القوانين… بين التعديل والترقيع!

لمياء عاصي

مراسيم تشريعية تصدر كلّ يوم، تحمل قوانين جديدة أو تعديلات على قوانين موجودة في البلاد. تلك التعديلات ستحصل عليها تعديلات أخرى قبل أن يجفّ الحبر الذي كُتبت به، فهل سينجم عن تلك التعديلات تحسين حقيقي في واقع العمل، أم هي مجرد تعديلات بسيطة ترضي القائمين على العمل في الوزارات لفترة محدودة؟

صدر تعديل على قانون السير والمركبات في حزيران 2015، كما صدرت تعديلات على قانون حماية المستهلك، وكذلك وزارة المالية منشغلة هذه الأيام بمناقشة القانون الخاص بالبيوع العقارية وتعديل القانون 429 الخاص برسوم الفراغ العقارية. وقبل ذلك صدرت عشرات القوانين من دون أن تكون للوزارات المختلفة القدرة على تطبيقها، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها قانون إحداث صندوق حكومي للاستثمار والتدخل في سوق الأوراق المالية في دمشق الذي أصدرته وزارة الاقتصاد في وقت سابق من دون أن يتمكن أحد من تنفيذ قانون هذا الصندوق.

النظام الضريبي مثالاً

ولعلّ قوانين الضرائب في سورية هي الأكثر عرضة للتعديل خلال السنوات العشر الماضية، وقد طالت التعديلات قانون الدخل وقوانين أخرى ذات صلة بالضرائب النوعية المختلفة، ومع ذلك فإنّ القوانين المالية والضريبية ما زالت تعاني من مشاكل رئيسية من حيث عدم قدرتها على مسايرة قوانين وأنظمة معظم الدول، إضافة إلى أنها لا تراعي متطلبات التنمية أو العدالة الضريبية، فمن جانب المكلف لم تؤدّ هذه التعديلات إلى تحسّن في علاقة المكلف بالدوائر المالية أو معرفته بالضرائب والمبالغ التي يتوجب عليه دفعها، بل تكرّس الشعور لديه بأنه تحت رحمة مراقبي الدخل والموظفين واللجان الضريبية، كما أنّ الخزينة العامة للدولة ما زالت تعاني من شحّ الموارد المالية، ولم تؤدّ تلك التعديلات إلى أيّ انخفاض في نسب التهرّب الضريبي.

يُعتبر الاستقرار في المنظومة القانونية ميزة إيجابية لبيئة الأعمال والاستثمار في أيّ بلد، فما هي الأسباب الحقيقية التي تجعل الوزارات المختلفة تسارع إلى إصدار تشريعات جديدة أو تعديلات عليها من دون أن تقدّر فعلاً الحاجة إلى مثل تلك التعديلات أو القدرة على تطبيقها؟ معظم التعديلات القانونية تأتي لعوامل مختلفة منها: الحاجة إلى زيادة حصيلة الخزينة العامة من المال وتعديل المبالغ والسقوف المحدّدة في بعض القوانين، إضافة إلى تلافي بعض الثغرات نتيجة لبعض المتغيّرات الاقتصادية أو بسبب إغفال بعض الحالات التي ظهرت عند التطبيق، في بعض الحالات لاعتبارات شخصية لإعطاء الانطباع للجمهور بأنّ الوزارة تعمل بكلّ طاقتها.

فهل أدّت التعديلات على القوانين الضريبية إلى تحسينها بشكل حقيقي؟ بالعودة إلى مقترح التعديل الأساسي الذي تضمّنه مشروع قانون البيوع العقارية الذي يناقش حالياً، فهو ينصّ على أن تعتمد نسب الضريبة المستوفاة على القيمة الرائجة للمتر المربع الواحد، أيّ القيمة الحقيقية للعقارات وليس القيمة المالية المسجلة لدى الدوائر المالية، بينما تمّ تجاهل المشكلة الرئيسية في إلغاء الضريبة على تجارة العقارات، وهذا إجحاف في حقّ الخزينة العامة في سورية، وفيه تجاهل كامل للأساس الذي تقوم عليه فكرة الضريبة.

إنّ التعديلات التي حصلت على نظام الضرائب والرسوم في السنوات العشر الأخيرة تلخصت بالنقاط التالية:

ـ إلغاء بعض الضرائب النوعية الهامّة مثل، ضريبة التركات وتجارة العقارات ورسوم المغتربين مما أثر سلباً على الإيرادات العامة للدولة من دون مطارح ضريبية بديلة عام 2005 بينما كان يمكن تبسيط طرق احتساب الضرائب منعاً للفساد ورفع سقوف الإعفاء للمكلفين الأقلّ دخلاً.

ـ تصنيف المكلفين وتوزيعهم إلى مكلفين صغار ومتوسطين وكبار، وهو ليس سوى إجراء تجميلياً ليس له أيّ تأثير على مجمل الحصيلة الضريبية.

ـ تعديلات بسبب تغيّر النهج الاقتصادي، مثل التخفيض الشديد في الرسوم الجمركية على السيارات وبعض السلع الأخرى.

ـ تعديلات على النسب والأسس المعتمدة لاحتساب الضرائب والرسوم، مثلاً في قانون البيوع العقارية تمّ تعديل الأساس الذي تطاله الضريبة وأصبح يُحتسب على القيمة الرائجة في السوق بدلاً من القيمة المالية المسجلة في الدوائر المالية.

حسب الإحصائيات والأرقام التي تنشرها وزارة المالية، لم تؤدّ التعديلات التي حصلت خلال السنوات السابقة إلى أيّ تغيير إيجابي يذكر، سواء على المكلف أو الخزينة العامة، بسبب مشاكل النظام الضريبي الحالي ومنها:

ـ ضعف الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات وقواعد البيانات ووسائل الاتصالات، حيث لا يزال العمل اليدوي سائداً في معظم مراحل فرض الضريبة، ما يشجع الفساد من خلال تدخل العنصر البشري في عمليات تقدير وفرض الضريبة بدلاً من الأنظمة المؤتمتة.

ـ لا تزال القوانين المالية وغيرها تعتمد على التعليمات التنفيذية التي تصدر ببلاغات وزارية أو من رئاسة مجلس الوزراء، وبصياغة مبهمة تحتمل التفسيرات وتسمح بالكثير من اللف والدوران على القانون.

ـ الثغرات والفجوات في القوانين الضريبية والأنظمة ذات العلاقة، التي تسمح بالتهرّب الضريبي على أوسع نطاق وبمساعدة العاملين في مجال التكليف بالضريبة في بعض الأحيان.

ـ الإعفاءات المتكرّرة للفوائد والغرامات للمتأخرين والمتخلفين عن دفع الضريبة والتي تكافئ المتخلف عن الدفع لتشجع غيره على التخلف عن السداد للأعوام اللاحقة.

ـ نقص التدريب والتأهيل للكوادر الضريبية التي تخضع للتدريب مرة واحدة في حياتها عند التحاقها بالوظيفة ثم تقضي عمرها الوظيفي على هذا التدريب اليتيم.

ـ غياب الاعتماد على الرقم الضريبي ودمجه في المعاملات الحكومية والإدارية العامة، لتسهيل معاملات المكلف ورفع كفاءة التكليف والتحصيل معاً.

كلّ النقاط السابقة تظهر بشكل واضح أنّ التعديلات على القوانين المالية والضريبية، يجب أن تكون عميقة تطاول جوهر التكليف الضريبي، وهنا نذكر بعض النقاط الهامة لرفع كفاءة النظام الضريبي وجعله ملائماً وشاملاً:

ـ أن يكون النظام الضريبي شاملاً لكلّ أنواع الدخل للفرد وضمن بيان موحد ونظام مؤتمت، وبرغم الآراء التي تعتبر أنّ هذا النظام المقترح غير ممكن التحقيق اليوم، ولكنه السبيل الوحيد إلى نظام ضريبي قوي كفوء قادر على تحقيق العدالة الضريبية والحدّ من التهرّب الضريبي، وبالتالي تحسين الإيرادات العامة للدولة.

ـ اعتماد الأنظمة والإجراءات المساندة لتحقيق الضريبة والتعامل معها بشكل يتسم بالحزم ومنها، الاعتماد بشكل كامل على نظم الحوسبة والمعلومات وإقرار وتنفيذ نظام الفوترة في شكل تدريجي وحاسم.

ـ إصدار قانون خاص بقضايا التهرّب الضريبي وتجريم المتهرّب ضريبياً.

ـ إعادة النظر بوظيفة مراقب التكليف وتحديد رواتب وترفيعات وهيكلية خاصة به كجزء من عملية مكافحة الفساد المنتشر الآن في الدوائر المالية.

ـ الحفاظ على الضريبة التصاعدية مع تطبيق ضريبة المبيعات أو توسيع دائرة الإنفاق الاستهلاكي.

إذاً القوانين الضريبية مع النظام المعلوماتي والنظم الاستقصائية والفوترة والربط الشبكي، بالإضافة إلى سلك خاص بمراقبي التكليف وموظفي الدوائر المالية، كلّ تلك العوامل المجتمعة والمتضافرة يمكن أن تؤدّي إلى نظام قوي نافذ بالتساوي على كلّ الناس، ما يمكن فعلاً من إحداث فرق إيجابي، أما التعديلات السطحية بالشكل الذي يتمّ طرحه ستكون محدودة الأثر وليست سوى رقعة أخرى في الثوب الضريبي المهترئ والمثقل بالرقع.

أخيراً، إنّ المشكلة اليوم في القوانين السورية هي أكبر من مسألة تعديلات من هنا وهناك، بل تتعداها إلى ضرورة بناء نظام قانوني تشريعي شامل جديد، يلبّي متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى