«خاتم سليمان»

علوان نعيم أمين الدين

بعد عام ونيّف على شغور الكرسي الرئاسي الأول في لبنان، ومحاولات الرئيس نبيه بري المستمرة لعقد جلسة انتخابية لملء الشغور، هل تكون «حظوظ» رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، في هذه المرحلة، هي الأوفر لحلّ مشكلة الرئاسة و»إنقاذ البلد» بعدما تعطلت فيه معظم المؤسسات الدستورية؟! هل المعطيات المحلية والدولية تتقاطع عند اسمه كي يكون «الخاتم» الذي يختزن «الحلّ السحري» لإخراج لبنان من المأزق الذي يحوق به؟!

في تحليل بسيط لبعض المعطيات، يمكن «استشفاف» العديد من الأمور.

التيار – حزب الله

انّ حزب الله وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله قال بوضوح إنّ الحرف الاول من اسم المرشح الذي سيدعمه الحزب في الانتخابات الرئاسية هو «العماد ميشال عون». وبذلك يكون موقف الحزب واضحاً وعلنياً ويقطع الشك باليقين لما فيه من صراحة بالغة.

انّ تمسك حزب الله بالعماد عون مردُّه الى عدد من الأمور، ابرزها تفاهم 6 شباط 2006 «التاريخي» بكلّ تفاصيله، وحاجته الى مكوّن مسيحي قوي الى جانبه يؤمّن «ظهره» في الداخل، اضافة الى ردّ الجميل للعماد عون بعد موقفه الواضح من عدوان تموز 2006 والداعم للمقاومة، ناهيك عن الأريحية التي يتعاطى بها الطرفان في ما بينهما.

انّ ترشيح عون من قبل الحزب يعني أنّ الأخير قد أعطاه «الكلّ»، وبالتالي ينسحب هذا «الكلّ» أيضاً على تسمية الجنرال لشخص آخر كي يحلّ محله في هذا الموقع إذا ما إرتأى ذلك، فـ»من يملك الكلّ يملك الجزء». وهذا ما يفسّر تصريحات بعض المقرّبين من دائرة الحزب ومفادها أنّ «الرئاسة تمرّ عبر عون»، ما يفهم منه بالترشُّح شخصياً، أو باختيار مرشح بديل، او بالتنحّي وترك الخيار لمرشح آخر دون تسمية معينة، وهذا أمر مستبعد بالتأكيد. فإذا ما ارتأى العماد عون التنحّي وترشيح النائب فرنجية، فإنّ الحزب، باعتقاد الكثيرين، سيسير في هذا الترشيح ويتبنّاه نظراً للعلاقة الوثيقة بين تيار المرده وحزب الله من جهة، والعلاقة الشخصية بين النائب فرنجية والأمين العام لحزب الله من جهة أخرى.

إضافة الى ذلك، يرى البعض أنّ موقف العماد عون بتنحّيه وترشيحه لفرنجية يخفف الحرج لحلفائه بسبب الخلاف بينه وبين الرئيس نبيه بري على خلفيه عدم شرعية التمديد للمجلس النيابي وتبعاته، من فتح دورات استشنائية وغيرها من الأمور، والذي ينطوي على وجهة نظر كبيرة كون الوكالة المعطاة للنواب من قبل الشعب لا تمدّد من قبل الوكيل نفسه بل من قبل الموكل، فتكون هذه «الخطوة البراغاتية» مزيلة للحرج وعاملاً مهماً في «دَمْلِ الخلاف».

التيار القوات

بالنسبة إلى ترشيح رئيس حزب «القوات» سمير جعجع لمنصب الرئاسة، يرى العديد من المراقبين انّ قائد القوات ليس المرشح الجدّي لـ14 آذار في وجه العماد عون، هذا من جهة أولى. ومن جهة ثانية، يمكن ان يتسبّب هذا الترشيح ببعض الإحراج لهذة القوى نظراً الى تاريخه السياسي والأحكام القضائية التي صدرت بحقه وأوقفت مفاعيلها بناء على قانون العفو الصادر عام 2005. ومن جهة ثالثة، اعتبار الدكتور جعجع «رأس حربة»، ليس إلا، لـ«معركة عابرة» سيكون له «حق الانتفاع» من تداعياتها دون نتائجها، وإنْ كانت زيارته الأخيرة الى المملكة العربية السعودية قد حظيت بكثير من الاهتمام الذي «أغضب» بعض القيادات المارونية في 14 آذار ذاتها. فالمرشح الحقيقي لرئاسة الجمهورية عند فريق 14 آذار لم يُفصح عنه بعد سواء تمّت الموافقة على اسم ما ام انّ الاسم لا يزال قيد التدول أو البحث.

ويضيف أصحاب هذا الرأي بأنّ هذا الترشُّح ليس أكثر من «بالون اختبار» لقياس مدى شعبية العماد عون في الشارع المسيحي بالتحديد، أما الغرض الأساسي منه فيكمن في «إسقاط أسهم العماد» و»حرق اسمه» في مضمار الرئاسة. ومن المؤشرات الواقعية على ذلك، موقفه من نزول التيار الى الشارع بالقول إنه يقف الى جانب التيار في تلبية هذه المطالب. هنا يستوقف القارئ سؤال مهمّ. لو كانت هذه المطالب فعلاً تهمّ «القوات» وتخدم الجانب المسيحي وحقوقه، من وجهة نظر «القوات» بالتحديد، فلماذا لم تشارك التيار في المطالبة بها، خصوصاً أنّ شعارها هو «استعادة الحقوق» التي سيعود نفعها على المسيحيين ككلّ؟! إضافة إلى ذلك، موافقة جعجع على مبدأ الاستفتاء في الشارع المسيحي لمعرفة مدى شعبية كلا المرشحَيْن والتي اعتبرت «مناورة» ترنو الى الإيقاع به.

المرده القوات

فتح النائب فرنجية «ممرّ حسن النوايا» مع جعجع في العديد من المرات، من خلال التواصل بينهما سواء عبر الهاتف ام في لقاءات شخصية مباشرة في أماكن متعددة.

من هنا، يمكن القول إنّ ترشيح النائب فرنجية الى منصب رئاسة الجمهورية سيسبّب «حرجاً» لـ«القوات» ورئيسها، ولكن من جهة أخرى يمكن لجعجع أن يعتبره فرصة كبيرة ومهمة لـ«تبييض» صفحته أمام «آل فرنجية» ومناسبة لفتح علاقات مستقبلية.

«نقاط قوة» فرنجية

في هذه المرحلة بالتحديد، تطفو نقاط قوة معينة يمتاز بها النائب فرنجية عن غيره من الأشخاص المتداولة أسماؤهم لمنصب الرئاسة، أبرزها:

إنه ما زال شاباً ويستطيع مزاولة الحكم، وهو الأمر الذي يُؤخذ على العماد ميشال عون.

انتهاجه لسياسة «صفر مشاكل»، اذ ليس له «عداوات» مع الأطراف المختلفة معه سياسياً، سواء المحلية منها أو الإقليمية او الدولية، بالرغم من تعبيره الدائم عن سياسته ومدى قربه من الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته، وهي علاقة تاريخية تعود الى أيام الرئيس الراحل سليمان فرنجية الجدّ وغير خافية على أحد.

يمرّ لبنان، في هذه الفترة بالتحديد، بمرحلة صعبة ودقيقة، حيث يواجه العديد من الأخطار الداخلية والخارجية، مما يستدعي وجود رئيس قوي وانْ كنَّا في نظام برلماني وليس رئاسياً في سدة الحكم. فوجود رئيس توافقي ضعيف، وانْ كان مقبولاً لدي جميع الأفرقاء، قد لا يكون هو المطلوب في هذه المرحلة بالذات.

قد يساهم «التقارب» الأميركي – الإيراني بعد الاتفاق النووي في تسريع الحلّ اللبناني، خصوصاً مع وجود مؤشرات على انّ الولايات المتحدة الأميركية تريد فعلاً محاربة تنظيم «داعش» في المنطقة والقضاء على الإرهاب، وانه قد أصبح على مشارف الحدود الشمالية والجنوبية. فواشنطن تعلم جيداً مدى علاقة النائب فرنجية الوطيدة والعميقة بحزب الله، وقدرته على «تدوير الزوايا» في العديد من الأمور الحالية والمستقبلية.

للنائب فرنجية علاقة وثيقة بقيادة دمشق كما سبق وذكرنا. وفي حال اتخاذ قرار جدي بالتسوية السياسية فيها، فسيكون لهذه العلاقة أثر كبير على إعادة ترميم الأوضاع بين قيادات سياسية لبنانية وبين سورية، خصوصاً أنّ لبنان هو «جرح مفتوح في الخاصرة السورية».

يتمّ التداول، داخل الكوايس، عن «تسوية» ما تتمثل في انتخاب فرنجية رئيساً، وتسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، لإرضاء المملكة السعودية، مع بقاء الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي، والمجيء بالعميد شامل روكز قائداً للجيش، بهدف إرضاء العماد ميشال عون. وفي تسريبات إعلامية، شبه مؤكدة، حُكي عن اجتماع ضمّ العديد من الشخصيات المهمّة في منزل ديبلوماسي معروف، ويُقال بأنّ هذا الموضوع كان من ضمن الأمور التي تمّ التداول بها.

يرى الكثيرون انه من الصعب على العماد عون ترشيح أياً من الوزير جبران باسيل او النائب آلان عون بدلاً منه، وذلك لعدة أسباب أبرزها أنّ كلّ واحد منهما محسوب على «جناح» ويتجاذب القوى التمثيلية داخل التيار الوطني الحر نفسه، لا سيما على عتبة انتخابات داخلية والمعركة شبه حامية على «الخلافة» المستقبلية للتيار، بالرغم من سحب النائب الآن عون لترشيحه.

انّ ترشيح العماد عون للنائب فرنجية قد يقي التيار أية انقسامات مستقبلية قد تحدث ولو في المرحلة الراهنة.

في الختام، يبقى كلّ ذلك في إطار التحليل، والأيام المقبلة كفيلة بتبيان الحقائق.

باحث في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى