لتأخذ قياداتنا وفصائلنا «هدنة كلام» و«فترة صمت»

راسم عبيدات

الكثير من الأحداث المفصلية في مجتمعنا الفلسطيني، وكذلك ما هو متعلق بمصيرنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، مما يستوجب أن تكون الردود الفلسطينية على مستوى قيادة السلطة والفصائل وعلى مستوى الحدث أو الفعل أو الجريمة المرتكبة بحق شعبنا من قبل دولة الاحتلال وعصاباتها من سوائب المستوطنين التي تواصل ارتكاب جرائمها بحق شعبنا، ولكن أغلب الردود تأتي على شكل تصريحات متناقضة ومتضاربة وغير متوائمة مع طبيعة وحجم الحدث أو الجريمة، تصريحات من «اللغو السياسي» و«الفذلكات» و«الدربكات» الإعلامية التي لا تصمد في أرض الواقع، بل تضيف لحالة العجز القائمة مزيداً من العجز والإحباط.

يبدو أن قياداتنا وفصائلنا وبالذات قيادة السلطة تسكنها حالة من عقدة «الارتعاش» السياسي المستديمة، تشعل وتطلق التصريحات النارية بعد كل جريمة، أو مشروع صهيوني لابتلاع أرضنا وحقوقنا وتدمير مشروعنا الوطني على سبيل المثال لا الحصر، جريمة حرق الشهيدين الرضيع علي الدوابشة ووالده سعد، ومن قبلها جريمة قتل الوزير زياد أبو عين، وجريمة خطف وتعذيب وحرق الفتى أبو خضير حياً، وكذلك الجرائم بحق المسجد الأقصى و«توغل» وتوحش» الاستيطان في القدس والضفة الغربية، والجرائم المرتكبة بحق شعبنا وأهلنا في قطاع غزة في الحروب العدوانية التي شنها الاحتلال عليه، وكذلك ما يرتكب من جرائم بحق أسرانا في سجون الاحتلال، وتقطيع الوقت في مفاوضات عبثية منذ عشرين سنة من أجل فرض حقائق ووقائع استيطانية واحتلالية على أرض الواقع لتقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، ومحاصرتنا في «غيتوهات» و«كنتونات» مغلقة في محيط «إسرائيلي» واسع.

ولغة العجز في مواجهة الواقع والتحديات والجرائم والممارسات «الإسرائيلية»، ليست حصراً على قيادات الأحزاب والفصائل الفلسطينية والسلطات الحكمة هنا وفي القطاع، بل تتعدى ذلك لتطاول قادة ومسؤولي الأجنحة والكتائب العسكرية، حيث نرى بعد كل جريمة تقدم عليها «إسرائيل» من اغتيال لمقاتليها وأعضائها أو أبناء شعبنا الفلسطيني، الحديث والتصريحات النارية عن أن «إسرائيل» باغتيالها للقائد «فلان» أو «علان» ستفتح عليها «باب جهنم» والرد سيكون مزلزلاً ومجلجلاً، وعلى «إسرائيل» أن تفكر مليون مرة قبل أن تقدم على ارتكاب جريمة أو حماقة أخرى.

المسألة هنا، أنه بدلاً من «اجترار اللغو» السياسي الفارغ والعبارات الكبيرة والطنانة والرنانة، نريد أن نرى خطوات عملية ولو كانت صغيرة، يبنى ويراكم عليها خدمة لشعبنا ولقضيتنا ومشروعنا الوطني، ونريد كذلك ثباتاً على المواقف من القضايا الجوهرية والاستراتيجية، ونريد أيضاً أن تمتلك القيادات إرادة سياسية وقدرة على اتخاذ القرارات وترجمتها إلى أفعال في أرض الواقع، لا مجرد «فقاقيع» إعلامية سرعان ما يختفي أثرها.

