الباحث حسن ابراهيم أحمد… ثلاثة عقود من الجهد الفكريّ والسياسيّ والثقافيّ
اللاذقية ـ رنا رفعت
على مدى ثلاثة عقود، استطاع الباحث حسن ابراهيم أحمد، عضو جمعية البحوث والدراسات في اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية ان يؤسس عبر سلسلة من الكتب النقدية والبحثية لمجموعة من الرؤى والفرضيات الجديدة في حقول الفكر والسياسة والثقافة والعولمة، كما ألقى الضوء على عدد من الحقائق ذات الصلة بمجريات الراهن السوري عبر ثلاثة كتب صدرت خلال الأزمة.
حول تجربته البحثية يوضح ابراهيم أحمد أنه أراد من خلال أبحاثه وكتاباته تجسيد الدور الحقيقي الذي ينبغي للمثقف أن يضطلع به، وهو دور نقدي يضيء على مشاكل المجتمع ويحللها ويخوض في تفاصيلها ودوافعها، بالاضافة الى البحث في هموم الناس وقضاياهم الأساسية من زاوية فكرية تنبثق عن رؤيته الخاصة، ما دفعه إلى دراسة العديد من المفاهيم الفكرية والفلسفية التي تروج في المجتمع وتحكم جزءاً كبيراً من العلاقات الإنسانية في داخله.
يعرّف الباحث بأنه مشروع قارئ جيد قبل كل شيء، فهو يقرأ ويتفكر في ما يقرأ ويتوقف ليحلل المقولات ويفككها ويبدي الرأي فيها بعد مماحكتها بعضها ببعضها الآخر والإفادة من مناهج الدراسات المعلنة التي يعتد بها، ولا يجوز للباحث أن يكرر ما كتبه سواه، إنما عليه أن يقدم أفكاراً جديدة او طرائق تحليل جديدة أو إضاءات محدثة على الأفكار ونقدها نقداً تحليلياً.
شملت الجهود البحثية التي قام بها ابراهيم أحمد خلال ثلاثة عقود من الزمن حقولاً عديدة إذ ناقش قضية صدام الحضارات لناحية ان كل حضارة إنسانية عبر التاريخ أدركت الكيفية التي تدور فيها حواراتها مع الآخر بحيث تنتج جملة من القيم الرفيعة تسلمها الى حضارة تليها، وهكذا دواليك دونما حاجة الى إعادة إنتاج هذه القيم مجدداً، لكن الصدام بين حضارة واخرى يحدث عندما تختلف مصالح القوى المتنافسة بين تلك الحضارات.
يدرس الباحث بدراسة أشكال العنف باعتباره سلوكاً خارجاً على الفطرة، فهو لا يولد مع الإنسان إنما يكتسبه الفرد في حياته الاجتماعية أو في الثقافة التي يتلقاها، ومنها الثقافة المتوترة، أي تلك الثقافة التي تبقي المجتمع في حالة استنفار واستعداد لقادم مجهول فلا تحدث نوعاً من الطمأنينة.
كذلك طالت دراسات الباحث ابراهيم أحمد قضية النهوض العربي وما يطول هذا الفعل من قصور عن العديد من الأفكار الأساسية، الى جانب ما تتطلبه النهضة كمفهوم لتتحول الى ممارسة ولتكون فاعلة على أرض الواقع، كالاهتمام بقيم العمل وتنميته وتمكين المرأة واحترام القوانين واحتضان الشبّان ورعايتهم.
للباحث دراسة مسهبة حول المرأة في دوائر العنف ويبحث فيها العنف المباشر الممارس على المرأة جسدياً وجنسياً واضطهاداً أسرياً، بأشكال متنوعة، الى جانب محاولة استبعاد المرأة واقصائها على مساحة واسعة من العالم العربي عن حقول السياسة والثقافة والاقتصاد، كي لا تقوم بدورها في هذه المجالات، إذ رفد بحثه هذا بمجموعة من الشهادات النسوية التي توضح الأفكار المطروحة.
خلال الأزمة الراهنة أصدر الباحث ثلاثة كتب ذات صلة بمجريات الحدث السوري، منها كتاب «الليبراليون العرب واستحقاق الحرية» 2011 ويعالج دور الذين يسمون أنفسهم ليبراليين فيما هم يستجدون التدخل الخارجي لتحطيم بلدانهم تحت حجة الحرية أو القضاء على الاستبداد، والذين يناشدون اليوم «إسرائيل» للتدخل في سورية مقابل التنازل لها عن الجولان!
كما أصدر ابراهيم عام 2013 كتاب «أبيض وأسود في الحراك الثوري العربي» ويشكل إطلالة على الحراك الذي جرى في العالم العربي في السنوات الأخيرة ومحاولة استجلاء خصوصيات هذا الحراك ودراسة المؤثرات التي أثرت فيه كالتدخل الخارجي واستخدام العنف وغير ذلك. وثمة كتاب آخر قيد الطبع حول الموضوع نفسه تحت عنوان «الصوت والصدى في مرآة الحراك العربي» ويتناول الحوادث المأسوية، متابعاً دراسة تحولات الصراع الحاصل في العالم العربي.
الكتاب الثالث صدر هذا العام تحت عنوان «التبعية… اشكالية السيادة المنقوصة والتنمية المعاقة» ويتحدث عن لعنة التبعية التي أصابت معظم بلداننا العربية والأساليب الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تنتقص من السيادة. كما يبحث في علاقة النظام الدولي بالتبعية وتربية الأتباع والمعايير الثقافية والعلمية التي تؤدي الى التبعية، فضلاً عن دور المنظمات الدولية في هذا المجال، مختتماً بعض طرائق الخروج من هذه التبعية. ويرى أن الخلاص من المحنة الحالية يستلزم الخروج من ثقافة الترادف والتعصب والتشتت في مواجهة بعضنا دينياً واجتماعياً والوقوف في وجه من يحاول سوقنا الى التنافر أو دفعنا الى ذلك بفعل الفتاوى والتوجيهات واستغلال المشاعر الدينية في تمزيق المجتمع وإحداث شروخ يصعب ترميمها.
الباحث ابراهيم من مواليد قرية بعبدة في جبلة عام 1949، وتخرج من جامعة تشرين، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، وله العديد من الكتب النقدية والاصدارات البحثية، بينها «العقل الإيماني وقضايا النهوض العربي» و»العولمة والثقافة المتوترة» و»صدام المصالح وحوار الحضارات» و»العقل الايماني العام» و»العنف من الطبيعة الى الثقافة» و»الإسلام بين الإشكالية والحل»، وله عدة كتب قيد الطباعة منها «الثقافة أبقى» وثلاثية عنوانها «آفاق المصادرة»، بالإضافة الى مئات المقالات في الصحف والمجلات والدوريات الثقافية العربية والمحلية.