على هامش ما قاله الوزير السعودي
الياس عشي
إذا كان السعوديون جاهزين لتلقّي التعليمات لدى تنصيب ملوكهم، فإنّ السوريين وحدهم يقرّرون اسم رئيسهم، وشكل نظامهم، ويختارون الأسلوب المناسب ليموتوا أحراراً «في أمة حرّة» حتّى لا تكون «حريات الأمم عاراً عليهم».
وإذا كان الروس، بالدبلوماسية المعروفين بها، قد أخلوا المنبر الإعلامي لوزير الخارجية السعودي لينقل وجهة نظر بلده في الأزمة السورية، فإنّ الوزير السعودي، بما قاله، أثبت أن لا علاقة له بالعمل الدبلوماسي… حتّى لا أقول بالذوق الدبلوماسي وأخلاقيته.
ولو اقتصر الأمر على إبداء رأي لقلنا إنها وجهة نظر، «وبلعنا ريقنا»، أمّا أن يصل الأمر إلى التهديد، وإلى وضع السوريين بين خيارين: إمّا الحلّ العسكري وإما الحلّ السياسي، لتغيير النظام، واستبدال الرئيس الأسد بدمية، فهو من الخطورة بحيث كان من المفترض أن ينسحب من المؤتمر الصحافي وزير الخارجية الروسي لافروف، تاركاً المسرح لجبير كي يتكلّم وحده.
قد لا تكون للحرب قواعد، ولكن للسلم ألف قاعدة، وأنا واثق أنّ الوزير «جبير» لم يسمع بها وأول قاعدة هي حسن المصانعة التي تحدث عنها الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى ابن نجد، عندما قال:
ومن لا يصانعْ في أمور كثيرةٍ
يضرّسْ بأنيابٍ ويوطأْ بمنسمِ
وما الحربُ إلا ما علمتم وذقتمُ
وما هو عنها بالحديث المرجّم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً
وتضرَ إذا ضرّيتموها فتضرمِ
ولا أظنّ أنّ «جبيراً» قد سمع لا بالأبيات ولا باسم زهير، وأنى له ذلك وقد تعلّم أبجديته في واشنطن، وتخرّج على أيدي الكبار من المخبرين، وصانعي الأحداث.
ولا أظنه قد قرأ ما قاله ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، ولو فعل لأخذ عبرة وسكت، يقول ابن خلدون: «إنّ أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقرّ، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال».
ولا أظنّ أنّ الوزير جبير قد زار قاسيون المدهش بشموخه، ولا تعرّف إلى ياسمينة شاميّة واحدة آناً تنشر عطرها وآناً تُنبت شوكاً لتحارب من يعتدي على عذريتها، ولا سمع بميسلون ويوسف العظمة وسعيد العاص وكلّ الذين استشهدوا، وما زالوا، كي تبقى سورية.
ثمّ… ماذا تسمي يا «معالي» الوزير ما يجري في سورية منذ أربع سنوات ونصف السنة؟ أتسمّيه نزهة؟ أليس ما جرى هو الحرب بكلّ ما تحمله من حريق وتدمير وقتل وتهجير؟ لم يبق سلاح إلا وجرّبتموه على السوريين ولم يبقَ إلا القنبلة الذرية… فهل أنتم فاعلون؟