لدينا العديد من التجارب والشواهد التي تقول بأننا بالثبات على الموقف وامتلاك الإرادة نستطيع أن نحقق نصراً أو إنجازاً. الأسير المحرر الشيخ المجاهد عدنان خضر خاض إضرابين مفتوحين عن الطعام في أقل من ثلاث سنوات ضد عملية استمرار اعتقاله الإداري، وفي المرتين انتصر ونجح في هزيمة إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية» وأجهزة مخابراتها، ولو كانت هناك خطة ورؤية استراتيجية فلسطينية موحدة ليتم البناء على ما تحقق من أجل إلغاء سياسة الاعتقال الإداري، والتي تشكل خرقاً لكل والأعراف والاتفاقيات والمواثيق والقوانين الدولية، وليجرى طرح هذه القضية على المحافل الدولية.

وقضية الأسير المحرر القائد عدنان خضر ليست معزولة، بل الإضرابات التي تم خوضها ضد سياسة عزل الأسرى والحرمان من زيارة الأهل للأسير، استطاع الأسرى من خلالها أن يحققوا إنجازات ملموسة في هذه القضايا، والإنجازات المتحققة حتماً ستكون أكبر وأشمل لو أن الحركة الأسيرة موحدة على المستويات الاعتقالية والقيادية والأداة التنظيمية.

وكذلك ما نشهده من أنشطة وفعاليات كدعم لقضية الأسرى أو القدس والأقصى من قبل الحراكات الشبابية نرى بأنها تحقق العديد من الإنجازات، والتي لو جرى استثمارها وتوجيهها الوجهة الصحيحة لأمكن تطويرها والاستفادة منها، بما يخدم مجتمعنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني.

نحن لا نريد أن نستمر في سياسة «لوك» الكلام و«طق الحنك» والتباري في «الفنتازيا» السياسية و«التحشيش» الفكري، والتصريح السياسي ونقيضه أو تصريح مسؤول ينفي تصريح مسؤول آخر وهكذا، كما حصل عندما تم تقديم المشروع الفلسطيني لمجلس الأمن الدولي من أجل إنهاء الاحتلال والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، حيث كشف ذلك عن مدى عقم السياسة والدبلوماسية الفلسطينية، ليسقط المشروع ولم تجر مناقشته، لأننا لم نستطع تجميع الأصوات المطلوبة لطرحه على التصويت، ناهيك عن تقديمه كمسودة وفتح الباب على مصراعيه للشطب والحذف والإضافة، راهنين ذلك المشروع بالموافقة الأمركية عليه.

وما ينطبق عليه ينطبق على الموقف والقرارات المتخذة من قضية العودة للمفاوضات والتنسيق الأمني، حيث عدم الالتزام بالقرارات من المؤسسات الرسمية كاللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وغيرها، يضعف من هيبة القرارات ومن المؤسسات والجهات التي اتخذت تلك القرارات والمواقف، ويزيد من تآكل شعبيتها وحضورها عند الجماهير، والتي أصبحت لا تأخذ قرارات ومواقف تلك الهيئات على محمل الجد.

إن قياداتنا على مستوى الفصائل والأحزاب والمنظمة والسلطة برأسيها هنا في الضفة وهناك في القطاع والأجنحة العسكرية للفصائل وقادتها كذلك، بحاجة إلى أن تأخذ «هدنة كلام» و«فترة صمت»، فنحن بحاجة إلى خطوات عملية وإنجازات جدية وحقيقية، ومواءمة للشعارات والتصريحات مع الفعل والعمل على أرض الواقع. فالواقع الفلسطيني يؤشر إلى أننا نتجه نحو كارثة حقيقية، حيث الاحتلال يتقدم في مشروعه على الأرض، ونحن مستمرون في الجدال البيزنطي حول جنس الملائكة ذكراً كان أم أنثى، والانقسام يتكرس ويتشرعن ويستطيل مداه، والفوضى العارمة والانفلات يسودان جناحي الوطن، حيث تفكك النسيج المجتمعي والوطني.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى