سحب صواريخ الباتريوت الأميركية هل حان وضع حد للغطرسة التركية؟

ناديا شحادة

تعاظمت مكانة تركيا في الاستراتيجية الأميركية حيال منطقة الشرق الاوسط إبان سني الحرب الباردة وما تلاها من عمليات اعادة هندسة النفوذ الاميركي فيها عبر التموضع العسكري في ربوعها عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وتسنى للدور التركي تجديد اهميته بالنسبة الى واشنطن في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001 في اطار ما عرف خلال ادارة الرئيس بوش الابن بالحرب على الإرهاب حيث لعبت أنقرة دوراً لوجستياً مهماً في الحرب الاميركية بأفغانستان عبر تسهيل استخدام القوات الاميركية لاراضيها ومجالها الجوي فضلاً عن المشاركة بقواتها في تلك الحرب، وبعد وصول باراك اوباما للسلطة في واشنطن أعلن ان تركيا تمثل أولوية بالنسبة الى ادارته ومن ثم اطلع مصطلح الشراكة النموذجية بين البلدين، كون تركيا تتمتع بموقع استراتيجي بمقدوره مساعدة واشنطن على تحقيق مصالحها في الشرق الاوسط. وانطلاقاً من هذا التصور جاءت أولى زيارات أوباما الخارجية لتركيا في نيسان من عام 2009 لتؤكد دعم ومباركة واشنطن للدور الاقليمي التركي في ظل حكومة «العدالة والتنمية».

تركيا التي تفاقم دورها بعمق في حلف «الناتو» الذي انضمت إليه في شباط عام 1952، بسبب توافق المصالح التركية الاستراتيجية مع مصالح الدول الأعضاء واستمرت أنقرة في لعب دور مهم في التعاون الأوروبي الأطلسي، ومنذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وبعد موافقة اردوغان المساهمة في تدخل «الناتو» في ليبيا، إذ شاركت تركيا بغواصات وسفن حربية وخبراء استخبارات، فهذه المساهمة جعلت من تركيا حليفاً استراتيجياً في حلف شمال الاطلسي ولها مكانة الطفل المدلل داخل الاسرة «النيتوية»، وبناء عليه قامت كل من الولايات المتحدة الاميركية وألمانيا وهولندا بنشر منظومة دفاعية لصواريخ باتريوت في تركيا منذ عام 2013 بغرض الدفاع عن أراضيها وللتصدي لأي هجوم محتمل وسط تصاعد الصراع الدائر في سورية، وذلك كجزء من واجب حلف شمال الاطلسي في الدفاع عن الدول الأعضاء فيه، وبعد التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط جاء قرار وشنطن بسحب صواريخ الباتريوت من تركيا حيث أعلنت السفارة الاميركية لدى أنقرة ان واشنطن ستسحب بطاريات صواريخ باتريوت من جنوب تركيا بعد إعادة تقييم للتهديدات الناجمة عن الصراع في سورية. هذا القرار الذي جاء بعد اقل من شهر من فتح تركيا قواعدها الجوية امام المقاتلات الأميركية لشن هجمات ضد تنظيم «داعش» الارهابي الذي بات حالة تضعها الدول الإقليمية في المرتبة الأولى من أولوياتها، وما يشدد عليه المتابعون ان قرار واشنطن هذا جاء بناء على رغبة الولايات المتحدة في اعادة توزيع الأدوار من جديد، بعد ان اعادت النظر في استراتجيتها ووضعت الاولوية لها وهي محاربة «داعش» وليس رحيل الرئيس بشار الأسد، إذ كان وزير الخارجية الاميركي جون كيري أشار إلى ان القضاء على التنظيم يشكل التحدي الحالي امام واشنطن وذلك بعد العملية الإرهابية التي شهدتها باريس في شباط من العام الحالي وأدت الى مقتل 17 شخصاً.

ففي الوقت الذي رأت واشنطن ان تنظيم «داعش» هو المصدر الاساسي لتهديد الأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط فإن تركيا رأت ان حكم الرئيس بشار الأسد هو الخطر المباشر على أمنها، ومع القراءات العديدة للموقف الاميركي من الأزمة السورية يؤكد المتابعون ان هناك تغييراً ملحوظاً في لغة الخطاب الاميركي وظهر ذلك واضحاً في افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» في 24 كانون الثاني 2015 بعنوان تحول الوقائع في سورية على ان التهديد الأكبر في الوقت الحالي لا يتمثل في الرئيس الأسد، بل بتنظيم «داعش». فمع قرار واشنطن بسحب صواريخ الباتريوت من الجنوب التركي في ذروة الحديث التركي عن التفاهم مع الأميركيين على إقامة منطقة حظر جوي في سورية يؤكد المتابعون ان ما قمت به واشنطن ما هو الا رسالة لأنقرة ولدول الجوار تؤكد فيها ان الخطر متمثل بتنظيم «داعش» وليس بنظام الرئيس بشار الاسد ويعلنون عملياً نعي الحلم التركي في اقامة منطقة حظر جوي.

فمع المعطيات الجديدة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط ومع الخطوة التي قامت بها واشنطن بسحب صواريخ باتريوت يبقى السؤال هل حان الوقت لإيقاف الحرب الدائرة بسورية ووضع حد للغطرسة التركية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى