لماذا جرى سحب الباتريوت من تركيا؟
هدى رزق
يحاول الرئيس التركي الإيحاء بأنّ اتفاقاً ما حصل بينه وبين الأميركيين على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما أطلق يده في الداخل وحمله على الانقلاب على انتخابات 7 حزيران الديمقراطية، ومحاولة إقصاء حزب الشعوب الديمقراطي من جهة، وضرب حزب العمال الكردستاني والإطباق على الأكراد المؤيدين له في الجنوب الشرقي أي في دياربكر والقرى المجاورة للحدود العراقية واضطهادهم تحت شعار تأييدهم للحزب من جهة أخرى. يحاول أردوغان إخفاء التناقضات التي تشوب مفاوضات حكومته ومستشاريه مع المسؤولين الأميركيين حول تفاصيل الإجراءات المتخذة لقتال داعش. في هذا الوقت يصرح الأميركيون إنه ما زالت هنالك بعض التناقضات والمفاوضات جارية حول مسائل ثلاث.
أولها التمييز بين حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الكردية في سورية والحزب الديمقراطي، إذ تطالب واشنطن بتنسيق عالي المستوى بين أنقرة والأكراد لمقاتلة داعش. ثانيها أن واشنطن تريد من تركيا استكمال عملية السلام مع الأكراد، كونها ستساعد في نجاح التنسيق من أجل استكمال ضرب داعش من دون أي عوائق ومن دون أي إضعاف لهذا القتال، وترى أنه لا بدّ من تطبيع العلاقات بين تركيا وأكراد سورية.
ثالثها اعتراض الولايات المتحدة على «المنطقة العازلة» أو «منطقة حظر الطيران» في الأراضي السورية والتي روجت لها تركيا، وتأكيدها أن المنطقة بين جرابلس وأعزاز على طول الحدود السورية ـ التركية تسمى «منطقة خالية من داعش» والجيش الحر مع وحدات الحماية الكردية هي التي ستحل مكان داعش. كون القوة المعتدلة التي دربتها لا تتجاوز الـ60 ولا يمكنها في أي حال ملء الفراغ التي سيحصل بعد طرد داعش. ترى تركيا أن التركمان والجيش الحر يمكنهما وحدهما الحلول مكان داعش، أو تقول إن واشنطن قامت باختيارات قاسية للقوى المعتدلة تعتمد شروطاً صعبة التحقق، لذلك لم تستوعب سوى 60 مقاتلاً، وبالفعل فإن وشنطن استبعدت العناصر الجهادية والمنتمية إلى منظمات إسلامية.
وفيما لا يزال البلدان يناقشان الموضوع بسبب استمرار الخلافات. تم سحب الباتريوت من الأراضي التركية، وسط دهشة المسؤولين في أنقرة، بينما عللت ألمانيا السبب بتغيير طبيعة التهديدات التي كانت تواجهها تركيا في الحدود السورية، والتي لم تعد موجودة. أما التهديدات الحالية التي تتعرض لها فهي غالباً من الجهاديين وداعش، وليست من القوات السورية، هل ينسحب هذا الرأي على واشنطن أيضاً؟
لم يتوقع المسؤولون الأتراك الأمر. ويرى بعض المحللين أن نشر الباتريوت عام 2013 أتى تعبيراً عن حالة سياسية أكثر منها عسكرية، إذ أرسلت من أجل حماية تركيا من إمكان إطلاق صواريخ كيماوية، في إشارة إلى امتلاك سورية أسلحة كيماوية. لم يترافق نشر الباتريوت مع شروط ضرورية تفيد القاطنين في تلك المنطقة حول كيفية التعامل مع هجوم صاروخي كهذا.
ما قد يحمل على التكهن بأن العملية كانت سياسية، وتوقع هجوم من النظام السوري كان ضعيفاً.
لم يكن داعش يشكل خطراً في ذلك الوقت، بل إن طلب الباتريوت من قبل تركيا كان من أجل الضغط على الرئيس الأسد وإسقاطه. وإظهار الناتو حليفاً لها في هذا الموضوع. ربما استجاب الناتو لهذا الطلب لكن هدفه كان الأسلحة الكيماوية وليس الرئيس الأسد، ولكن عدم سقوط النظام في سورية أفسد خطط العدالة والتنمية وحمل أنقرة على دعم داعش والنصرة والمسلحين الأجانب.
اختلفت الأولويات بالنسبة إلى الناتو فهو يريد قتال داعش، أما أولوية أنقرة فهي قتال سورية لإسقاط الأسد أولاً قبل داعش. وعند دخول الحزب الديمقراطي الكردي للقتال ضد داعش كحليف للغرب تعقدت علاقة الناتو بتركيا أكثر، تدحرجت الأمور إثر الخسارة الانتخابية التي مني بها حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 حزيران وبسبب الطريقة التي عالجت بها حكومة داود أوغلو الأمر بعد هجوم سروش الإرهابي باشتباكها مع العمال الكردستاني وإعلان أردوغان تجميد عملية السلام مع الأكراد، ما أدى إلى التناقض في وجهتي نظر الحليفين تجاه المسألة الكردية، لا سيما بالنسبة إلى أكراد سورية.
أغضب قصف الطيران التركي المكثف لمراكز حزب العمال الكردستاني في العراق الناتو مع العلم أن الولايات المتحدة اعتبرت أن من حق تركيا الدفاع عن أمنها.
يعتبر الغرب أن العدالة والتنمية يستعمل حزب العمال الكردستاني للانقضاض على نتائج الانتخابات الديمقراطية، وهذا ما حصل بالفعل، عبر النفاق في محاولات الائتلاف التي كان من المعروف سلفاً أنها لن تنجح، بسبب تعنّت حزب العدالة والتنمية، ورغبته في انتخابات مبكرة لتعويض خسارته. تطلب واشنطن وألمانيا من تركيا التركيز على داعش، وليس استعمال الحرب ضد داعش كغطاء لضرب حزب العمال الكردستاني وتقويض عملية السلام، ولا تريد هذه الدول الظهور بمظهر شريك للعدالة والتنمية في مشاريعه للضغط على الأكراد في سورية وتركيا. من جهة ولا شريكا في ضرب الديمقراطية التركية.
إن حماية تركيا بالباتريوت في زمن التصعيد ضد المسألة الكردية وعدم التركيز على داعش مسألة غير مربحة سياسياً بالنسبة إلى الغرب، لذلك لم يعد له مكان.