الحريري يزايد على الجبير…
روزانا رمّال
لا يحتاج اللبنانيون والعرب للاستفاضة بتوضيح العلاقة الجيدة جداً والخاصة التي عوملت بها عائلة الحريري من قبل العائلة المالكة في السعودية.
على أنقاض الحرب الأهلية بدأت مشاريع الإعمار في لبنان، وقادها «أمل لبنان»، حينها كما سُمّي رفيق الحريري، فأغدق بالأفكار والأموال للإعمار، وبدأ عملية تحديث وترميم شاملة، وسنة بعد سنة أصبح رمزاً اساسياً من رموز إعادة الحياة الى مدينة بيروت التي دمّرتها الأحقاد والمؤامرات، رغم كلّ النقاش الذي رافق خططه الإعمارية بين مؤيد ومعارض.
كان الحريري مشروعاً سعودياً واضحاً وحصة سعودية وازنة في لبنان، استطاعت المملكة الدخول إلى المشهد اللبناني بقوة من خلاله، وبمثل ما يدين الحريري بثروته ودخوله السياسة اللبنانية على حصان أبيض للسعودية، وهو مَن قال «لحم كتافنا من فضلهم»، ربما تدين السعودية للحريري نعم بتثبيت نفوذها في لبنان وتحسين أوراقها الاقليمية وحضورها الذي كان قيد النمو في بلدان الشرق الاوسط، فنجح الحريري ونجحت معه السعودية التي كانت توفر له كلّ أسباب النجاح و«الإبهار».
تعرف السعودية جيداً انّ الحروب الأهلية هي أهمّ مقدّمات الدخول إلى البلدان النامية او المنكوبة، وتعرف جيداً انّ سورية التي استعصت على الغرب يمكن كثيراً الدخول اليها عبر حروب أهلية تنشر حكماً الدمار والخراب، فتتنقل المراحل فيها من النزاع الى فضّ الاشتباك الى الحلول السياسية، التي تعني المؤتمرات الداعمة والمبادرات التفاوضية، فتدخل السعودية على طبق من فضة من باب المساعدات والمبادرات كضامن لحلّ سياسي تتبنّى فيه شخصية سياسية توكل إليها إعادة إعمار البلاد بمجهود جبار لإعادة سورية إلى الحياة، وعليه كان المشروع السعودي الواضح فكّ سورية عن إيران إولاً، والدخول السياسي اليها من البوابة الواسعة ثانياً، بعد تحقق الوهم! أي أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد قد رحل، فيكون النموذج اللبناني الناجح بالنسبة إليها وبالنسبة الى كلّ الدول الكبرى قد سلك الطريق.
رفيق حريري سورية لا يبدو أنه قادر على أن يظهر حتى الساعة، فالمشروع السعودي في إسقاط الدولة السورية ورئيسها الأسد لم يمرّ، وهو اليوم بات أصعب بكثير مما سبق بعد تفاهم الإيرانيين مع الغرب، ويقين السعودية بأنّ دعم الأسد مطلب إيراني ثابت في حال حصول أي تعاون ايراني- أميركي على مجمل الملفات، وعلى العكس يبدو اليوم أنّ الوضع السياسي لحريري لبنان بات في خطر.
فوضع رئيس وزراء الأسبق المالي سيّئ جداً، وتشير المعلومات إلى أنّ شركة «سعودي اوجيه» في السعودية تتوجه إلى صرف موظفين، مع حديث عن توجه آل الحريري إلى بيع بعض الأملاك، وعليه لا يبدو أنّ الحريري كان ليصل الى هذا الحدّ من الضيق المادي لو كانت السعودية قد بادرت الى حلّ أزماته التي لم تكن وليدة الساعة، وبالتالي فإنّ الحريري الغير قادر على التفلّت من سياسة المملكة وسياستها تجاه حزب الله او الأسد، هو غير قادر بطبيعة الحال على الإضرار بأعماله هناك التي تعتاش على دعم المملكة له.
سياسياً لا تبدو العلاقة بالحريري جيدة ايضاً، فإدارة الملك الجديد اليوم تختلف عن إدارة الملك الراحل عبدالله الذي كان قد خصّص له أعلى مستويات الحماية في الرياض ووفر له الاحتضان الكامل واستحصل له على الغفران حتى بعد اتهامه محمد بن نايف وزير داخلية السعودية حينها ولي العهد اليوم بالسفاح.
لا يشعر الحريري اليوم بالأمان السياسي ولا الأمان المالي في السعودية، وهو ليس أكيداً ايضاً من أنّ اسمه لا يزال الاسم السعودي الأول في لبنان، ولأنه سيبقى كذلك في المرحلة المقبلة، فهو يدرك انّ المتغيّرات التي فرضها التواصل الايراني مع الغرب سيعني حكماً متغيّرات جديدة في لبنان، وبالتالي يستشعر الحريري إهمال السعوديين لأولوياته السياسية والمادية والمعنوية والنفسية اليوم.
استعادة ثقة المملكة همّ حقيقي يراود الحريري ولا يجد طريقاً له إلا عبر التقيّد بمواقفها من مجمل القضايا العربية والإقليمية والدولية «قولاً واحداً»، خصوصاً في ما يتعلق بسورية، إلا أنّ الحريري قد تعدّى التقيّد ليصل إلى مرحلة المزايدة على المسؤولين السعوديين الذين قصدوا عواصم حليفة لسورية والتقوا بمسؤولين سوريين رفيعي المستوى من أجل الحلّ «المفترض».
خرج وزير خارجية السعودية عادل الجبير ليتحدّث مع الصحافيين في موسكو واعلن أمام لافروف ان لا إمكانية لإنشاء تحالف بين الرياض ودمشق، مشيراً إلى أنّ موقف الرياض من الأسد لن يتغيّر.
اما في لبنان فنقلت وسائل الإعلام اليوم تغريدات الحريري التي باتت تصريحاً رسمياً وقد عبّر خلالها وبعد غياب طويل عن تأثره بالمجازر التي تقترفها «داعش» بحق الأبرياء في سورية، ليختار ما يعرف أنه قادر على إحداث وقع مختلف على الآذان الدولية والاقليمية ليندّد بتدمير دير مار إليان في ريف حمص، واصفاً إياه بالعمل الدنيء الذي يضاف الى سجل التنظيم الإجرامي، لكنه لم يتوقف هنا فاعتبر «أنّ جرائم داعش، وما أسماه جرائم الرئيس الأسد بحق الأبرياء وجهان لمشروع واحد عنوانه تدمير سورية».
الحريري يزايد على الجبير وعلى الموقف السعودي في عزّ الكباش السياسي الدولي ما قبل التسويات من أجل إعادة تجديد عقد الثقة به في المملكة، فهل تنظر الرياض بعينها العطوفة مجدداً وتتذكر شتى صور الوفاء وتسترجع فيديوات الولاء وتنقذ الحريري قبل الإفلاس؟