ممنوع أن تنتصروا
سليم حنا
إذا توقّفتَ بصفتك «مواطناً عادياً» تراقب ما يجري للناس في بلادك، واستطراداً لك ولأهلك، بالتلازم مع المنازعات العنيفة، والحروب التي تتّقد نارها بين الطوائف والمذاهب والعشائر التي تعيش في داخل الوطن، تارةً طمعاً في ممتلكات الآخرين، وتارةً خدمة لمستعمرٍ يطمع في ممتلكات المتحاربين جميعاً. إذا توقّفت أمام هذه المنازعات، وأمعنت النظر والتفكير في المسار الذي تتّخذه في أغلب الأحيان، ترى أنّ الأمور العسكرية في بلادك تتسم بالغرابة! على الأقل من وجهةِ نظرك، كونك «عادياً»، أي جاهلاً في الشأن العسكري، إضافة إلى أنّك علماني، لستَ بالضرورة ملتزماً دينياً، أو مؤمناً! وإلى أنك تقيس المواقف بمعيار القيم والمبادئ !
من البديهي القول إنّ في بلادك طوائف وأقواماً لا يسود الوئام دائماً بينهم. فمن المحتمل أن تنشأ خصومات تُخرج مخزوناً هائلاً من الأحقاد والبغضاء دفيناً لدى «مكوِّنات» المجتمع ضدّ بعضها البعض، فلا يندر أن تتحوّل المشاحنات إلى حروبٍ داخلية وخارجية في آن.
يتوكّل المستعمرون في جميع الحروب الداخلية بإمداد المتحاربين، الأخيرون لا يصنعون السلاح، لكنّ جيش القبيلة والطائفة يستخدم المدافع الثقيلة والمدرّعات في ارتكاب المجازر ضدّ القبيلة العدوّة أو الطائفة «الضالة» .
أضعُ هذه التوطئة لأمهِّد بها لإبداء الملاحظات التالية:
ـ يبدو لي من خلال متابعة الأحداث التي تتوالى منذ أن استولى المستعمرون «الإسرائيليون» على فلسطين، أنّ ما يمثّله الأخيرون من خطورة وجودية كبيرة على الجميع، لم يبدّل شيئاً في الذهنية القبلية التي لا تحترز، من وجهة نظري، إلا من الخصم الداخلي، دلالةً على سلوك غريزي. يُبنى عليه أنّ الكراهية للشقيق أو القريب الذي سوف يطالب بحصّة من المحصول أو من الإرث، تكون أشدّ من تلك المضمرة للعدو الخارجي، وهذا يوفّر بالتأكيد التربة الملائمة للخيانة والاستقواء بالمستعمر، للتخلّص من المنافس الداخلي! ليس من حاجةٍ إلى البسط والتوسّع لإثبات هذا الاستنتاج، يكفي أن نتطلّع إلى ما يحدث في سورية اليوم، وفي غيرها بالأمس، وأن نتفكّر بحكاية التطبيع وحوار الأديان وهيمنة مجلس التعاون الخليجي بقيادة آل سعود على الضمائر والمعتقدات!
ـ تكون الغلبة في الحرب الداخلية من حظّ الفئة التي تخون العهد الوطني وتضع يدها في يد الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، لأنها تحصل على سلاح ومعلومات أكثر، فلا تمكن هزيمتها إلا بصعوبة، أو بعد أن يتخلّى عنها المستعمرون، عندما تنتهي الحاجة إليها!
ـ ينجم عنه أنّ المستعمرين هم الذين يقرّرون من ينتصر، ومن لا ينتصر في المنازعة الداخلية. أغلب الظّن أنهم هم الذين يضعون الخطوط الحمر هنا وهناك في سورية. من يتجاوزها يكون تحت طائلة العقاب بواسطة الطيران «الإسرائيلي» أو الأميركي. من المرجّح أنهم وضعوا خطوطاً في سورية.
ـ تنتهي أحياناً الحرب الداخلية فجأة، ودون تبرير، بمصالحة «بين الوطني وبين الخائن»، تحت رعاية آل سعود أو تحت رعاية خليجية! تفسير ذلك أنّ المستعمر لا يريد الحسم وهزيمة أحد الطرفين، إما لأنّ تبعات الحسم لا تلائم المستعمر، وإما لأنّ الأخير يريد توظيف الطرفين المتنازعين مرة ثانية!
ـ يحسن القول في الختام أنّ المواجهة العسكرية التقليدية، تكاد تكون مستحيلة ضدّ الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، فقد لا يستطيعون هزيمتنا، ولكننا لا نستطيع الانتصار عليهم!