مهرجانات صيف 2015: نشاط ثقافي وسياحي… والاستفادة الاقتصادية للمتعهّدين

يوسف الصايغ

رغم الأزمات التي يعانيها لبنان والتي تنعكس سلباً على حياة المواطنين إلا أنّ مهرجانات صيف 2015 شكلت متنفّساً يعوّض بشكل جزئي عن الواقع المتردّي الذي يعانيه اللبنانيون على كافة الصعد. فإلى جانب الحراك الثقافي الذي ينتج عنه تشكّل المهرجانات التي شهدتها وتشهدها المناطق اللبنانية على اختلاف توزعها الجغرافي بارقة أمل محدودة على المستوى الاقتصادي من حيث تحريك الوضع الراكد نتيجة لتأثر لبنان بالواقع الأمني المحيط به، لا سيما على مستوى الأزمة السورية والذي يترجم بقلة عدد الوافدين إليه عبر بوابة الشام لا سيما من الخليج.

وعلى الرغم من هذا الواقع الصعب أحدثت مهرجانات صيف 2015 ثغرة في جدار الأزمات وأخرجت معها المواطن اللبناني من بعض همومه التي باتت لا تعدّ ولا تحصى، فكيف انعكس ذلك على أرض الواقع وما هي مؤشراته؟

المهرجانات أحد أوجه المقاومة الثقافية

على هذا الصعيد تشير الرئيسة السابقة لمصلحة الإنماء السياحي في وزارة السياحة ورئيسة تجمع النهضة النسائية منى فارس في حديث لـ»البناء» إلى أنّ «المهرجانات المستمرّة والمتواصلة رغم كلّ المعوقات التي يواجهها البلد تعتبر مؤشراً جيداً ومهمّاً»، لافتة إلى «التزايد في عدد المهرجانات التي تمّ تنظيمها هذا العام في مختلف المناطق اللبنانية، وهي لم تعد تقتصر على المهرجانات التقليدية التي تقام سنوياً في المناطق التاريخية، بل تعدّتها إلى مختلف البلدات اللبنانية، وهذا دليل على أنّ أهل تلك البلدات والقرى لديهم حيوية كبيرة جداً تدفعهم إلى إقامة هذه الأنشطة، ما يعكس ثقافة الحياة الحقيقية التي يختزنها أبناء شعبنا، وهذا نوع من أنواع المقاومة الثقافية التي نواجه بها رغم كلّ السلبيات التي تحيط بنا».

وأشارت فارس إلى «ما يتخلل المهرجانات من تنوّع ثقافي وغنىً حضاري، ما يساهم في تعزيز الحضور والمشاركة في هذه الفعاليات التي يتمّ تنظيمها، فهناك طيف متنوّع من الفنون والثقافات التي تتضمّنها هذه المهرجانات».

أما على صعيد وزارة السياحة، لفتت فارس إلى أنّ الوزارة «لديها موازنة لدعم المهرجانات وتعزيز انتشارها، وخصوصاً المهرجانات التي تنظم في المناطق والقرى، ما يساهم في تطوير وتحسين واقع تلك المهرجانات التي هي في طور النمو»، مشيرة من جهة ثانية، إلى «أنّ المهرجانات الدولية باتت تموّل نفسها بنفسها ولديها نوع من الاكتفاء».

ومن الناحية الاقتصادية أكدت فارس «الأثر الإيجابي للمهرجانات على صعيد الاقتصاد المحلي، إنْ لجهة خلق فرص العمل والتخفيف من واقع البطالة، أو على صعيد تنشيط الحركة الاقتصادية في الأماكن التي تنظم فيها المهرجانات، بحيث باتت تعتبر أحد أهمّ موارد الرزق لأهالي تلك المناطق».

وعلى صعيد المشاكل التي تعرقل سير الواقع السياحي لا سيما المهرجانات، شدّدت فارس على أهمية «أن تعمل الدولة من أجل تحقيق خطة التنمية المستدامة، إنْ على صعيد البنى التحتية أو البناء الهندسي، وكذلك بالنسبة إلى ترشيد الإنفاق، فتلك الخطوات تقود إلى معالجة الأزمات التي نواجهها وفي مقدّمها أزمة النفايات التي تهدّدنا».

تأثير اقتصادي محدود!

وفي ما يتعلق بانعكاسات المهرجانات على الوضع الاقتصادي، أشار الخبير الاقتصادي د. غالب بو مصلح في حديث لـ»البناء» إلى «أنّ المهرجانات لا تحدث تغييراً على مستوى الاقتصاد اللبناني، وخصوصاً أنها لم تستقطب السياحة الخارجية التي تعتبر العامل الأبرز في تعزيز الناتج المحلي».

ولفت إلى «أنّ المهرجانات تساهم بشكل بسيط في الحركة الداخلية التي تقتصر على بعض المناطق والبلدات التي تنظم المهرجانات، من دون أن يكون لها أي أثر يذكر على الوضع الاقتصادي، والأمر عينه على صعيد السياحة الداخلية حيث يقتصر الموضوع على الذهاب والإياب في اليوم نفسه إلى مناطق المهرجانات، كما ينحصر الإنفاق على شراء بطاقات الحفلات والتي تعود بالنفع على متعهّدي تلك الحفلات والمهرجانات، من دون أن تنعكس إيجاباً في تحريك الاقتصاد المحلي، لا سيما أنّ جمهور الحفلات يقتصر على الأثرياء والمقتدرين وهم فئة قليلة».

وأكد بو مصلح «على الدور الإيجابي الذي كانت تلعبه المهرجانات في حقبة ما قبل «الربيع العربي» التي أرخت بمشاكلها وانعكاساتها الأمنية والسياسية على لبنان في الأعوام الأربعة الأخيرة، فغاب عنه السياح وخصوصاً العرب الذين كانوا يساهمون في إنعاش الوضع الاقتصادي خلال فترة إقامتهم في المناطق اللبنانية في موسم الاصطياف».

غياب السياح العرب والأجانب أبرز السلبيات

أما في ما يتعلق بواقع المهرجانات وانعاكاساتها هذا العام، أشارت رئيسة مهرجانات بيبلوس الدولية لطيفة اللقيس في حديث لـ»البناء» إلى «أنّ التقييم العام بالنسبة إلى حركة المهرجانات هذا العام جيدة جداً، مع الإشارة إلى أنّ الأمور تتفاوت بين مهرجانات وأخرى بحسب البرامج التي تتخللها ومدى استقطابها للجمهور»، لافتة إلى «أنّ الجمهور هذا العام كان في غالبيته العظمى من اللبنانيين المقيمين، أو من المغتربين الذين يقصّدون المجيء إلى لبنان خلال تنظيم المهرجانات للاستفادة من هذا الواقع الثقافي الذي يُقام في بلدهم»، موضحة «أنّ مشاركة السياح العرب والأجانب هذا العام كانت ضئيلة جداً، وهذا يُعدّ أحد أبرز السلبيات التي يمكن تسجيلها على مستوى الحضور».

وفي ما يتعلق بدور وزارة السياحة، أشارت اللقيس إلى الدعم الذي تقدّمه الوزارة «إنْ على المستوى المادي المتواضع ولكن المقبول في ظلّ الظروف التي يمرّ بها البلد، أو على الصعيد المعنوي، وهذا الدعم يساهم في التأثير على واقع الحركة ويشجع الناس على الحضور».

كما لفتت إلى «أنّ المهرجانات حققت الأهداف المرسومة لها على الصعيد الثقافي في الدرجة الأولى، وبالنسبة إلى تحريك العجلة الاقتصادية في الدرجة الثانية»، مشيرة في هذا الإطار، إلى «أنّ المهرجانات تعني تنشيط الوضع على مستوى القضاء لجهة حجوزات الفنادق وتشغيل المقاهي والمطاعم والأسواق التجارية، ما يعني خلق دورة اقتصادية إنتاجية متكاملة تترافق مع إحياء المهرجانات».

وأعربت اللقيس عن ترحيبها «بعودة مهرجانات الأرز هذا العام، وهذا يندرج في خانة الظاهرة الحضارية التي تعكس صورة لبنان الإيجابية، لا سيما في الخارج، ما يعطي صورة حضارية خلافاً لما يعانيه البلد من أزمات السياسة والنفايات»، مؤكدة على الدور الإيجابي لمهرجانات بيبلوس بشكل خاص «في استقطاب اللبنانيين إلى هذه المدينة الحضارية التي تعكس صورة لبنان الثقافية».

«عجقة» مهرجانات

وقد استهلّ موسم مهرجانات 2015 من بيت الدين التي انطلقت مهرجاناتها في تموز الفائت ببرنامج فني حافل أطلقته الفنانة ماجدة الرومي، كما تتخلل المهرجانات عمل مسرحي بعنوان «ANTIGONE»، وإطلالة للفنان كاظم الساهر، وتوجه مهرجانات بيت الدين هذا العام تحية إلى الفنان الراحل زكي ناصيف الذي أحيت أغانيه وأعماله أوركسترا LE BAM وكورال الفيحاء.

وبعد بيت الدين تنتقل شعلة المهرجانات إلى معبدي جوبيتير وباخوس في مدينة الشمس بعلبك بعد أن غابت قسرياً العام الماضي إلى «خان الحرير» في سدّ البوشرية لأسباب أمنية.

كما انطلقت مهرجانات جونيه أواخر حزيران واستمرت حتى 13 تموز حيث أعدّت جمعية أصدقاء المدينة المشرفة على المهرجانات حفل افتتاح مميّز بحيث تمّت إضاءة خليج جونيه بالألعاب النارية، كما تمّ إطلاق مسابقة التصوير للصور التي التقطت في المهرجان.

وفي مدينة الحرف انطلقت في تمّوز مهرجانات بيبلوس بنسختها السادسة التي تستمرّ حتى 18 آب التي تتميّز بمشاركة عدد من الفنانين الأجانب أبرزهم المغني الأميركي JOHN LEGEND والفرقة العالمية THE SCRIPT وفرقة MICHAEL SCHENKER,S كما تطلّ الفنانة هبة طوجي.

وللسنة الرابعة على التوالي أطلقت السيدة ريما سليمان فرنجية رئيسة لجنة مهرجانات إهدن الدولية «إهدنيات» 2015، التي بدأت في تمّوز وتستمرّ حتى 22 آب الجاري، حيث تتميّز بمشاركة فنانين عالميين وعرب بالإضافة إلى نظرائهم اللبنانيين.

يذكر أنّ فنادق بلدة إهدن، وبالتعاون مع بلديتها ولجنة التجار والصناعيين فيها، خصّصت هذا العام لمن يهمّه الإقامة في فنادق إهدن لحضور المهرجان، عروضاً خاصة أخذت بعين الاعتبار ميزانية اللبناني المتواضعة، إضافة إلى تخصيص وسائل نقل من بيروت إلى بلدة إهدن.

وفي حدث لافت شهد صيف عام 2015 إعادة إطلاق مهرجانات الأرز الدولية بعد خمسين عاماً على توقفها القسري، تحت شعار «لغة الروح».

وأطلقت عقيلة رئيس الحكومة السيدة لمى سلام مهرجانات بيروت الدولية، كما أطلق وزير السياحة ميشال فرعون مهرجان جزين أمس، بعد أن أطلق السبت مهرجانات القبيات السياحية للعام 2015.

استقطاب الفنانين المتحدّرين من لبنان

أما المهرجان الحديث فهو في بلدة غلبون قضاء جبيل الذي يحظى باهتمام لافت، لأنّ القيّمين عليه أعدّوا برنامجاً كبيراً بدأ في 25 تموز واستمرّ لغاية 7 آب، حيث استضاف عدداً لا بأس به من الفنانين اللبنانيين والعرب والأجانب، وتميز باستقطابه فنانين لبنانيين مغتربين، لم يزوروا لبنان من قبل، وأولهم هذا العام عازف الـ Cell الفنان الفنزويلي اللبناني الأصل لويس كارلوس بارا الخوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى