هل تملك السعودية حرية الاختيار؟
نزار عثمان
ازدادت في الآونة الأخيرة الحركة السياسية الدولية لتواكب حدة المعارك المشتعلة في غير مكان من سورية، واتخذت الحركة السياسية هذه طابع التمهيدات والمبادرات المتسارعة، بما يشي بأن التسوية للوضع السوري المأزوم قد اقتربت من مرحلة اتخاذ قرار من قبل المجتمع الدولي والأطراف المتنازعة، عسى أن يتم فتح كوة نور ينتهي فيها النفق وإن طال.
ولعلّ هذه المبادرات قد تتمخض عن مبادرة واحدة رئيسية تحظى بموافقة الأطراف المتصارعة ومباركة الدول الداعمة، فمن زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى موسكو والمبادرة التي أطلقها أمامه الرئيس فلاديمير بوتين، والتي تضمّنت قيام تحالف تركي سعودي سوري لمواجهة «داعش»، وصولاً إلى استقبال بن سلمان للواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري، وصولاً الى اجتماع وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ووزير خارجية روسيا لافروف في الدوحة، وصولاً إلى اجتماع آخر في كوالامبور، مروراً بالتعديلات التي أطلقتها إيران على مبادرة سابقة عرضتها إيران على وزير الخارجية السوري وليد المعلم في زيارته الأخيرة إليها، وتضمنت: تشكيل حكومة، وتعديل الدستور بما يضمن حقوق الأقليات، يسبقهما وقف فوري لإطلاق النار ثم إجراء انتخابات في سورية، مروراً بالمبادرة التي حملها دي ميستورا المبعوث الدولي لسورية، وكلّ هذه المبادرات وجدت معارضة من طرف أو آخر، وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى موسكو.
وتناقلت وسائل الإعلام أنّ الموقف السعودي من الأزمة السورية إنْ من خلال اللقاء بين اللواء المملوك ومحمد بن سلمان، أو من خلال زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو، أنّ السعودية لن ترضى ببقاء الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة في سورية كشرط لأيّ تسوية أو مبادرة لحلّ الأزمة.
لكن هل هذا هو الموقف الفعلي للسعودية؟ وهل يمكن للسعودية الاختيار؟ بمعنى آخر، هل الظروف الدولية والداخلية السعودية تشي باطمئنان سعودي إلى هذا الموقف بحيث لا تبديل ولا تغيير فيه، وكلّ هذا السعي الروسي ـ الإيراني الدولي قد اصطدم بالحائط السعودي الرافض لأيّ حلّ مع بقاء الرئيس الاسد؟
تبدو الوقائع مخالفة بعض الشيء، فالسعودية اليوم تعاني من أزمات حقيقية أولاها داخلية وتتمثل بالإرهاب «الداعشي» الذي ابتدأ أعماله الإجرامية في الداخل السعودي من دون أن يكون لنظام المملكة أي قدرة على ردعه أو تجفيف مصادره الراسخة في بنية النظام الوهابي. والثانية خارجية تتمثل بالحرب التي يشنها النظام السعودي على اليمن. ثالثها الشعور بالعتب والترقب تجاه الولايات المتحدة بعد الاتفاق النووي مع إيران.
في النقطة الأولى، تعرض السعودية لثغرة يقوم الروس ومن ورائهم الأميركيون للترويج الى «داعش أولاً»، ويرى بعض الإعلام المموّل سعودياً أنها نظرية خاطئة، متناسين أنّ الحريق قد وصل إلى العباءة السعودية نفسها، واكتوت بنارها، ولم يعد «داعش» تمثل خطراً على سورية والعراق فحسب، بل على الخليج الفارسي وعلى رأسه السعودية ومن ورائها العالم أجمع. وعليه فإنّ عزل الرئيس السوري عن السلطة سيؤدّي لمزيد من الانتشار «الداعشي» في المنطقة، وسيشكل خطراً على السعودية وحلفائها قبل أن يشكل خطراً على أحد آخر.
النقطة الثانية، الحرب على اليمن الذي تورّطت السعودية فيه وتسعى لإيجاد مخرج يحفظ ماء وجهها فيه، وإنْ أخذنا بعين الاعتبار العلاقة الوطيدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية مع حركة أنصار الله الحوثية، لظهر معنا أنّ الموقف السعودي هو الأقرب إلى الاستجداء من إيران للمساهمة في صناعة مخرج مشرّف للنظام في السعودية بالوساطة مع الروس تارة ومع الأميركيين أخرى، وبالتالي فإنّ السعودية ليست الآن في أفضل حالاتها أو في موقف من يلقي شروطه ويمشي في الملف السوري نظراً للموقف الإيراني من الرئيس بشار الأسد- وهي لا تزال تغرق في وحول الملف اليمني.
ثالثاً وأخيراً، شعرت السعودية بطعنة من حليفتها أميركا بالاتفاق النووي الذي تمّ مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وزاد من قناعتها أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، أحدهما يتمثل بفتح قنوات تواصل واتفاق مع الكيان الصهيوني ضدّ إيران والاتفاق معها، لكن هذا الأمر سيجلب عليها الغضب الأميركي والعزلة، والآخر استجداء الروس في خطوة تعبّر عن امتعاضها من الولايات المتحدة. وكلّ هذا لا يمنعها من القراءة الواقعية بأنّ إيران باتت قوة لا يمكن تجاهلها ولا حلّ معها إلا في الحوار وعلى رأس أولويات الحوار مع إيران وروسيا من قبلها هو التحالف ضدّ «داعش»، والتوافق لحلّ الأزمة السورية مع بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس هرم السلطة في بلاده، وكل ذلك الإصرارعلى الموقف المعلن من الرئيس السوري بشار الأسد لا يوضع إلا في خانة الدلال غير المبرّر، ورفع السقف أمام الدول الكبرى، لمخاطبة جمهوره الذي عُبّئ لمدة زادت عن السنوات الأربع تجاه سورية ورئيسها.