الحلّ في سورية «عسكري»!
عصام عوني
من يتابع مسار الحدث السوري الدامي خلال السنوات الخمس العجاف يخلص إلى أنّ الحلّ في سورية سياسي، وأنّ الحلّ العسكري مجرد وهم، وأنّ الديبلوماسية حلّ يتقدّم على سواه، ودائماً مبرّر واحد للتسويق وحشو العقول، حماية المدنيين ووقف النزف والدمار، وهنا جوهر الطامة الكبرى وبلاؤنا العظيم!
ولأنّ سورية الدولة الوطنية بكلّ ما تمثل مسالمة علمانية واعية كانت دائماً وأبداً تؤيد هكذا طروحات ولو على مضض، ليقينها أنّ الحلّ عسكري والمطلوب مسايرة العالم منتحل صفة الحرص والإنسانية، ولو لم تعلن ذلك على لسان المتحدثين باسمها وديبلوماسييها، لكنها تعرف أنّ طريق الحلّ هذا خلاصها ويعرف ذلك أصدقاؤها أيضاً…
امتازت مرحلة العدوان على العراق مع التسليم بأنه عدوان آثم وتدخل سافر بالعنتريات واستعراض العضلات الواهنة، وكلنا يتذكر بدلة صدام حسين العسكرية وراياته الحماسية وخطابات رجالاته الحماسية البعيدة عن الواقع كلّ البعد، ونتذكر أيضا كيف اجترّ النظام العراقي آنذاك خطاباً دينياً حاربه دهراً أملاً برصّ الصفوف المنهارة وتحشيد القوى الخائرة، فقدّم صورة وحشية للعالم، وكان المطلوب صورة يتعاطف معها العالم، ولكن حدث العكس، والسبب قصر نظره ورعونته، عدا عن لفظ الأصدقاء له بسبب عنجهيته الغير قابلة للهضم…
في العدوان السافر المخزي على ليبيا سار نظام القذافي على نفس نهج سابقه الصدامي ولم يقرأ الواقع كما ينبغي، عدا عن رغبة دولية للتخلص منه بعدما سئموا مسرحياته وتدخلاته التدميرية منذ اعتلائه الحكم، وكانت سمة التصدي للعدوان عنترية فاقدة للمنطق بنيت على تصوير الحدث كعابر في زوبعات ما سبقه من أحداث وهنا كان المقتل والخاتمة المؤلمة المذلة…
في الحالتين العراقية والليبية يصحّ الحلّ السياسي متقدّماً على العسكري، لكن المسار العسكري المتفق عليه مسنود بصمت حلفاء النظامين المبادين كان العامل الأهمّ بما حدث، ولو أنّ الذي حدث بفعل عسكري من قوى دولية بعينها…
في سورية المسألة تختلف كلياً، والعدوان عليها غير مسبوق ونتاج تخطيط مدروس وطويل، والمتابع لطريقة مواجهة الدولة الوطنية لهذا العدوان يدرك أنّ سورية عقلانية موضوعية تخطو بحذر وتواجه بصمت تعضّ على الجراح وكثيراً تتسامى على خذلان بعض الأصدقاء، وإنْ تداركوه سريعا، كي لا تغرق ولا يغرقوا معها ليقينها أنّ العدوان القائم لا يستهدفها وحدها بل يستهدف حلفاً هي الأساس فيه…
في المقابل يعلن حلف العدوان الإجرامي التدميري خططه ودعمه وتسليحه للجماعات الإرهابية التكفيرية، وعلى الملأ بلا خجل أو وجل، بل غطى الإجرام بـ«شرعنة» خلق كيانات لا وجود لها أصلاً داخل النسيج السوري، وجاهر بذلك، ووضع النصوص المعدّة لتصير قرارات ملزمة لتطويع وإنهاء سورية التاريخية المقاومة التي نعهد، لولا تصدّي أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين لهكذا قرارات، وهنا ترفع لهم القبعة، والسياسة في هذا السياق ناجعة ومفيدة…
يحرص أصدقاء سورية على تبني خطاب سياسي ديبلوماسي ناعم، كما تحرص سورية نفسها بعيداً عن العنتريات، ودائماً يكون الردّ على العدوان بكلمتين «تورّطوا وسنرى»، وبالفعل يتورّط العدو ونرى هزائمه المدوية تباعاً، ولكن بكلفة عالية لم تعد مقبولة بعد اليوم، وهنا نخاطب المعنيين بلسان الشعب السوري الذي يؤيد ما نقول وبقوة ونسأل: الى متى؟
ما بعد النووي إيران ليست إيران ما قبل الاتفاق، ولا روسيا بعد صمود سورية هي روسيا ما بعد الانهيار الأليم، ولا الصين بالضعف السابق، ولا قوى الممانعة التاريخية للهيمنة الدولية كسابق عهدها بل أقوى بكثير، ولا المقاومة مقاومة وليدة بل قوة إقليمية باعتراف العدو نفسه، وهذا دافع قوي لمواجهة أكثر فعالية يجب أن تكون…
من يعتقد أنّ الحلّ في سورية سياسي واهم، ومن يعتقد أنّ الديبلوماسية مع همج رعاع بلبوس المدنية والحضارة تنفع مشتبه، ومن يظن أنّ دعم الإرهاب وتمويله سيتوقف بالابتسامات واللطف ملتبس وقراءته خاطئة…
الحلّ كالتالي: بدخول الروسي والإيراني مباشرة في الحرب، وعلى الأرض السورية للجم صعاليك أشباه الدول المعتدية، ورسم خطوط حمر جديدة تردع من لا رادع له، وليكن الحضور الايراني في الجبهة الجنوبية علناً وهنا لن تجرؤ «إسرائيل» ولا دويلة الأردن ومن خلفها مملكة الرمال مواصلة العدوان، لأنّ مواصلته تعني مواجهة الإيراني مباشرة، والمواجهة هنا تعني حرباً إقليمية كبرى لا يريدها أحد، وعلى الروسي التواجد العلني في الجبهة الشمالية كقوة ردع مضافة في وجه التركي الأرعن، فيعلم نظام أردوغان أنّ مواصلة عدوانه الوقح يعني مواجهة مع روسيا العظمى، فيكون الردع قد تحقق وانكفأ السفاح، أو لتقدّم روسيا وإيران لسورية ما يمكنها من مراقبة تحركات الإرهابيين وشلّ اتصالاتهم، لتكون ضربات الجيش العربي السوري تحقق نجاحاً بنسبة 99 في المئة.
بالتأكيد لن يروق هذا الكلام لبعضنا، أيّ الأصدقاء قبل الأعداء، وفي السياق نؤكد أنّ الدعم الروسي الإيراني كبير جداً وأنهما سند سياسي يعتدّ به، بل مؤثر جداً وله التأثير الأكبر بصمود الدولة الوطنية السورية ككلّ ولكن، ليس كافياً أمام الضخّ المتواصل الذي أصبح مستداماً للشريان الإرهابي الهادر الجارف أرواح آلاف الشهداء عدا عن الدمار الهائل الغير مسبوق في حروب سابقة وعلى مدى التاريخ…
نعم للسياسة كعامل مساعد، ولكن الحلّ عسكري بامتياز، والحلف المقاوم قادر على تحقيق نصره الناجز عبره إنْ اعتبر من التجربة المريرة، التي جاوزت خمساً دامية…
الحلّ في سورية عسكري ونقطة عالسطر.