الحرب على سورية والباحثون عن مخرج سياسي…
جمال العفلق
أصبح من البديهي أن تكون الإجابة اليوم في موضوع الحرب على سورية أن الحل السياسي هو المطلوب لإخراج الشعب السوري من الحرب، ولإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، والواضح أن الحكومة السورية تفتح أبوابها وتصغي لأي اقتراح يشمل تسوية سياسية ويوقف هذه الحرب التي جرّت المآسي والويلات على الشعب السوري أولاً وشعوب الدول المحيطة. وفي مرحلة ما كان العالم يماطل في طرح أي حل جاد بخصوص سورية، ودائماً ما كانت الدول الراعية للعدوان تضع أعلى سقف في الشروط، وأهم هذه الشروط حل الدولة السورية كما حدث في ليبيا، فالنموذج الليبي كفيل بتدمير سورية وإنهاء وجودها جغرافياً وسياسياً، وهذا الشرط عبارة حكومة انتقالية وانتخابات مبكرة. لم يقدم هذا الحل أي شيء لما بعد ذلك، فلم يضمن أصحاب هذا الشرط أن تلتزم أي حكومة مقبلة إعادة الأمن والأمان، بل إن بعضهم وضع حل الجيش من أولويات الحل، وطبعاً مثل هذه الشروط لا يقبلها عاقل ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، فإنهاء وجود سلطة الدولة في مكان بالعالم، هو قرار بإعدام شعب تلك الدولة وتدمير كل مقدراته وبالتأكيد من سيأتي من الخارج من المعارضة ، سيكون دوره في إطار التدمير، وإذا ما صرخ الناس في وجهه سيقول إن ما يحدث هو من أفعال النظام السابق، ولا نستغرب أن تستمر الأحداث الدموية بعد ذلك ويدير العالم ظهره ويقول هم لا يريدون الحل. وهذا الواقع رأيناه في العراق وليبيا ومن قبلهما أفغانستان التي شارك العالم بتدميرها واليوم نجد شعبها يواجه مصيره منفرداً.
ولكن في الموضوع السوري الأمر مختلف كلياً، فتجربة ما يقارب خمس سنوات من الحرب والحصار، أثبتت أن الشعب مقاوم، واستطاع أن يثبت السوريون أنهم يقفون بقوه خلف جيشهم ومجاهدي المقاومة. وتحرير المدن من العصابات الإرهابية يقابل من سكان هذه المدن بالترحاب والرضى، وهذا بحد ذاته انتصار للسوريين فمحاربة مئة وعشرين دولة ومليارات الدولارات وأطنان السلاح وآلاف المرتزقة من ثمانين جنسية ليس بالأمر البسيط، ويحسب هذا الإنجاز للحكومة السورية وصبرها وتحملها للضغوط الدولية والعسكرية والاقتصادية. وهذا يقدم لسؤال من الذي يبحث عن مخرج سياسي في هذه الحرب الظالمة على السوريين؟
للإجابة على هذا السؤال نحتاج لقراءة طويلة ومعمقة في دور خصوم سورية والبداية من الجوار السوري الذي كان ممراً رئيسي للإرهاب. فتركيا التي حلم أردوغانها بعمامة السلطان فتحت ابواب فنادقها لبقايا عصابة الإخوان المسلمين وتفرغت لحمايتهم ودعمهم وتوفير المنابر لهم وتسهيل التحويلات المصرفية المقبلة من الخليج وخصوصاً قطر والسعودية اللتين تقدر مدفعاتهما من أجل تدمير سورية بعشرات المليارات، ولكن تركيا العثمانية اكتشفت بعد خمس سنوات من اشتراكها في هذا العدوان أن جبهتها الداخلية تهتز وأن ما بناه حزب العدالة والتنمية من تحصينات انهار أمام الفضائح الكبرى، واليوم هناك أصوات في تركيا تريد فهم سبب تدخل حكومة أردوغان في الشأن السوري وتريد معرفة الثمن الذي قبضه، وهذا ما دفع بحزب العدالة والتنمية أي حزب أردوغان وأوغلوا إلى الدفع نحو حل سياسي في سورية، لأن كرة النار السورية وصلت إليه من خلال خسارة الغالبية البرلمانية، ومهما كانت التصريحات العلنية، فما يحدث خلف الأبواب الموصده هو بحث عن حل سوري ومن دون أي شروط.
أما الأردن، فلم تنفع الأموال التي وعدت فيها لتدعيم اقتصاده، ودورها اليوم أصبح ضعيفاً إلا إذا اعتبر الجانب الرسمي أن الاستثمار ببعض معسكرات التدريب هو استثمار رابح، فغرفة موك لم تسجل أي إنجازات ميدانية تذكر، وفشلها في قيادة أكثر من ستين فصيلاً في الجنوب يثبت مدى ضعف هذه الجماعات التي تنفذ أوامرها، وطبعاً غرفة العمليات هذه لا تقودها الأردن إنما هي عضو من أصل خمسة آخرين بما فيهم «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية. وما يسمى «إسرئيل»، وهنا، كما يقول الناس، مربط الفرس في القضية فهذا الكيان الغاصب هو حاصد الجوائز من الربيع العربي عموماً ومن الأحداث في سورية.
لقد تمكنت «إسرائيل» من دعم جماعة النصرة وحولتها إلى ذراع عسكرية لها، ولكن هذه الجماعة المرتزقة ليست على المستوى الذي يصفها به الإعلام ولم تستطع طوال الفترة الماضية تحقيق أي اختراق تجاه العاصمة دمشق، وهي اليوم تشكل قلقاً على الكيان الصهيوني، هذا القلق ليس نتيجة خوف من أن يقوم هذا التنظيم بعمليات ضد «إسرائيل» فهو أبعد من يفكر بهذا، ولكن أمام الرأي العام «الإسرائيلي» والدولي «إسرائيل» اشترت لنفسها تهمة دعم الإرهاب والارهابيين. وهذا الدور الصهيوني الذي كان في السر أصبح اليوم علنياً وستحصد «إسرائيل» نتائجه فهي كانت تأمل أن يقوم هذا التنظيم بشيء عملي ولكن انهيار هذا التنظيم وانكشافه ورّط «إسرائيل» في الإرهاب التكفيري وإن كان الإرهاب في الأصل من طبيعة تكوين الكيان الصهيوني.
واليوم، هؤلاء ومن خلفهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، كذلك الممول العربي الذي حمل أمواله إلى عواصم القرار الغربي ودفعها لتدمير سورية، هم الذين يبحثون عن حلّ سياسي في سورية، لقد راهن هؤلاء على فك التحالف السوري ـ الإيراني ولم ينجحوا، جربوا الضغط على روسيا من خلال اوكرانيا ومن خلال تخفيض سعر النفط فجاء الرد الروسي وبكل هدوء ليقول لقد أرسلنا ست طائرات عسكرية حديثة للجيش السوري، أما سياسياً أجابت روسيا رسمياً: «لا شروط مسبقة للحل في سورية والحكومة السورية الحالية هي أصل الحل في الأزمة السورية». أما ايران التي أنجزت اتفاقها النووي وسارعت إثر ذلك القنوات المعادية لسورية وشعبها لتقول إيران أنجزت الاتفاق مقابل التخلي عن الملف السوري، فكان الرد من طهران أكثر ألماً بعبارة كررها المسؤولون الإيرانيون: «نحن سنبقى ندعم الأشقاء في سورية».
إن المستقبل القريب سيمهد لتغير في المنطقة، وأهم ما في هذا التغير أن الجيش السوري ومجاهدي المقاومة هم قوة فاعلة ونافذة على الأرض، والعبث معهما هو خطأ عسكري وسياسي. وأن معادلة السلام في المنطقة لا تمرّ من دون دمشق وبيروت المقاومة.