السويس الجديدة: نصر سياسي واضح واقتصادي مأمول
إنعام خرّوبي
قبل افتتاح ما بات يسمى «قناة السويس الجديدة» وبعده، تتالت المستجدات في الشريط الإخباري عن مصر والحدث التنموي الضخم. لفترة من الزمن، تسارعت الأحداث التي تمحورت حول دعم اقتصادي وسياسي وعسكري دولي وإقليمي حصلت عليه القاهرة مؤخراً. فمن تدشين صفقات الأسلحة المعقودة مع فرنسا بقيمة تتجاوز الخمسة مليارات يورو، مروراً باستعادة ما تسمّيه دوائر واشنطن والقاهرة حواراً استراتيجياً بينهما، وصولاً إلى تأكيد رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف عزم بلاده على إقامة منطقة صناعية روسية، قرب قناة السويس، كخطوة أولى للمشاركة في مشاريع تنمية محور قناة السويس، يبدو جلياً حجم الاحتضان الدولي لمصر والالتفاف حول دعم قيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
في جعبة الرجل مشروعات يقدّر خبراء بأنها ستساهم في خلق مليون فرصة عمل في مصر التي تقارب فيها نسبة البطالة الـ13 في المئة. وتجدر الإشارة إلى أنّ مشروع القناة الجديدة سوف يستكمل بخطط أخرى طموحة بقيمة 15 مليار دولار تستهدف تحويل منطقة قناة السويس إلى مركز لوجستي وصناعي وتجاري. على الورق، يتوقع أن ترفع التوسعة الجديدة لمجرى القناة القدرة الاستيعابية من 49 سفينة في الوقت الحالي إلى 97 سفينة بحلول العام 2023، مع خفض مدة العبور في القناة، التي تشهد أكبر حجم من الملاحة في العالم، من 18 ساعة حالياً إلى 11 ساعة. هامش الكلام يتسع للمزيد من الأرقام حول «الجدوى الاقتصادية» للمشروع حيث أنّ التقديرات الرسمية في شأن المشروع تشير إلى زيادة إيرادات القناة السنوية من 5.3 مليار دولار متوقعة للعام الجاري إلى ما يفوق الـ 13 مليار دولار العام 2023.
عدّاد الحدث لا يقتصر على تعداد المكاسب من وراء المشروع والثناء على ميزان حسناته، بل إنّ تعداد الضيوف الوافدين لحضور الافتتاح الأسطوري وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي، وملك الأردن، وأمير الكويت، وحاكم دبي، ورؤساء السودان وفلسطين، ورئيسا المجلس النيابي والحكومة في لبنان وغيرهم، شكل جزءاً من المشهد المهمّ على مستوى تعزيز النظرة الاقتصادية إلى مصر كبيئة استثمار موثوقة، رغم الاضطرابات الأمنية الداخلية والمحيطة.
بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الافتتاح مزهوّاً بنصره السياسي المحقق على وقع إنجاز ما زال الشعب المصري يتطلع إلى ثماره على المستويات الاقتصادية والمعيشية الصعبة في مصر، والتي يرى محللون أنها أبعد من أن تكون قاب قوسين أو أدنى من التحقق. وفي هذا الإطار، شككت صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقديرات المسؤولين المصريين بخصوص مضاعفة «تفريعة قناة السويس» لحركة النقل والإيرادات خلال السنوات الثماني المقبلة معتبرة إياها غير واقعية. وعلى الوتر نفسه، عزفت صحيفة «واشنطن بوست» التي قارنت بين قناتي السويس القديمة والجديدة معتبرة أنّ الأولى غيّرت وجهة الملاحة الدولية مختصرة المسافة بين أوروبا وآسيا إلى حوالى النصف، فيما رأت أنّ الثانية غير ضرورية «على الأغلب» متذرّعة باستمرار وقوع حركة الملاحة تحت وطأة ازمة على المستوى الدولي، وبالوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه المصريون على المستوى الداخلي.
وفي كلّ الأحوال، لا تبدو روائح البترودولار بعيدة عن دعم تنفيذ المشروع الذي يعتبره السيسي أساسياً في مخططه الخاص للتنمية، وإنْ كانت قطاعات واسعة من الشعب المصري شاركت بحماسة في تمويل «المشروع الوطني» الذي بلغت تكلفته 8 مليارات دولار، فيما سُجِّل غياب ملحوظ لدور رجال الأعمال المصريين في الوقوف بـ «المال» على هذا الصعيد، وإنْ حضر بعضهم بـ «الموقف» و«الإسناد الإعلامي» على غرار ما قام به رجل الأعمال المصري الشهير نجيب ساويرس وغيره من رجال الأعمال ومالكي وسائل الإعلام المصرية.
الافتتاح الضخم أُعدّ له جيداً من قبل «أصحاب الرعاية» في مصر، ووسط الحديث عن الآمال المعقودة على هذا المشروع «التاريخي» وعن حجم الإيرادات التي ستجنيها مصر، يتخوّف كثيرون من نخب الاقتصاد والسياسة أن يكون واقع الحال في ما جرى حول «واقعة» افتتاح قناة السويس الجديدة يوافق المثل القائل: «الجمل بنية، والجمّال بنية».