العدوان السعودي على اليمن كسر كلّ الرهانات على دور إيجابي للمملكة في قضايا العرب

هشام الهبيشان

لا يمكن لأيّ متابع لمسار تحركات الحرب العدوانية السعودية الأميركية على اليمن أن ينكر حقيقة أنّ هذه الحرب بطريقة عملها ومخطط سيرها ستجرّ المنطقة والأمة بكاملها إلى مستنقع الفوضى والاحتراب بين أبناء الأمة الواحدة، والكلّ يعلم أنّ المستفيد الوحيد من التداعيات المستقبلية لهذه الحرب هو الكيان الصهيوني، ومع كلّ هذا وذاك ما زالت طبول الحرب تقرع على حدود صنعاء وداخل حدود اليمن براً وبحراً، وطائرات «الناتو العربي» تغطي سماء اليمن، والقصف يستمرّ والجوع يستمرّ ويموت أطفال اليمن ونساؤه ورجاله، ونستعدّ بفضل وبركة «ناتو العرب» لحرب مذهبية تقسيمية جديدة مسرحها الجديد هو اليمن.

وبالتزامن مع مشروع تفتيت وتدمير وتقسيم اليمن الذي يتمّ اليوم من خلال هذه الحرب الشعواء على اليمن الذي «يعاني أكثر من 80 في المئة من أهله من فقر وضنك الحياة، ومع كلّ هذا وذاك ما زالت كرامة وعزة الشعب اليمني مضرب مثل لكلّ من عرف هذا الشعب»، فقد لاحظ جميع المتابعين كيف أطلّ علينا في الفترة الأخيرة بعض من يدّعون أنهم فلاسفة الإعلام ومنظرو التحليل الفوقي ويدّعون أيضاً أنهم مثقفون عرب وما هم إلا أصحاب عقول وأفكار ضحلة، هؤلاء الذين يقرأون الواقع وفق ما يشتهون ووفق ما يرسمون في مخيّلاتهم لكسب شهرة أو لبيع ذمة، فهؤلاء عندما يروّجون لاستمرار الحرب على اليمن ألا يعلمون أنّ نتائج ومكاسب هذه الحرب ستكون على حساب دماء الأبرياء وجثث الأطفال ودموع الثكالى، وهذا إنْ دلّ على شيء فهو لا يدلّ إلا على غباء وحمق يعيشه بعض هؤلاء، فما هكذا تورد الإبل يا حمقى الإعلام.

لقد أسقطت حرب «ناتو العرب» الأخيرة على اليمن الكثير من الأقنعة التي لبسها البعض من العرب كذباً ورياء وتملقاً أحياناً، وأحياناً أخرى بهدف تحقيق بعض المصالح الضيقة والسعي إلى اكتساب شعبوية كاذبة مزيّفة، فالبعض ذهب مرغماً إلى هذه الحرب لارتهانه لمشروع ما أو بهدف الانتفاع الشخصي، والتفاصيل تطول هنا ولا تقصر، ففكرة «الناتو العربي» الجديد، وان يكون اليمن هو الساحة الأولى لاختبار نماذج نجاحات هذا «الناتو العربي»، فكرة حمقاء بكلّ المقاييس، وستكون لها نتائج كارثية وتداعيات خطيرة على المنطقة كلّ المنطقة.

للأسف هناك «متطفلون» على الإعلام العربي الذي يدّعي الشفافية والحياد، وللأسف أصبح هؤلاء هم مثقفو هذه الأمة وأصحاب الفكر القومي الحديث على رغم ضحالة أفكارهم وغباء تحليلاتهم وسوء تقديرهم، ولكن الذي أوصلهم إلى هذه المرتبة والمكانة المرموقة، هو قدرتهم على التكيّف السريع وتبديل مبادئهم وثوابتهم بتغيّر المرحلة، فهم أيضاً يملكون من النفاق والكذب والتدجيل الشيء الكثير، وهم سريعو الحركة، فكل ساعة تتغيّر مصالحهم بتغيّر قواعد اللعبة، وعندما نتحدث عن الإعلام العربي نذكر للأسف بعض الحقائق، ومنها أنّ الإعلاميين المزيّفين اليوم بدأوا بالخروج من جحورهم مستغلين حالة ما يُسمّى «الفوضى العربية» لإظهار أنفسهم، فنشاهدهم أحياناً مع هذه الفوضى المصطنعة وأحياناً أخرى ضدّها، فهؤلاء هم الانتهازيون الجدد، الذين يتسلقون بغبائهم وتحليلاتهم السخيفة وكذبهم ونفاقهم ودجلهم ورعونة أفكارهم إلى أعالي القمم السلطوية الإعلامية، والذين لا يسعون من خلال عروبتهم «المزيفة» هذه إلا للوصول إلى مصالحهم الضيقة وليس لأيّ شيء فيه خير للعرب وللعروبة، وهذا ما يجب أن يكون مدعاة لصحوة الأمة لكي يدرك أبناؤها حجم الأزمة وواقعها والنفق المظلم الذي أدخلونا فيه.

ختاماً، إنّ هذه المرحلة وما سيتبعها من مراحل دقيقة من تاريخ هذه الأمة، تستدعي بكلّ تطوراتها وأحداثها من الجميع أن يقفوا وقفة حق مع أمتهم، وأن لا يكونوا شركاء في مشروع التدمير والتمزيق والإجهاز على هذه الأمة، فالحدث الجلل وعدوان «ناتو العرب» الشامل على اليمن يستدعي حالة من الصحوة الذهنية والتاريخية عند كلّ العرب والمسلمين، فالمرحلة لم تعد تحتمل وجود مزيد من الانقسام والتفتيت والتمزيق لهذه الأمة جغرافياً وديمغرافياً.

وهذه دعوة إلى النظام السعودي الذي يجرّ اليوم المنطقة والأمة بكاملها نحو الانتحار التدريجي، لكي يتعقل بأفعاله ويقرأ الواقع بحكمة وبمنطق، لأن الاحتكام إلى العقل بدل التصرفات الانفعالية وردود الفعل المتسرّعة لا تجدي نفعاً بل تعود بالوبال على أصحابها قبل غيرهم، ونحن اليوم كما كنا دائماً نتمنى أن يكون دور السعودية في العالمين العربي والإسلامي دوراً قائداً ومركزاً للمواقف التاريخية المنقذة للأمة، لكن الواقع هو أنّ العدوان السعودي على اليمن كسر آخر الرهانات على الدور الذي كنا نتمنى أن تلعبه السعودية في المنطقة.

كاتب وناشط سياسي -الأردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى