خليل لـ«البناء»: الحياة بدأت خطاها المعرفية الأولى على هذه الأرض… ولا يمكن أن يقصّر الأحفاد في مواصلة إبداع الأجداد
رانيا مشوّح
أقامت وزارة الثقافة بالتعاون مع اتحاد الناشرين السوريين، الدورة الأولى لمعرض كتاب الطفل بعنوان «الكتاب أرجوحة الطفولة»، والذي يمتد من من 20 آب الجاري حتى نهايته، وذلك في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة ـ دمشق.
افتتح المعرض وزير الثقافة عصام خليل، وشهد في يومه الأول عروضاً فنية وترفيهية للأطفال.
«البناء» التقت خليل، وكان حديث عن أهمية المعرض في ظلّ ما تعانيه سورية من حربٍ ضدّ الطفولة والإنسانية. فقال: «ساهمت الحرب العدوانية على سورية بتضرّر النسيج الاجتماعي لكل شرائح المجتمع، لا الأطفال فقط. لكن إصرارنا على قيامنا بواجباتنا حيال الثقافة بوصفها مشروعاً مضاداً للفكر الظلامي، ينبع من حاجة المجتمع إلى تراكم ثقافيّ يتيح له تحصين الذهنية، وتحصين البنية المعرفية من الاختراق، كما حدث في سورية في مراحل سابقة.
وأضاف: «نركز على ثقافة الطفل لأننا نرى فيه أمل سورية المستقبلي الواعد. ونحن حريصون دائماً على رفد الأطفال بكل ما هو جديد. كما أشعر بالسعادة عندما أرى في هذا المعرض أن الكتب بمعظمها ركّزت على الحالة المعرفية لدى الطفل، بما يزيد من قدراته ورصيده المعرفي. وبالتأكيد نحن مطالَبون بتقديم الأكثر، لأن حاجات أطفالنا تزداد باضطراد. الإنسان الذي يطّلع على نسبة معينة من الثقافة، لا أعتقد أبداً أنه يكتفي، إنما يزداد حاجة إلى ما هو أعلى وأرقى، وهذه مسؤوليتنا التي نأمل ألّا نقصّر فيها على الإطلاق. ونحن في وزارة الثقافة نتوجّه إلى إصدار الكتاب الإلكتروني الناطق الذي يتيح للأطفال أن يتعاملوا مع وسائل الاتصال الحديثة للاطّلاع على الثقافات ومختلف أنواع المعارف الإنسانية من خلال هذا الكتاب الإلكتروني الناطق، الذي يمكننا من خلاله أيضاً تصويب اللفظ لدى الأطفال، كي لا يكون هناك أو خطأ في القراءة أو في مطالعة الكتاب، وقريباً جداً سنطرحه في الأسواق. إضافة إلى احتوائه على رسوم في ما يتصل بالجانب العلمي والتراث والتاريخ والعلوم كافة التي يحتاج إليها التكوين المعرفي لدى الطفل، وتكوين مهارات خاصة بالطفل في المرحلة المقبلة.
وعن أهداف المعرض والتطلّعات المنبثقة من هذه الفعالية حدّثنا خليل: في هذا المعرض نحن نتيح لأطفالنا فرصة الاطّلاع على كل ما هو جديد من روايات وقصص وعلوم إنسانية ومختلف العلوم الأخرى. كما أننا نرسل رسالة إلى العالم كلّه مفادها أن السوريين مصمّمون دائماً على متابعة رسالتهم التي بدأوها، لأن الحياة بدأت خطاها المعرفية الأولى على هذه الأرض الطاهرة المقدّسة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقصّر الأحفاد في مواصلة إبداع الأجداد. فنحن مصمّمون دائماً على رفد العقل والفكر الإنسانيين بكل ما يفيد ويُغني. ولكي نفعل ذلك، يجب أن نبدأ من الحلقة الأساسية الأولى المتمثلة بالأطفال.
وعن نوعية الكتب المقدّمة للطفل من خلال المعرض قال خليل: كل الكتب مفيدة للأطفال، وإن كانت تختلف النسبية بين كتاب وآخر. لكنها جميعها مفيدة ولا كتاب إلا ويحتوي على معلومات هامة. لكنني أعتقد أن الحالة المعرفية الأساسية فضلاً عن ربط الطفل بماضيه وإطلاعه على تاريخ بلاده، كل ذلك يعزّز لديه الشعور بالانتماء ويعزّز لديه قيمة المواطَنة والفخر بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة. وكل هذه المضامين أعتقد أنها متوفّرة، إضافة إلى الجانب التعليمي التقني والمعلوماتي العام. وهنا، أتوجّه بالشكر لجميع دور النشر التي شاركت في هذا المعرض، لأن مشاركتها رسالة للعالم كله أننا مصمّمون على الاستمرار في واجبنا حيال تنمية مهارات أطفالنا وذائقتهم الفنية والجمالية، على رغم ما تمر به سورية من ظروف حالكة ستنقشع قريباً، لأن النصر في المحصلة لا يمكن أن يؤسس إلا على مفاهيم ثقافية منفتحة وعقلانية ومتفاعلة مع العالم كله ومع الآخر مهما كان مختلفاً.
