المصلحة «الإسرائيلية»… فلتنتصر السعودية ولتخسر إيران

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

لا يزال الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني محطّ اهتمام وسائل الإعلام الغربية والعبرية. ولا تزال «إسرائيل» تسعى ـ مع المملكة الوهابية ـ إلى إفشال هذا الاتفاق، عبر عددٍ من العراقيل. ولعلّ مطالعة المقالات في الصحف العبرية، خصوصاً التقارير المترجمة إلى الانكليزية، خير وسيلة لفهم ما يدور في الذهن الصهيوني.

تقريرنا اليوم واسع ومتنوّع، وهو منقول من عدّة مصادر، منها ما تُرجم مؤخّراً إلى الانكليزية عبر عددٍ من المواقع، عن صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، ومنها ما تُرجم عن «BBC».

يتناول التقرير مصلحة «إسرائيل» في اقتتال العرب في ما بينهم العدوان السعودي على اليمن ، وفي الشرخ القائم بين بعض العرب وإيران بسبب الاتفاق النووي. فـ«إسرائيل» تخشى دائماً من تشكّل ائتلاف عسكري عربي، وها هو ذا الائتلاف قد تشكل بهدف مقاتلة الدولة غير العربية… وهي ليست «إسرائيل»، إنما إيران، وحتى تركيا وباكستان تدعمان هذا الجهد على رغم استمرار الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بشكل عام، والفلسطيني ـ «الإسرائيلي» بشكل خاص. الدول العربية لم تتجند ضدّ «إسرائيل»، إنما ضد إيران، هذا التعبير النادر للوحدة العربية، والذي يبدو خارجاً عن المألوف، يظهر الآن في اليمن، إيران نجحت في إنجاز ما فشلت «إسرائيل» في تحقيقه: ان توحّد العرب في إطار عسكري، حتى وإن ركز هذا الائتلاف الكفاح ضد حلفاء إيران في اليمن… الحوثيين.

كما يتناول التقرير تأثيرات الاتفاق النووي مع إيران على كل من «إسرائيل» والمملكة العربية السعودية. فعدا الأهداف المباشرة المتعلقة بالملف النووي، فإن الاتفاق الموقع بين إيران والقوى الكبرى حول هذا الموضوع يخلق سلسلة من المشاكل والتحدّيات الكبرى بعيدة المدى تجاه «إسرائيل»، والتي ستبرز على وجه الخصوص على الساحتين الفلسطينية والسورية، على ساحة نزع الشرعية، وعلى مستوى العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، موقفها مع الحكومة وفي أوساط الشعب الأميركي.

وفي التقرير أيضاً مرور على التحدّيات التي تواجه المملكة العربية السعودية ضمن أجواء الاتفاق النووي الإيراني.

المصلحة «الإسرائيلية»

«إسرائيل» تخشى دائماً من تشكّل ائتلاف عسكري عربي، وها هو ذا الائتلاف قد تشكل بهدف مقاتلة الدولة غير العربية… وهي ليست «إسرائيل»، إنما إيران، وحتى تركيا وباكستان تدعمان هذا الجهد على رغم استمرار الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بشكل عام، والفلسطيني ـ «الإسرائيلي» بشكل خاص. الدول العربية لم تتجند ضدّ «إسرائيل»، إنما ضد إيران، هذا التعبير النادر للوحدة العربية، والذي يبدو خارجاً عن المألوف، يظهر الآن في اليمن، إيران نجحت في إنجاز ما فشلت «إسرائيل» في تحقيقه: ان توحّد العرب في إطار عسكري، حتى وإن ركز هذا الائتلاف الكفاح ضد حلفاء إيران في اليمن… الحوثيين.

يجب التأكيد أن الحديث يدور عملياً عن عملية عسكرية سعودية، حظيت حالياً على تعزيز صغير، وفي بعض الأحيان رمزي من قبل عدد من الدول العربية مثل مصر. وعلى رغم أن المواجهة ليست مباشرة بين السعودية وإيران، ما زال الحديث يدور عن صراع سنّي ـ شيعي أو عربي ـ فارسي أو إيراني ـ عربي، وهذه أيضاً مرحلة أخرى من الحرب التقليدية على ضمّ مناطق نفوذ وهيمنة في الشرق الأوسط بين الدول القوية في الإقليم.

في الماضي، شاركت في هذا الصراع دول مثل سورية، والتي أصبحت الآن ساحة حرب بين مزيج من الميليشيات على اختلاف مشاربها، والتي تؤيد بعضها دولاً تعتبر الآن مهيمنة مثل إيران والسعودية.

منذ اندلاع الحرب في سورية عام 2011، تحرص «إسرائيل» على البقاء خارج الحمام الإقليمي، وفق تقارير أجنبية فقد استهدفت «إسرائيل» عدة مرات فقط مواقع على الأرض السورية بهدف إحباط عمليات نقل سلاح متطور إلى حزب الله، إلى جانب هذا هناك احتكاك على الحدود «الإسرائيلية» ـ السورية في هضبة الجولان، لكن وعلى رغم حيادية «إسرائيل»، فإنها لا تريد حقاً ان تشهد انتصاراً إيرانياً في سورية.

مصر والسعودية، اللتان وقفتا على جانبي المتراس في حرب اليمن في الستينات، هما حليفتان في المواجهة الحالية في الدولة ذاتها. في ذلك الوقت ساعدت «إسرائيل» أعداء مصر في الإقليم بعض الشيء. تورط مصر في اليمن في الستينات عرفت حينها بـ«فييتنام مصر» نسبة للصراع المر الاستنزافي الذي أدارته الولايات المتحدة في فييتنام في المرحلة ذاتها طبعاً. قد يصبح اليمن اليوم فييتنام السعودية فالحوثيون خصم عنيد على دراية جيدة بطبيعة المنطقة، ولأنه يقاتل على أرضه ويحظى بدعم قوة كبرى… إيران.

السعودية ومصر ودول أخرى من بينها إسرائيل قلقة من أن الحوثيين وأولياءهم في طهران يهددون من اليمن المضيق القريب باب المندب، والذي يعتبر البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، عرض المضيق في جزئه الأضيق يبلغ حوالى 27 كيلومتراً. في معارك «يوم الغفران» أغلقت مصر المضيق في وجه الملاحة «الإسرائيلية». واليوم مصر و«إسرائيل» المتعاونتان في قمع العصابات والإرهاب في سيناء قد تعملان سوياً من أجل تأمين الملاحة لمصر و«إسرائيل» عبر باب المندب، وعلى ضوء الحساسية في العالم العربي بما في ذلك مصر تجاه «إسرائيل». فبالتأكيد ان كل ما يتعلق بتدخلها العسكري ومساهمتها في تأمين الملاحة في باب المندب يجب ان يجري في الخفاء.

النموذج الشاهد على أهمية باب المندب بالنسبة إلى «إسرائيل» هو الهجوم الذي وقع في 11 حزيران 1971 ضدّ باخرة نقل «إسرائيلية». خلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خرجت في قارب صغير تجاه الناقلة «الإسرائيلية»، وأطلقت عشرة صواريخ أدّت إلى إشعال النار في الناقلة، غير أنها أخمدت. قد يكون المضيق اليوم عرضة لمثل هذه الهجمات لا بل أكثر فعالية إذا أطلقت في المنطقة صواريخ ذات رؤوس حربية شديدة الانفجار، أضف إلى ذلك فقد تنصب إيران في المنطقة صواريخ بر ـ بحر تشكل خطراً كبيراً. وربما تغرق سفناً تبحر باتجاه «إسرائيل» أو خارجة منها، في جميع هذه الهجمات يمكن لإيران ان تستخدم «ذمّييها» كما تتصرف في مناطق أخرى، كحزب الله في لبنان، بهدف عدم تحمل المسؤولية لكي لا تتلقى الاستنكار الدولي، ولكي تجعل من الصعب على «إسرائيل» أن تردّ ضدّها بشكل مباشر وعلنيّ.

دعا أبو مازن إلى تنفيذ عملية مشابهة لما يجري في اليمن لمصلحة الفلسطينيين، وعلى رغم كل انتقاداته لـ«إسرائيل»، هناك شك بأنه يسعى إلى ائتلاف عسكري عربي ضد «إسرائيل»، وهي عملية غير متوقعة ومن الصعب جداً تحققها على ضوء قوة «إسرائيل» والتحديات الأهم التي تواجه الدول العربية السنّية. التحالف التقليدي ضدّ «إسرائيل» اعتمد من قبل دول مثل مصر والأردن وسورية والعراق، و«إسرائيل» لديها الآن اتفاقيات سلام مع مصر والأردن، وإن كان سلاماً بارداً، أما العراق وسورية فيشهدان عمليات تفكك متقدمة، والسعودية طبعاً لن تتوجه ضدّ «إسرائيل»، لا بل على العكس، في السنوات الأخيرة نُشرت سلسلة من الأخبار حول تفاهمات تشكلت بين الدولتين ضد إيران، من بين الكثير من الأمور تم الحديث عن ممر جوي سعودي لهجوم «إسرائيلي» محتمل ضد مواقع إيران النووية.

رئيس السلطة الفلسطينية كان يفضّل ان يرى هجوماً عربياً على عدوه الألد على الساحة الداخلية: «حماس» في قطاع غزة. السلطة الفلسطينية عارضت عندما هاجمت «إسرائيل» «حماس» في قطاع غزة في الجولات التي وقعت هناك بعدما سيطرت حماس بالقوة على قطاع غزة عام 2007. أبو مازن الذي تطرق إلى المبادرة العسكرية السعودية تجاه اليمن، كان ربما يريد ان يرى مصر تضرب جارتها العصية «حماس»، التي اعتبرت عدواً لدوداً لنظام السيسي الحاكم في مصر، وفي المجمل المعركة في اليمن هي فصل آخر في الصراع بين إيران والمحور المتبلور الرياض القدس كجزء من المصلحة المشتركة القائمة بين دول عربية سنّية و«إسرائيل» في كبح الهيمنة الإيرانية على الشرق الأوسط، لذلك على «إسرائيل» أن تساعد حلفاءها، ولكن طبعاً ليس عن طريق إرسال الجنود وإنما بالسر وبصورة ملتوية.

التحدّيات غير النووية للاتفاق مع إيران

عدا الأهداف المباشرة المتعلقة بالملف النووي، فإن الاتفاق الموقع بين إيران والقوى الكبرى حول هذا الموضوع يخلق سلسلة من المشاكل والتحدّيات الكبرى بعيدة المدى تجاه «إسرائيل»، والتي ستبرز على وجه الخصوص على الساحتين الفلسطينية والسورية، على ساحة نزع الشرعية، وعلى مستوى العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، موقفها مع الحكومة وفي أوساط الشعب الأميركي.

الجهود الأميركية التي بذلت لتوقيع الاتفاق مع إيران عكست اختياراً استراتيجياً يعتبر أن إيران جزء من الحل للمشاكل في الشرق الأوسط، لا جزءاً من مشكلة الاستقرار والأمن في المنطقة. يبدو أن إيران تشخص من قبل الحكومة الأميركية على أنها عامل استقرار ولاعب مسؤول يمكن الاعتماد عليه والتعاون معه في محاربة الإسلام الاصولي عموماً، و«داعش» خصوصاً، والتفسير العملي لهذا الفهم، تسليم أميركا بما تقوم به إيران من «تخريب» في المنطقة وتعميق نفوذها فيها. والتقدير السائد في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية عموماً، أن تقوية مكانة إيران ستحسن بشكل كبير قدرتها على مساعدة حلفائها في المنطقة، ما يعني رياح تدفع أشرعة «حماس» التي دُفعت إلى المأزق الاستراتيجي في أعقاب «الجرف الصامد» وفقدانها الراعي الاستراتيجي في مصر عند إسقاط حكم الاخوان المسلمين، وتحول الحركة ومعها «حماس» إلى عدو لدود وخطير في نظر النظام المصري. التحسن الذي سيطرأ على مكانة إيران الإقليمية من شأنه إذا كان الأمر كذلك أن يؤدّي بـ«حماس» إلى التراجع عن سياسة ضبط النفس. أما حزب الله، فإن انعكاسات الاتفاق ستذهب به أبعد من ذلك، التقارب بين إيران وحزب الله والتزام إيران تجاه التنظيم الشيعي، الذي يقاتل إلى جانبها على الساحة السورية للدفاع عن نظام الأسد، يضمن زيادة المساعدة الإيرانية «المقبوحة» للتنظيم وبالتالي تقوية مكانته في سورية ولبنان على حدّ سواء، لا سيما تنامي التهديد المعقد الذي يشكله على «إسرائيل» على الجبهتين اللبنانية والسورية.

