقت تستمرّ انتفاضة الجيش العربي السوري في وجه كل البؤر المسلحة على مختلف بقاع الجغرافيا السورية، ومع وجود مؤشرات ومعطيات ميدانية تؤكد قرب حسم الجيش العربي السوري معركة الزبداني خلال الأيام القليلة المقبلة، يتوقع أن تزيد حدة وكثافة هذه الانتفاضة خلال أيام معدودة ويتوقع أن تنتقل إلى شمال وشمال غربي سورية وتحديداً إلى محافظة إدلب وتحديداً إلى ريفها الغربي المحاذي لريف حماة الشمالي الغربي «سهل الغاب»، لإيقاف حالة النزيف والانتكاسات التي تعرض لها الجيش العربي السوري بعموم هذه المناطق أخيراً، وللتحضّير لعملية شاملة توقف تمدّد المجاميع المسلحة المتطرفة «جيش الفتح» وبناء مسار عسكري واضح يمهّد الطريق لاسترداد المناطق التي خسرها الجيش أخيراً وعلى رأسها بلدة جسر الشغور الاستراتيجية، هذه الانتفاضة المتوقعة شمالاً، يتوقع أن ترافقها عمليات نوعية وكبرى بمناطق ريف حمص الشرقي والجنوبي الشرقي تدمر والقريتين، فالقيادة العسكرية السورية تضع عموم هذه المناطق الاستراتيجبة على رأس أولويات عملها في لمرحلة المقبلة.
هذه الانتفاضة الحاصلة اليوم والمتوقعة بزخم أكبر مستقبلاً ستشكل حالة واسعة من الإحباط والتذمر عند الشركاء بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ما سيخلط أوراقهم وحساباتهم لحجم المعركة من جديد، ومن هنا نستطيع أن نقرأ أن هذه الحرب على الدولة السورية ومع تبدّل أدوارها وخططها المرسومة، بعد انهيار الكثير من خططها، وآخر هذه الخطط والتي ما زالت حتى الآن تعمل بفاعلية نوعاً ما على الأرض السورية وهي «حرب الاستنزاف»، ومن هنا إنْ استطاعت الدولة السورية أن تصمد وبقوة كما صمدت أمام خطط سابقة أمام «حرب الاستنزاف»، فهي ستستطيع أن تحسم المعركة بفترة زمنية متوسطة الأجل، والسبب أن خطة ومنهجية حرب الاستنزاف التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها في سورية لها أمد معيّن وستنتهي بانتهاء مدة صلاحيتها، ومن هنا ستكون الدولة السورية بحال استمرار صمودها أمام آخر الخطط في الحرب غير المباشرة عليها، قد أعلنت حسمها باكراً لهذه الحرب المفروضة عليها.
اليوم يمكن القول إنه وعلى رغم اشتداد فصول الحرب غير المباشرة على الدولة السورية وبعد مضي أربع سنوات من التدمير الممنهج والخراب والقتل والتهجير، ومع هذا صمدت سورية الوطن والإنسان، ومع استمرار فصول الصمود السوري أمام موجات الزحف المسلح إلى العاصمة دمشق ومدينة حلب وانكسار معظم هذه الموجات على مشارف دمشق وحلب، ومع عجز الدول الشريكة في الحرب على الدولة السورية عن إحراز أي اختراق يهيّئ لإسقاط الدولة السورية، على رغم كلّ ما جرى في سهل الغاب وبلدة القريتين.
وهنا يجب عدم إنكار أنّ الحرب على سورية التي كانت رأس الحربة لها الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها في المنطقة «إسرائيل» الصهيونية وفرنسا وبريطانيا وشركاؤها من الأتراك وبعض القوى الصغيرة والأدوات الأخرى في المنطقة، قد ساهمت في مرحلة ما في إضعاف الدولة السورية، لكن العقلاء الوطنيين من الشعب السوري بغضّ النظر عن مواقفهم السياسية، وقوة وتماسك الجيش السوري، وحكمة القيادة وشجاعتها، وقوة ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية للدولة السورية مع روسيا وإيران، فهذه العوامل بمجموعها ساهمت في صدّ أجندة وموجات هذه الحرب الهادفة إلى إغراق كلّ الجغرافيا السورية في الفوضى.
كذلك لا يمكن كذلك إنكار حجم ودور الردّ السوري العسكري والإعلامي السريع وبحرفية على هذه الهجمة للتخفيف من آثارها في المعادلة الداخلية السورية، فتسارع هذه الأحداث وتعدّد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش السوري في محيط دمشق وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاوٍ لبعض قلاع المسلحين «المعارضين»، بحسب التصنيف الأميركي، سترسخ ثقة المواطن السوري بدولته ونظامه وجيشه.
اليوم وعلى رغم صعوبة المعركة تزامناً مع تكالب والتقاء أهداف ورهانات وأجندة قوى إقليمية ودولية بحربها على سورية، ومع كل هذا وذاك فما زالت الدولة السورية بكل أركانها وعلى رغم حرب الاستنزاف التي تستهدفها، قادرة على أن تبرهن للجميع أنها إلى الآن ما زالت قادرة على الصمود، والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدمها الجيش العربي السوري بعقيدته الوطنية والقومية الجامعة، والتي انعكست أخيراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يُسمى بقوى المعارضة المسلحة المتطرفة بمناطق عدة، منها القلمون وتدمر ودرعا وحلب والحسكة وريف اللاذقية الشمالي إلخ… ما انعكس على تشظيها، ومن هنا نقرأ أن حالة التشرذم لهذه المجاميع المسلحة، والتي تقابلها حالة صمود وصعود لقوة الجيش العربي السوري على الأرض، فهذا التطور اللافت إنْ استمر من شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط الدولة السورية بكل الوسائل والسبل.
وعلى محور الحلول السياسية للحرب على سورية، يبدو واضحاً أنّ التصعيد الميداني الكبير على الأرض ومسار المعارك لا يوحيان أبداً بإمكان الوصول إلى حلّ سلمي أو سياسي للحرب على الدولة السورية بسهولة، فما زالت المعارك تدور وبقوة وزخم أكبر، ومع دوي وارتفاع صوت هذه المعارك، يمكن القول إنه بهذه المرحلة لا صوت يعلو على صوت المعارك ودوي المدافع، وأيّ حديث عن مؤتمرات هدفها الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة السورية ما هو بالنهاية إلا أمنيات وكلام فارغ من أي مضمون يمكن تطبيقه على أرض الواقع، فأميركا وحلفاؤها في الغرب وفي المنطقة كانوا وما زالوا يمارسون دورهم القذر الساعي إلى إسقاط الدولة السورية ونظامها في أتون الفوضى، والروس والإيرانيون يدركون ذلك، والدولة السورية تعلم ذلك جيداً، وإلى حين اقتناع أميركا وحلفائها بحلول وقت الحلول للأزمة السورية، ستبقى سورية تدور بفلك الصراع الدموي المدعوم بأجندة ومشاريع خارجية، إلى أن تقتنع أميركا وحلفاؤها بأنّ مشروعهم الساعي إلى تدمير سورية قد حقق جميع أهدافه أو أن تقتنع بانهزام مشروعها فوق الأراضي السورية، ولهذا تعمل الدولة السورية اليوم ضمن سياق واضح داخلي وخارجي، بهدف التخفيف من حدة هذه الحرب واحتواء تداعياتها داخلياً وخارجياً، وما انتفاضة الجيش العربي السوري الحاصلة اليوم، والمتوقعة بزخم وكثافة أكبر مستقبلاً، والمترافقة مع الحديث عن مسارات الحلول السياسية، ما هي إلا دليل واضح على عمل منهجي تتبعه الدولة السورية على كل المحاور، بهدف هزيمة هذه الحرب وهذه الغزوة التي تتعرض لها سورية منذ أربع سنوات وأكثر.
ختاماً، إن التطورات الأخيرة، التي شهدتها الساحة السورية عسكرياً، وسياسياً إلى حد ما، تؤكد بما لا يقبل الشك أن الدولة العربية السورية تدير حربها باحترافية ومنهجية عمل متكاملة لهزيمة وصد أجندة وخطط قوى العدوان الغازية للأراضي السورية عبر وكلائها وأدواتها على الأرض السورية. ومن هنا، فالمؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد تطوراً ملموساً ستثبت من خلاله الدولة السورية وبدعم من حلفائها قدرتها على الصمود وهزيمة كل مشاريع المتامرين وخططهم الطارئة على سورية الوطن والتاريخ والإنسان.
كاتب وناشط سياسي الأردن
hesham.awamleh yahoo.com