كما التقت «البناء» بسام أبو غنّام، معاون وزير الثقافة، الذي تحدّث
عن أهمية المعرض وضرورة إقامة المعارض في الوقت الحالي فقال: نحن في الدورة الأولى من هذا المعرض، وسيكون هناك استمرار لدورات أخرى منه. ونحن في هذا المعرض ننتقل من القطرية إلى الأممية إلى العالمية. الهدف الأساس من المعرض يتمثل بتوعية الطفل و والعمل على دعمه وحثّه على القراءة. كما أنّ عدداً من دور النشر المحلية شاركت في المعرض، وهناك كتب علمية متنوّعة وقصص وبرامج تعليمية، إضافة إلى مشاركة الهيئة العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة، ومجلة «أسامة» المختصة بالأطفال.
وأضاف: «هذا المعرض من أسس توعية الطفل الناشئ وتثقيفه تحت رعايتنا. فهؤلاء الأطفال هم مستقبل سورية الواعد. ونحن في ظل هذه الهجمة التي نعاني منها في وطننا، سنحاول أن نعطي انطباعاً عن الطفل السوري المنفتح والمقبل على الحياة والمحبّ للسلام وللآخر. فنحن نولي أطفالنا رعاية كأي طفل في العالم، لا بل أكثر.
من ناحيته، أدلى الدكتور نزار بني المرجة، عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب، ورئيس تحرير صحيفة «الأسبوع» الأدبية، بتصريح لـ«البناء» جاء فيه: يشارك اتحاد الكتّاب العرب في هذا المعرض المتميز الموجّه للأطفال، بجناح خاص يضمّ مجموعة من منشوراته في الشعر والقصة والدراسات التي تبحث في أدب الأطفال. وكما هو معروف، هناك جمعية متخصّصة بأدب الأطفال في اتحاد الكتّاب العرب، وهناك ملحق شهري في صحيفة «الأسبوع» الأدبي الناطقة بِاسم الاتّحاد، مخصّص لأدب الأطفال. ومشاركتنا عبارة عن مساهمة في تنوير ثقافة الطفل المجتمعية والوطنية والحفاظ على منظومة القيم التي أصبحنا بحاجة ماسة إلى الحفاظ عليها، بدءاً من الطفولة، لأنّ هناك تهديدات تطاول أبناء الوطن بدءاً من طفولتهم ويفاعتهم وتهدّد بنيتنا الاجتماعية المتماسكة. كما أن مشاركتنا بمثل هذه المعارض، تعدّ تعبيراً عن الجهود التي يبذلها العاملون في الاتحاد في حقل أدب الأطفال من حيث الإبداع والدراسة، ونتطلع إلى مضاعفة خطط النشر المتعلقة بأدب الأطفال مستقبلاً. كما أن الاتحاد من خلال لجان القراءة التي تتولى قراءة المخطوطات قبل الطباعة، يولي موضوع المضمون جانباً كبيراً من الأهمية، لأن مضمون الكتاب الذي سينشر يجب أن يتضمن بالضرورة قيماً ومفاهيم تتعلق بالوطن والمجتمع السليم والتربية الحقيقية، لا الكلام العابر الذي لا جدوى منه. فهناك مطالب مجتمعية في الوقت الحالي تحتّم علينا انتقاء مواد تغني مضامين الأدب الموجّه لأطفالنا.
وفي الإطار نفسه، حدّثنا الدكتور جهاد بكفلوني، مدير عام الهيئة السورية للكتاب في وزارة الثقافة: علينا تنشئة الطفل نشأة حسنة، تبدأ ببنيانه بنياناً فيزيائياً وفكرياً، وهي المرحلة الأهم، والتي يتحدّد على أساسها مستقبل أطفالنا ومستقبل الوطن. وهنا لا بدّ من اشتراك كل المؤسسات الوطنية والفاعليات الاجتماعية لتحقيق هذا الهدف. في وزارة الثقافة نركّز على تنمية ثقافة الطفل خلال سنوات الحرب وما بعدها، لأننا على يقين أن ما تمرّ به سورية من ظروف عصيبة، سحابة صيف عابرة. وهذه الأرض ستعود كما كانت حديقة أمن وأمان.
وأضاف: الكتاب يجب أن يكون خير صديق، وأن يُعتَنى به شكلاً ومضموناً، وذلك من خلال التواصل بالكتّاب الذين يفهمون لغة الطفل ويعرفون ما هي اهتماماته. ويجب التركيز على القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تشرّبناها من آبائنا وأجدادنا. والطفل هو الثروة الكبرى التي نملكها. ونحن حريصون ألا نفقدها. وما هذه الفعاليات إلا عبارة عن جسر ممدود بين الطفل والكتاب، كما أنها بوابة للتركيز على بناء قاعدة معرفية متينة للطفل. وأتمنى أن تتضافر الجهود لتقديم الكتاب الإلكتروني بتوجيه من الوزير خليل، والذي سيرى النور عما قريب بالتعاون مع وزارة الإعلام، لتقديم رسوم متحركة من تاريخنا وتراثنا لأن بناء شخصية الطفل مهمة يتشارك بها الجميع، وليست وقفاً على جهة دون الأخرى.