إضافة إلى فشل «إسرائيل» في التأثير على الولايات المتحدة في خصوص صيغة الاتفاق مع إيران، والتوتر المتزايد بين «إسرائيل» وبين الحكومة يمس بمكانتها في عيون اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط، في واقع يعتبر الدعم الأميركي لـ«إسرائيل» واضحاً، وكذلك تأثير «إسرائيل» المفهوم على الولايات المتحدة يعتبر كبيراً فإن هناك احتمالات كبيرة ان تشترط دول في المنطقة مناط التهديدات والتحديات الاستراتيجية المشابهة لتلك التحديات التي تواجه «إسرائيل» مع التركيز على إيران والتنظيمات الجهادية بأنواعها ، تشترط التعاون مع «إسرائيل» بمفاهيم عدة، سياسية وأمنية، إن كان من قبل توقيع الاتفاق لدول سنية براغماتية حافز للتعاون مع «إسرائيل» بفضل مكانتها ونفوذها في الولايات المتحدة فالآن يجب الاستعداد لإمكانية ان يتقلص هذا الحافز، وكذلك تتقلص إمكانية إقامة ائتلاف إقليمي. على سبيل المثال، على أساس مواءمة المبادرة العربية مع الظروف التي طرأت على الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

وعلى ساحة الصراع من أجل نزع الشرعية، والذي أصبح تحدّياً استراتيجياً حقيقياً بالنسبة إلى «إسرائيل»، فقد تظهر لهذا الاتفاق انعكاسات إشكالية، بعدما فسّر الاتفاق من قبل الكثيرين بأنه ليس نجاحاً إيرانياً فحسب، إنما فشل «إسرائيلي» أيضاً. فمن المفترض أن يمثل حافزاً للجهات التي تقوم بمسيرة نزع الشرعية ضدّ «إسرائيل» على الساحة الدولية. ستكون مهاجمة «إسرائيل» أكثر سهولة عندما ينظر إليها على أنها تتحرك ضد العالم وترفض اتفاقاً أقره باعتباره مستبعداً ومقلصاً لاحتمال نشوب حرب. صورة «إسرائيل» كمثيرة للحرب من شأنها ان تتفاقم، لا سيما عندما تلفّظ وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ما يشبه ذلك في البرلمان البريطاني.

وفي ما يخص علاقات «إسرائيل» بالولايات المتحدة يبدو ان الرئيس أوباما نجح في تأسيس تأييد شعبي واسع للاتفاق استثني التأييد المتحفظ على الأقل إلى الآن في الكونغرس وفي تقوية مكانته الشعبية والرسالة في شأن الميراث الرئاسي الذي يأمل ان يخلفه، التأييد الشعبي سيسهم في رفع هيبة إيران في عيون الشعب الأميركي. وعلى النقيض، فإن «إسرائيل» هي المعارضة الأكثر حيوية وصراخاً إزاء الاتفاق، سواء بمفهومه النووي أو بمفاهيمه غير النووية. موقف «إسرائيل» هذا يثير حفيظة الرئيس أوباما وتؤثر على رؤيته السياسية ولا تنسجم مع الشعور الناشئ لدى الشعب الأميركي.

وبناءً عليه، يمكن القول ان مكانة «إسرائيل» في الولايات المتحدة ستهتز إذا أصبحت خيبة أملها وقلقها في أعقاب توقيع الاتفاق مسيرة سياسية رسمية استهلالية يجب التفريق بين نشاطات مبادرة المنظمات والأشخاص الإسرائيليين غير الحكوميين ضد التصويت في الكونغرس لمصلحة رفع العقوبات المفروضة على إيران. في سيناريو من هذا القبيل يمكن ان تعلق «إسرائيل» في مواجهة حادة مع الرئيس أوباما والحكومة الأميركية بكاملها، وتعتبر من قبل أجزاء واسعة من الشعب الأميركي متدخلة في السياسة الداخلية للولايات المتحدة، التوتر الذي سيشتد حينها بين الحكومتين الأميركية و«الإسرائيلية» من شأنه ان ينسف أسس الدعم التاريخي للشعب الأميركي لـ«إسرائيل». هذه العملية، التي لن تكون فورية بالضرورة، من شأنها ان تؤدي إلى رسم صورة لـ«إسرائيل» كعامل إشكاليّ يخرّب الجهود الأميركية لإصلاح العالم والعمل على استقراره. والذي من شأنه ان يجر الولايات المتحدة إلى حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وعلى رغم إرادتها الاستراتيجية وعلى نقيض مصالحها القومية.

إلى ذلك، إنّ نجاح الرئيس أوباما في التوصل إلى اتفاق مع إيران قد تشجعه على الاستفادة من هذا الانجاز للدفع باتجاه الاتفاق «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني من خلال استخدام الضغط على «إسرائيل»، والتفكير مجدداً في شأن دعمها على الساحة الدولية. شريك الرئيس في رؤيته وزير الخارجية جون كيري، والذي يحظى هو أيضاً بتقدير متزايد في الولايات المتحدة قد يصبح «مولداً» للضغوطات على «إسرائيل» بسبب إيمانه بإمكانية التوصل إلى اتفاق، لو ان المحادثات تجددت، مبادرة أميركية لتجدد المفاوضات «الإسرائيلية».

من ناحية «إسرائيل»، إن أهمية التحديات غير النووية، والتي فرضها الاتفاق الموقع بين إيران والدول الكبرى التي نحتاجها لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، مع التركيز على دعمها لكل من حزب الله و«حماس». الحاجة إلى تفكير استراتيجي متجدد تجاه سورية على إثر إمكانية بقاء نظام الأسد المتزايدة، والحاجة إلى الاستعداد قبيل احتمال استخدام الضغط من قبل النظام الأميركي بهدف دفع الاتفاق مع الفلسطينيين في ظروف إشكالية بالنسبة إلى «إسرائيل»، والحاجة إلى الاستعداد المنتظم لمواجهة تحدي نزع الشرعية، لا سيما ضرورة منع تدهور آخر في العلاقات مع الولايات المتحدة.

إذاً، إن مواجهة «إسرائيل» التحديات الاستراتيجية غير النووية التي نجمت عن التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران من شأنها ان تكون مبنية على تطبيب العلاقات الخاصة بين «إسرائيل» والولايات المتحدة. خصوصاً للحاجة إلى بلورة تفاهمات مع الحكومة الأميركية في شأن الرد على الخرق الإيراني للاتفاق النووي. نوصي أولاً وقبل كل شيء بالامتناع عن التحرك ضد الرئيس أوباما وحكومته على الساحة السياسية الأميركية، وبذلك يسهل على «إسرائيل» التقدم نحو الأهداف التالية: تأمين الالتزام الأميركي لضمان التفوق العسكري النوعي وحتى الكمّي لـ«إسرائيل». بلورة اتفاقات مع النظام الأميركي إزاء الردّ على دعم إيران للتنظيمات الارهابية التي تهدد «إسرائيل»، بما في ذلك تفاهمات في شأن النشاطات «الإسرائيلية» الاستباقية ضد تعاظم قوة «حماس» وحزب الله الخارقة للتوازن. تحديد المصلحة «الإسرائيلية» الاستراتيجية على الساحة السورية، مع التركيز على ما لا تستطيع «إسرائيل» هضمه، وبلورة تفاهمات مع الحكومة الأميركية في هذا الشأن على أساس الافتراض بأن النظام البعثي سواء برئاسة الأسد أو بقيادة أخرى سيبقى على حاله أو ربما ينجح في ان يعيد لنفسه السيطرة في مناطق واسعة من سورية. وعد من خلال حوار استراتيجي واستخباري مكثف بعدم التدخل «الإسرائيلي» الرسمي في الساحة السياسية الأميركية الداخلية، إلى جانب خطوات «إسرائيلية» تظهر نوايا «إسرائيل» الحسنة في دفع العملية السياسية، لأن الحكومة الأميركية لن تبادر بعملية للاتفاق مع الفلسطينيين دون تنسيق مسبق للوسيط مع «إسرائيل». في هذا الخصوص يجب السعي من بين أمور كثيرة إلى الدفع باتجاه تفاهمات مع الحكومة في شأن المطالب النهائية من قبل الفلسطينيين ومواصلة الصراع والنشاطات الفلسطينية ضد «إسرائيل» على الساحة الدولية والتحريض.

ويمكن القول ان تسوية الخلافات بين الحكومة «الإسرائيلية» والإدارة الأميركية ستساهم خصوصاً في المواجهة مع الآثار الحتمية التهديدية للاتفاق النووي على المستويين النووي وغير النووي على حد سواء، وسيساعدها أيضاً في مواجهة تحدّي نزع الشرعية على الساحة الدولية والخطر الذي المتزايد على خلفية مناهضة «إسرائيل» الاتفاق وحدها في مواجهة القوى الكبرى وباقي الدول المؤيدة.

السعودية وإيران

الاتفاق النووي الذي توصلت إليه الدول الكبرى مع إيران يعتبر خبراً سيئاً في الرياض، إذ إن تفسير الاتفاق يعني ان إيران بالفعل تلقت اعترافاً دولياً بأنها دولة «حافة نووية». تنظر السعودية إلى هذا التطور المتعدد الأهداف على انه دليل على تقوية إيران الخصم الأيديولوجي والجيواستراتيجي المركزي على حسابها.

في ردّ على توقيع الاتفاق، نشرت وكالة الأنباء السعودية خبراً إيجابياً، وإن كان حذراً ومتردّداً، وكانت صياغته مشابهة لأقوال الملك السعودي سلمان للرئيس أوباما في المكالمة الهاتفية التي بادر بها الرئيس بعيد التوقيع على الاتفاق «العربية السعودية تؤيد أي اتفاق يضمن ان إيران لن تتسلح بالنووي». ولكن محرّر الصحيفة ذات الطابع السعودي الشرق الأوسط كانت أكثر انتقاداً تجاه الاتفاق في المقال الذي نشر تحت عنوان «الاتفاق يفتح بوابات الشر على المنطقة». أضف إلى ذلك انه وعلى رغم ان البيت الملكي اختار ألا ينتقد الاتفاق علانية، فإن أعماله في الواقع من شأنها ان تشهد على عدم الرضى من آثاره وانعكاساته.

إضافة إلى الآثار التقنية للاتفاق، تخشى المملكة ان تكون الصفقة بداية للتقارب الإيراني ـ الأميركي، والذي سيكون على حساب علاقاتها هي مع الولايات المتحدة، الصفقة ـ وهذا ما يخشاه السعوديون ـ ستسمح لإيران بالمحافظة على قدراتها النووية اللازمة وبشكل فوري في حال لم تتخذ خطوات هجومية ضد محاولاتها زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وأكثر من ذلك فهناك خطر من ان انتقاد النظام الإيراني بسبب تصرفاته في إيران الداخل، لا سيما على الساحة الإقليمية، حيث تتدخل إيران منذ سنوات بشكل تخريبي، ستتخذه إيران ذريعة لخرق الاتفاق وتخطي العتبة النووية.

تزعم جهات أميركية عدّة الفصل بين الموضوع النووي والقضايا الإقليمية، غير ان الصرعات الداخلية في العراق وسورية واليمن من شأنها ان تكون من الآن فصاعداً رهينة الاتفاق مع إيران، بمعنى أن دولاً ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة ـ سترتدع عن اتخاذ سياسة تتعارض مع المصالح الإيرانية خشية ان تتراجع الأخيرة عن تعهداتها وفق الاتفاق وتجدد نشاطاتها الممنوعة في المجال النووي.

ويجب أن نذكر، انه وعلى خلفية الحرب ضدّ «داعش»، فقد حظيت إيران بمكانة اللاعب المسؤول ـ نسبياً ـ وكشخص يمكن ان تعقد معه الصفقات، في نظر السعوديين فقد يكافئ الأميركيون إيران بسبب التنازلات التي قدمتها في الاتفاق، فتسمح لها بحرية الحركة أكثر بكثير مما هو قائم حالياً لتحقق أهدافها السياسية في الشرق الأوسط وتنسف عمليات لا تخدم تلك الأهداف.

في المقابل، فإن رفع العقوبات سيزود إيران بالمطامح لتقديم نفوذها الإقليمي وتجعلها أقل تضرراً من الناحية الاقتصادية وأكثر عدوانية في التقدم نحو أهدافها.

يخشى السعوديون من أن تنامي أمن إيران الذاتي والناتج عن الاتفاق سيسمح لها بمواصلة التدخل على الساحات المختلفة بسهولة أكثر، وأن تجند إلى صفوف المحور الإقليمي الي تقوده لاعبين آخرين في هذا الخصوص. فمنذ زمن بعيد يسعى الإيرانيون إلى دقّ الأوتاد بين عدد من دول الخليج والعربية السعودية. بعد الاتفاق يبدو ان هناك محاولة إيرانية متصاعدة بهذا الاتجاه، وليس مفاجئاً، لا سيما تجاه قطر وعمان، ويبدو هذا سبب النشاطات السعودية المتنامية والتي مفادها تقوية الجبهة السنية في مواجهة إيران وضم لاعبين آخرين إليها مثل تركيا و«حماس».

أدى الاتفاق بالرياض إلى وضع استراتيجية تهدف إلى إبقاء جميع الخيارات النووية مفتوحة. وأفصحت المملكة عن توجهاتها النووية المدنية عام 2006. ومنذ ذلك الحين وهي تدرس استخدام التقنية النووية في عدد من المجالات، من بين أمور كثيرة أعلنت عن برنامج نووي عملاق بتكلفة تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، وكذلك وقعت على قائمة من الاتفاقيات للتعاون النووي مع الكثير من الدول من بينها روسيا والأرجنتين والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا.

الشروع في برنامج نووي مدني في المملكة العربية السعودية من شأنه ان يخدم أهدافاً مختلفة. فمن ناحية، إن برنامجاً يظهر بالتوازي مع ميثاق منع انتشار الأسلحة النووية الـ«NPT» قد تدل على انها هي أيضاً يمكنها ان تلعب هذه اللعبة، وأكثر من هذا فإن هذا البرنامج، لا سيما ان الخطاب السعودي في شأن رفضها التنازل عن تخصيب اليورانيوم تعتبر إشارة للمجتمع الدولي في خصوص الحاجة إلى مواصلة ممارسة الضغط على إيران لتقوم بتطبيق شقها في الاتفاق.

على ضوء إضفاء الطابع الدولي للتخصيب في إيران، ليس بالإمكان استبعاد احتمال ان تتجه المملكة إلى مسار مشابه، حتى بشكل يعارض السياسة الأميركية. لذلك، فإن لجنة تابعة للكونغرس في هذا الخصوص وجدت ان السعودية لن تتردد في المسّ بعلاقاتها مع الولايات المتحدة بهدف الحفاظ على مصالحها الحيوية. فهم التهديد السعودي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمساعي إيران للتفوق الإقليمي، هذا الفهم لم يتغير مع توقيع الاتفاق، لا بل ربما تفاقم.

