ليس لدى إيران مبادرة طائفية لسورية

ناصر قنديل

– منذ الإعلان عن وجود مبادرة إيرانية للحلّ السياسي في سورية صار الاهتمام الإقليمي والدولي بمعرفة مضمون هذه المبادرة يتعاظم، فإيران ما بعد التفاهم النووي قوة إقليمية صاعدة تمارس مكانة اللاعبين الكبار، وقد عبّرت إيران عن إدراكها لتعقيد الأزمة السورية وفقاً لثلاثية، تجذّر الإرهاب ووجوب الإجماع على قتاله من ضمن مؤسسات الدولة السورية وتقويتها ومساندتها أولاً، وتموضع قوى إقليمية ودولية كبرى في ضفة العداء للدولة السورية ثانياً، والحاجة إلى مقاربة البعد الداخلي للأزمة بما يساعد على المصالحة الوطنية ويجلب أوسع مروحة من قوى المعارضة لحلّ يجعل الدولة السورية أشدّ حصانة وأكثر اتساعاً. واستخدمت إيران خبرتها التفاوضية بإطلاق بالون الاختبار الأول بتسريب معلومات تقول إنّ المبادرة تتضمّن وقفاً للنار وحكومة وحدة وطنية وانتخابات يشترك فيها الجميع تحت رقابة أممية، وأضافت فقرة تقول بتعديلات دستورية تطمئن المكونات الاتنية والعرقية وخصوصاً الأقليات في سورية.

– دخلت إيران بغموض مبادرتها سوق السياسة الإقليمية والدولية، حول سورية والحلول السياسية فيها، وضمنت من الدولة السورية صمتاً إيجابياً تجاه ما سرّب عن المبادرة، ونجحت في أن تبقي الاهتمام قائماً بما ستتضمّنه مبادرتها، من دون أن يتورّط أي من خصومها الإقليميين في إصدار أيّ حكم مسبق على هذه المبادرة، خصوصاً للإيحاء بأنّ فيها ما يحاكي وضعاً طائفياً معيناً يريده الآخرون مدخلاً للعبث بالنسيج السوري ولإعادة بناء الدولة على الطريقة اللبنانية أو العراقية، كما سبق وصرّح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكما صرّح بدهشة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في إشارته إلى النموذج اللبناني كمصدر للإلهام والحلول، وكما يكرّر صبحاً ومساء المسؤولون السعوديون.

– يعرف المسؤولون الإيرانيون أنّ إعادة تشكيل مؤسسات الدولة السورية على أساس طائفي تعني جعلها ساحة حرب أهلية مفتوحة على الطريقتين الملهمتين للحروب في لبنان والعراق، بينما المطلوب وصفة للاستقرار في سورية تصير نموذجاً يتبعه العراق ولبنان للخروج من الدورات الموسمية كلّ عشرين سنة مع جولة جديدة للحرب الأهلية، ويعرف المسؤولون الإيرانيون أنّ سورية الملتزمة بخيار المقاومة والمواجهة لمشاريع الهيمنة الأميركية هي سورية الدولة المستقلة المتماسكة، والقائمة على المفهوم المدني للدولة، ولو كانت كالعراق في التكوين الدستوري لصارت كالعراق في الموقف الرخو من مشروع المقاومة، بسبب تفكك مؤسسة الدولة على خيارات إقليمية ودولية وصارت حصصاً يتوزعها اللاعبون الكبار، ولا تجرؤ على إغضاب الأميركي على رغم انسحاب قواته، وعلى رغم وجودها في كنف إيران سياسياً وأمنياً، وحال لبنان ليست أفضل على رغم وجود قوة المقاومة ورصيد انتصاراتها في قلبه.

– يعرف المسؤولون الإيرانيون أنّ السوريين الداعمين للرئيس بشار الأسد والذين يشكلون عماد الدولة السورية وقوة صمودها وثباتها ومصدر التضحيات التي تقدّمها في ساحة الدفاع عن الخيارات الاستراتيجية التي تتشارك فيها إيران مع سورية، هم أهل الدولة المدنية الذين يرفضون أيّ شكل من العودة إلى مربّع التخلف والرجعية الذي يمثله التوزيع الطائفي للدولة وتركيب مؤسساتها، وأنّ هؤلاء سيقاتلون بكلّ ما لديهم من قدرة لمنع أيّ تنظيم لدولتهم على أساس طائفي، وإنْ كان تطلع إيران تكتيكياً إلى اكتساب جزء من فريق الخصوم فليس في حسابها أبداً خسارة كل فريق الحلفاء.

– المبادرة الإيرانية تقوم على غموض بناء يهدف إلى استدراج الأفكار وفتح المناقشة حول كيفية ضمان انتقال الذين وقفوا على ضفة الحرب إلى ضفة الحلول، من دون التفريط بمنجزات صمود سورية سنوات في وجه مشروع التفتيت القائم على بعث الهويات الطائفية بديلاً من الهوية الوطنية الجامعة، ومن يعرف إيران جيداً يجزم بأنه يوم يكشف النقاب عن النص الرسمي للمبادرة سيثبت خلوّها من كلّ ما يتصل بالبعد الطائفي للحلّ السياسي وإعادة بناء الدولة، بل سيكون المضمون مفتوحاً لتعبّر القوى كلها عن طبيعة تطلعاتها نحو الدستور الجديد من جهة، ومن جهة مقابلة عن الاستناد إلى صناديق الاقتراع لحسم أمرين، أي دستور يريد السوريون ومن يريدون في مؤسساتهم الدستورية، ووفقاً للنسب التي يقرّرونها في الانتخابات.

– إيران واثقة من أن المشروع الذي يقوده الرئيس السوري بشار الأسد يحظى بغالبية كافية للفوز بأيّ انتخابات نيابية أو رئاسية أو استفتاء على نصوص دستورية، ولذلك تستشعر قدرة على توسيع هامش مناورتها، بما في ذلك تضمين مبادرتها دعوة المراقبين الأمميين للتحقق من نتائج أي استفتاء على الدستور أو أي انتخابات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى