«السمسار» بلير… التغيّرات في القيادة الفلسطينية
راسم عبيدات
حذرت في أكثر من مقالة سابقة، بأن ما يجري من حركة سياسية ولقاءات مكثفة بين حماس ومبعوث الرباعية الدولية السابق طوني بلير وبمشاركة فاعلة من أطراف عربية وإقليمية في مقدمها قطر والسعودية وتركيا وجهات دولية، كالرئيس الأميركي السابق كارتر والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير خارجية بلغاريا وغيرهم وموافقة دولية من أميركا و«إسرائيل»، الهدف منها بالأساس ضرب وحدة المشروع الوطني الفلسطيني، وتعزيز وتكريس حالة الانقسام والانفصال، بما يضمن إقامة حالة كيانية فلسطينية محدودة الاستقلال في قطاع غزة، وفي موازاة ذلك، يجرى العمل على إيجاد صيغة من التقاسم المدني الوظيفي في الضفة الغربية، مع ابتلاع كبير لمناطق «سي» التي تشكل النسبة الكبرى من مساحة الضفة الغربية، ويرافق ذلك ابتلاع كلي لمدينة القدس.
واليوم بدأت ملامح الصورة تتضح أكثر فأكثر ولم يعد نفي قيادات حماس مجدياً أو مقنعاً، فقد كشف القيادي في حماس أحمد يوسف أن المفاوضات حول التهدئة طويلة الأمد بين «إسرائيل» وحماس بوساطة «السمسار» بلير ـ الذي طوال فترة وجوده في القدس كممثل للرباعية الدولية، كانت مواقفه «إسرائيلية» أكثر من القيادات «الإسرائيلية» نفسها ـ قد قطعت شوطاً كبيراً وهناك شيء ما يتبلور بشكل نهائي سيعلن قريباً، ولهذه الغاية والهدف، أشارت مصادر صحافية إلى أن بلير كان قد التقى خلال الأسابيع القليلة الماضية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس جهاز مخابراته العامة اللواء خالد فوزي، ومستشار الملك الأردني للشؤون الأمنية الفريق أول فيصل الشوبكي، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى عدد من المسؤولين «الإسرائيليين» في مقدمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
و»حماس» في سياق تبريرها لهذه المفاوضات والاتفاق المتبلور ـ بأن السلطة الفلسطينية بسلوكها وممارساتها ونهجها هي من دفعتها لمثل هذا الخيار، حيث حكومة الوفاق الوطني المتشكلة ـ لم تقم بأي جهد جدي وفعل حقيقي على صعيد حل الأزمات والمشاكل الكبيرة في القطاع اقتصادياً واجتماعياً، ناهيك عن أن المعابر لم تفتح والحصار لم يرفع والإعمار دوران عجلته بطيء جداً وأزمة رواتب موظفي حماس الـ40 ألفاً بقيت على حالها، وبالتالي كل هذه الظروف والمعطيات تفاقم من أزمات سكان القطاع وتفتح الطريق نحو قيام حالة من الفوضى والجريمة المنظمة، وهذا يفاقم من أزمة «حماس» المالية ويهدد سلطتها ودورها ونفوذها.
«السمسار» بلير وهو يقود مثل هذه المفاوضات، ما يهمه بالأساس مصلحة «إسرائيل»، فهو يعتبرها فوق أي مصلحة أخرى، ودائماً كان يتحدث حول الأمن «الإسرائيلي»، أما من هم واقعون تحت الاحتلال ويتعرضون لأبشع أنواع القهر والظلم والعدوان، والذين تتفاقم مأساتهم بسبب ما زرعته حكومة بلير لكيان غاصب على أرضنا وحساب شعبنا، فهؤلاء لا يهمه مصيرهم ولا معاناتهم، ولا ينظر لها من باب حقهم في العيش بحرية وكرامة في وطن مستقل، بل من باب تحسين شروط وظروف حياتهم الاقتصادية تحت الاحتلال كقضية إنسانية لا وطنية وحقوق شعب بامتياز، والجميع يعرف أن بلير أول من زار إحدى البلدات «الإسرائيلية» التي سقط فيها صاروخان فلسطينيان متضامناً، حيث قتل وأصيب عدد من المستوطنين كرد على عدوان «إسرائيل» على قطاع غزة، في وقت كانت طائرات الاحتلال تقتل العشرات من أطفال غزة، والذي اعتبره هذا «السمسار» حقاً لـ«إسرائيل» بالدفاع عن نفسها في وجهه «الإرهاب» الفلسطيني، وكذلك في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، طالبه بلير بعدم إدانة «إسرائيل» واتخاذ قرارات أو عقوبات بحقها بسبب جرائمها بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً.
السلطة الفلسطينية نتيجة لانسداد آفاق الحلول السياسية وتعنت وتمادي حكومة الاحتلال اليمنية المتطرفة في صلفها وعنجهيتها ومشاريعها الاستيطانية وتنكرها لحقوق شعبنا الفلسطيني، ورفضها تقديم أية تنازلات جوهرية من أجل تحريك المفاوضات، وما تمر به السلطة من أزمات اقتصادية وقيادية وانقسام وشيوع الفوضى والفلتان ومأسسة الفساد، كلها شكلت عوامل ضاغطة على السلطة الفلسطينية وقياداتها من أجل اتخاذ خطوات وقرارات تجاه تغيرات واسعة في القيادة الفلسطينية لمواجهة مثل هذه الأوضاع والتطورات، والحديث والمصادر الصحافية تقول بأن هناك تغيرات كبيرة في القيادة الفلسطينية سيقدم عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في شهر أيلول المقبل، ولكن ما أخشاه أن تلك التغيرات، تعيد إنتاج الأزمة السياسية، وتكون التغيرات في الإطار الشكلاني، لا أكثر ولا أقل، فكما حصل قبل فترة، والحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد قلت في مقال سابق لا «حكومة وحدة وطنية في الأفق»، وأرى أن الأولوية لإنهاء الانقسام على تشكيل حكومات، حيث ولدت حكومة معدلة، مهما كانت مهنية أو كفاءة من انضموا إليها، فهي لن تسهم في «فكفكة» و«حلحلة» المشاكل الكبرى، من دون برنامج سياسي متوافق عليه وطنياً من قبل كل مركبات ومكونات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني. واليوم والحديث يجرى عن تغيرات واسعة في القيادة، وكأن الشعب الفلسطيني «عاقر»، فعلى الصعيد الحكومي الوجوه نفسها، ويجري تحريكها وتبادل الأدوار والحقائب في ما بينها، فهي «جهبذية» وألمعية، وليست مسؤولة عن أي فشل أو قصور أو عدم إنجاز، بل من يتحمل المسؤولية هو الشعب! وكذلك في عملية تغيير من يقودون أو من يفوضون بالتحضير لعملية التغيرات المطلوبة، هم صالحون لكل شيء وقدراتهم خارقة وهم قادرون على كل شيء، ولا ينجزون أي شيء.
ما المطلوب؟ وقفة جدية ومراجعة شاملة تطاول كل شيء، ولا أحد فوق المحاسبة أو المساءلة، في ما وصل إليه المشروع الوطني الفلسطيني، أما مسألة تغيير «الطرابيش» والتدوير لمجموعة من الأشخاص تتربع على قيادة الشعب الفلسطيني وتغتصب إرادته وقراره، فلا أعتقد أن ذلك سينتشلنا من الكارثة التي نحن فيها.
Quds.45 gmail.com