على ضوء هذا التطور، ستجد العربية السعودية صعوبة في معارضته. وبسبب دوافع التكلفة والتأثير أيضاً، ستسعى إلى بلورة رد، ولو جزئي، على التهديد الإيراني. فما المتوقع ان يتضمنه هذا الرد؟ الضمانات الأميركية أولوية، ولكن حتى وإن قدم الأميركيون هذه الضمانات الأمنية للسعودية ـ وهو أمر امتنع عنه الأميركيون واقع الأمر إلى وقتنا هذا ـ فهناك شك في ان تكتفي السعودية بها.

الترويج لمنطقة خالية من السلاح النووي احتمال تدرسه الرياض أيضاً. في هذا الشأن، الاتفاق مع إيران من شأنه ان يؤدي أيضاً إلى طرح الموضوع النووي «الإسرائيلي» على جدول الأعمال على وزن «إذا كانت إيران كذلك، فلماذا لا يشمل ذلك إسرائيل؟». تخوف المملكة من انه، وفي سيناريوات بعينها قد تجد نفسها تواجه إيران القوية وحدها، قد يجعلها في وضع تملك فيه خيارات نووية مفتوحة. لديها أكثر من أي لاعب آخر في الشرق الأوسط، دافع استراتيجي، وقدرات اقتصادية تؤهلها للقيام بذلك.

في مركز السياسة السعودية الحالية هناك الزعم انه يجب الاعتراف بحق تخصيب اليورانيوم. ذلك ان طهران تلقت تحديداً هذا الحق، تطوير برنامج نووي مدني وفي صلبه القدرة على تخصيب اليورانيوم هو خيار على المدى البعيد. وبسبب عدم وجود بنية تحتية علمية ومواقع مناسبة لذلك في المملكة، لكن من وجهة نظر الرياض فإن الاتفاق مع إيران يوفر لها حوالى عشر سنوات تحافظ فيها إيران على ضبط النفس النووي، وفي إطار زمني كهذا ستتمكن المملكة من دراسة خيارات عدّة في المجال النووي في الحيز الاسترخائي المعروف بـ«NPT».

وفي تقديرنا، أنه ولكي تطور برنامجاً نووياً مدنياً على المدى البعيد فإن المملكة ستسعى إلى إنجاز منسوجة من العلاقات مع عدد من الدول، باكستان مثلاً. فإن للمملكة علاقات أمنية وثيقة معها، وفي الفترة الأخيرة اندلعت خلافات بين الرياض وإسلام آباد في شأن الحرب في اليمن. ولكن إذا اقتنعت باكستان بضرورة مساعدة حليفتها ـ والتي لا توفر لها فقط جزءاً كبيراً من برنامجها النووي، إنما تقدم لها مساعدة اقتصادية كبيرة ـ فإنها ستكون مستعدة لمساعدتها، وإن ليس بطريقة رسمية على إقامة موقع لتخصيب اليورانيوم على أرض المملكة وعلى المدى البعيد.

ولأن عملية بناء قدرات نووية ذاتية تعتبر طويلة الأمد ومتطلبة، فإن على المملكة أن تجد رداً على المدى القريب والمتوسط، تستطيع من خلاله ان تواجه التحدي الكامن في الحالة النووية الإيرانية. سيناريو محتمل آخر هو ان تضع باكستان في يد السعوديين رؤوساً حربية نووية تحت سيطرتها في أراضي المملكة في إطار ترتيب الردع الموسع. هذا في حال القيام بخطوات مختلفة لها انعكاسات سلبية على الاستقرار الاقليمي عموماً، وعلى «إسرائيل» خصوصاً.

ما يدور في شبه جزيرة العرب مغطى جيداً من قبل «إسرائيل»، والتي تؤكد بطبيعة الحال على مبدأ قدرتها على مواجهة إيران. وبناءً عليه، على «إسرائيل» ان تطور قدرة الجمع والتقدير الاستخباراتي خاصتها في مواجهة هذه الساحة أيضاً بهدف تشخيص محاولات دول أخرى ان تنتج في المستقبل توازناً نووياً لقاء إيران. يكفي بالأمور المفصلة أعلاه لتبرر على الأقل تقديرات «إسرائيلية» متجددة للأمر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى