هل يتمكن السيسي من تحقيق وعوده؟
بي بي سي ـ لندن
حقق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فوزاً كاسحاً في الانتخابات الرئاسية بنسبة 96.91 في المئة من الأصوات الصحيحة. وقدم الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية وعوداً وخططاً أقل ما توصف به أنها شديدة الطموح.
شملت تلك الوعود استصلاح 4 ملايين فدان، وهو ما يزيد عن 50 في المئة من إجمالي ما تملكه مصر من أرض زراعية بالفعل، في وقت تواجه نقصاً حاداً في موارد المياه. كذلك تضمنت الخطط إنشاء 26 مدينة ومركزاً سياحياً و8 مطارات جديدة و22 مدينة صناعية.
وبحسب تقديرات السيسي نفسه، فإن تلك المشروعات تكلف تريليون جنية مصري نحو 140 مليار دولار في بلد لا يتعدى فيه إجمالي الدخل القومي 219 مليار دولار بحسب بيانات البنك الدولي لعام 2012.
الآن أصبح السيسي رئيساً لمصر، فهل لديه من الوسائل ما يمكّنه من تحقيق تلك الوعود؟
الخطط تحتاج إلى ما هو أكثر من المال
لا تتطلب هذه الخطط الشديدة الطموح أموالاً ضخمة أكثر بكثير من قدرات وإمكانات مصر فحسب، لكنها تتطلب أيضاً قدراً هائلاً من الإصلاح الاداري والمالي لأجهزة الدولة التي توصف بأنها في حالة مزمنة من الترهل وعدم الكفاءة والقصور والتخبط،
بل لعل الملف الأخطر هو مواجهة الفساد.
ويقول اقتصاديون إن الفساد هو العائق الأكبر أمام أي تطور أو نمو في مصر، بل إنه السبب الأساسي في انخفاض حجم الاستثمار وفي الفقر والتخلف في قطاعات الدولة كافة. وتحتل مصر المركز رقم 114 على مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. تمثل رقم 1 في الترتيب الدولة الأقل فساداً، وكلما زاد ترتيب الدولة زاد حجم الفساد فيها .
وفقاً للمنظمة، فإن مصر أكثر فساداً من دول أخرى عديدة في المنطقة مثل الإمارات وقطر وتركيا و»إسرائيل» وعمان والسعودية والأردن والكويت والمغرب والجزائر، بل وحتى تونس التي شهدت ثورة قبل الثورة المصرية في 25 كانون الثاني 2011 بشهر واحد.
ويعدّ إصلاح الجهاز الإداري وتطهيره من الفساد والتشريعات المعوقة والمتضاربة عبأين لا يقلان عن تدبير الأموال اللازمة لتحقيق وعود السيسي، إذ يتطلب هذا تغييراً واسعاً في الكوادر والسياسات والهياكل الإدارية. و من المتوقع أن تلقى هذه التغييرات مقاومة شديدة من مجموعات المستفيدين في الجهاز الإداري والمالي ومن أصحاب الاحتكارات الكبرى في السوق المصرية.
وتمثل محاولة الحكومة – خلال الأيام الماضية – فرض قانون للضرائب على أرباح البورصة ثم تراجعها عن بعض بنود هذا القانون تحت ضغط معارضيه، مثالاً واضحاً على ما يمكن لأصحاب المصالح القيام به في التصدي لخطط الحكومة وعرقلتها أو تغييرها. فهل بوسع الرئيس الجديد القيام بذلك؟
قيود على الرئيس الجديد
خلافاً لصلاحيات الرؤساء السابقين كلهم في تاريخ مصر، يضع الدستور المصري الجديد، الذي أُقر في كانون الثاني 2014، قيوداً عديدة على صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالتالي على مدى قدرته على تنفيذ تلك الوعود الانتخابية.
يحتاج رئيس الجمهورية إلى فريق وزاري ينفذ رؤيته في تحقيق أهدافه. إلا أن هذا الفريق لابد من أن يحظى بموافقة مجلس النواب المادة 146 من الدستور .
وينصّ الدستور على أنه في حالة عدم حصول الوزارة على موافقة مجلس النواب «يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب». ما يعني ببساطة أن الرئيس قد يجد نفسه مضطراً للتعامل مع فريق وزاري لا يحمل وجهة نظره نفسها في التعامل مع المشكلات المزمنة في مصر، خصوصاً في ظل وجود مسائل خلافية على الساحة المصرية مثل قانون التظاهر.
لكن إذا لم تحقق الوزارة المطلوب منها، فهل يستطيع الرئيس عزلها؟
طبقاً للمادة 147 من الدستور، لا يحق ذلك للرئيس إلا بموافقة غالبية أعضاء مجلس النواب. بل لا يستطيع حتى عزل وزير واحد من الوزارة لأي سبب إلا بالتشاور مع الوزارة وموافقة ما لا يقل عن ثلث مجلس النواب.
ربما لا يستطيع القائد السابق للقوات المسلحة التعامل مع الموظفين المدنيين بالسهولة التي اعتادها في التعامل مع العسكريين. خصوصاً أن قوانين العمل في مصر تمنع إعفاء الموظفين من وظائفهم أو توقيع عقوبات صارمة عليهم إلا بمشقة كبيرة.
يحتاج الرئيس إذن إلى موافقة مجلس النواب في سن القوانين والتشريعات وعند تغيير الوزارة. فهل من المتوقع أن يقوم مجلس النواب المقبل بهذا الدور؟
تشير معظم التوقعات إلى أن انتخابات البرلمان المقبل ستكون في معظمها قائمة على النظام الفردي. أي إن النواب سيكونون ممن يحاولون الحصول على مكاسب وخدمات لدوائرهم الانتخابية وناخبيهم. وهو ما يحققه عادة الوزراء وليس رئيس الجمهورية. وهكذا فمن المتوقع أن تكون علاقات النواب الأوثق بالوزراء وليس برئيس الجمهورية.
وفي ما يتعلق بإصدار القوانين فإن مجلس النواب يمتلك صلاحيات أوسع من رئيس الجمهورية. فللمجلس الحق في رفض القوانين التي يقترحها الرئيس وإعادتها إليه، بينما يمكن للمجلس إصدار قانون حتى إذا رفضه الرئيس المادة 123 .
بل إن مجلس النواب يمكنه عزل الرئيس ومحاكمته مادة 159 أو سحب الثقة منه بعد استفتاء شعبي مادة 161 بينما لا يستطيع الرئيس حل مجلس النواب إلا باستفتاء شعبي مادة 137 .
هذه المصالح المتبادلة بين النواب والوزراء، ستؤدي تلقائياً إلى درجة من التقارب بينهم.
وإن إدراك النواب أن رئيس الجمهورية لا يمكنه تغيير الوزراء إلا بموافقتهم، ولا يمكنه حل مجلسهم إلا باستفتاء، سيمنحهم قوة كبيرة وثقة في مواجهة رئيس الجمهورية، وربما في مساندة مجلس الوزراء الذي يوفر لهم الخدمات – في أي مواجهة لمجلس الوزراء مع الرئيس.
صراع سياسي
وعلى رغم حظر جماعة الإخوان المسلمين إلا أنها وعدداً كبيراً من المتعاطفين معها من الإسلاميين وغيرهم، لايزالون يملكون الموارد المالية والتنظيمية التي تمكنها من تقديم وجوه جديدة لخوض الانتخابات.
ومن المتوقع أن يكون شغلهم الشاغل داخل البرلمان هو عرقلة كل ما يحاول الرئيس عبد الفتاح السيسي القيام به وإفشاله انتقاماً لما يرون أنه دور قام به في عزل «رئيسهم» محمد مرسي.
وإضافة إلى هؤلاء من المتوقع أن يسعى أصحاب المصالح الكبرى والاحتكارات من عصر مبارك إلى الدفع بمرشحين يمثلونهم في المجلس ويفشلون أو يعطلون أي خطط أو قوانين يمكن أن تمثل خطراً أو تهديداً لمصالحهم التي استقرت لأعوام طويلة.
وكان السيسي قد طرح أكثر من مرة تدخلاً كبيراً للدولة في السيطرة على الأسعار وهامش الربح التجاري وخفضهما في محاولة لمساعدة محدودي الدخل. وطرح أفكاراً في مجالات التعدين والطاقة والصناعة وغيرها يمكن أن تؤثر سلباً في جماعات المستفيدين الحاليين. وهكذا يمكن لأيّ مجموعة من النواب ممن يحملون ضغينة للسيسي أو لممثلي أصحاب المصالح داخل المجلس أن تعرقل القوانين والمشروعات التي يقترحها رئيس الجمهورية.
خيارات السيسي
هناك عدد من الخيارات التي قد يلجأ إليها السيسي لتجنب عرقلة البرلمان. قد يقوم بتجاهل الدستور والقانون، إلا أن هذا سيدخل مصر حالة من الاحتقان والاضطراب التي تضر بالأهداف نفسها التي يسعى هو نفسه إلى تحقيقها. ويمكن أن تتسبب له هو شخصياً بمشكلات جمة.
الاحتمال الآخر هو أن تسود حالة من التعاون التام بين البرلمان والرئيس وهو ما يبدو أكثر مثالية مما يحدث عادة في مثل هذه الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن للرئيس انتظار تشكيل مجلس النواب ثم إجراء تعديل دستوري يزيد من صلاحياته، ويستفتي عليه الشعب. ولكن هذا يتطلب موافقة مجلس النواب وهو ما يعني تنازل المجلس بمحض إرادته عن صلاحياته للرئيس، وهو أمر غير متوقع في ظل احتمال وجود أعضاء من المعارضة الإسلامية وممثلي أصحاب المصالح في مجلس النواب. أو قد يلجأ إلى إصدار تعديل دستوري في وقت قريب قبل انتخابات مجلس النواب، إلا أن مثل هذا الإعلان الدستوري الجديد من شأنه أن يعيد إلى الأذهان وبقوة – سابقه الذي أعلنه الرئيس المعزول محمد مرسي في آذار 2013 ومثل بداية لأزمة حادة أدت في النهاية إلى عزله. وسيفتح الباب على مصراعيه لمقولات إن ما حدث للرئيس السابق محمد مرسي كان انقلاباً وإن الديمقراطية الموعودة لم تكن إلا خدعة. وهو سيزيد من شكوك العالم الغربي الذي يشعر بالقلق حيال ما يحدث في مصر.
ومن غير الواضح كيف سيكون تأثير ذلك في الشارع المصري الذي فاجأ العالم مرات عدة خلال الأعوام الثلاثة السابقة والذي ربما يحتفظ في جعبته بمزيد من المفاجآت.
عادل شعير