لبنان يدخل من «الوسط» مفترق طرق بين المجهول والمعلوم ربيع بيروت رصاص وثورة وفوضى والسؤال عن هدف الخطة؟

كتب المحرر السياسي

دخل لبنان مع التحرك الشبابي الذي بدأ في وسط بيروت إلى المنطقة الخطرة، حيث المجهول الذي ينتظر من سيادة الفوضى من جهة، ودخول المجموعات المنظمة لاستدراج المواجهات، وفي بلد كلبنان ليس مفاجئاً أن يكون لأجهزة استخبارات متعددة قدرة التحرك براحة من داخل المتظاهرين ومن داخل القوى الأمنية، فتسيل الدماء وتستدرج المزيد من الفوضى والمزيد من الدماء.

القدرة على ضبط الأمور على ضفتي القوى الأمنية والمتظاهرين، بدت لليوم الثاني خارج السيطرة، وبدا أن الذين يستسيغون الذهاب إلى المواجهة سواء بفعل تنفيذ خطة مرسومة لهم أو بفعل حماستهم المفرطة أو ردود فعلهم غير المحسوبة، هم الذين يقودون الأمور على الضفتين المتقابلتين، ما يعني أن سلامة النوايا والإعلان عنها في الضفتين لم يعد كافياً للاطمئنان إلى اليوم الثالث وما سيليه.

هذا المجهول المبني على قراءة النوايا الحسنة، أما المعلوم فهو أن يكون الغضب الشعبي على الواقع المزري الذي يعيشه لبنان، وجاءت أزمة النفايات المهينة للدولة وشعبها لتفجره، قد وفر مادة ملتهبة لخطة تسمى ربيع بيروت أسوة بنماذج الربيع العربي التي شهدناها.

ربيع بيروت تحول رصاصاً ودماً، كربيع تونس وربيع القاهرة اللذين تحولا إلى أحداث دامية، قيل عنها لاحقاً الكثير عن وجود رجال استخبارات تسللوا بين المتظاهرين ورجال الأمن وتولوا إطلاق النار وإشعال المواجهات، وأردوا القتلى من الطرفين، فهل هو ربيع مرسوم كما رسم ما قبله؟

يحتاج «الربيع» إلى مجموعة شروط، أولها غضب وسخط لدى الشارع، وهذا لا نقاش فيه تجاه ما يعيشه اللبنانيون الذين بلغ يأسهم من إصلاح دولتهم وقيامها بالحد الأدنى من المسؤوليات وتوفيرها أقل الضرورات من الخدمات، وثانيها مجموعة من الناشطين الممولين والمدربين على إدارة تحركات الشارع، تحت مسمى منظمات المجتمع المدني، وجرى تداول معلومات عن وجود عدد من تلامذة منظمة «أوتبور» تعني المقاومة الشعبية الصربية، وهي منظمة مرتبطة بمعهد السلام الأميركيUSIP، نشطت في عملية إسقاط الرئيس ميلوسوفيتش في صربيا، عملت على تدريب مئات الناشطين من أكثر من 37 دولة في العالم على قيادة وإدارة الانقلابات والثورات «الناعمة والملونة» من خلال تحريك الاحتجاجات المدنية والسلمية، في مركز CANVAS في بلغراد تحت إشراف المدرب سيرجيو بوبوفيتش، وأن هؤلاء هم في مواقع بارزة بين المجموعات التي تتولى إدارة التحرك، ويستند من يشير إلى هؤلاء إلى أن الشعارات المرفوعة تشتغل على الحماسة العاطفية بعيداً عن أي حساب سياسي، فقضية النفايات غابت عن التحرك، وتصدرته الدعوة الرومانسية لإسقاط النظام، والطريق الذي تقترحه استقالة حكومة ستبقى قائمة بقوة غياب رئيس جمهورية يشرف على تشكيل خلف لها، والدعوة لانتخابات نيابية في ظل غياب قانون جديد، ومعلوم أن أي انتخابات تجرى لن تغير شيئاً في مشهد التركيبة البرلمانية ولاحقاً الحكومية، ما يوحي أن جاذبية الغضب هي الهدف الفعلي وصولاً لتصعيد المواجهة، والإصرار على شتيمة كل السياسيين بتعابير استفزازية تستدرج أي شارع متعاطف لتوليد شحنات مواجهة جانبية يفترض بأي تحرك هادف تجنبها بل السعي لاستقطاب أوسع جمهور لقضيته بين اللبنانيين الذي يفترض أنه يساوي بينهم.

إلى أين يمكن للمواجهة أن تأخذ البلاد، إذا كانت خطة، وبيد صاحبها القدرة على أن يستسقي لها الوقود من تغلغله وسط الفريقين، القوى الأمنية والحكومة من جهة، والمتظاهرين من جهة أخرى؟

هل ثمة حل رئاسي يمكن تسويقه في هذا المناخ إذا نجح أصحاب الخطة بوضع البلاد بين الحل المستور وخطر الفوضى؟

التحركات الشعبية

احتلت الهموم المعيشية والتحركات الشعبية المشهد الداخلي في عطلة نهاية الأسبوع، بعد أن تحولت ساحة رياض الصلح منذ يوم السبت الماضي حتى مساء أمس، إلى حلبة مواجهة واشتباكات بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين احتجوا على استمرار أزمة النفايات.

وكان الاعتصام بدأ عصر السبت في محيط السراي الحكومية في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، وتطورت الأمور بعد تدافع بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي استخدمت خراطيم المياه والرصاص والغاز المسيل للدموع في محاولاتها لفض الاعتصام وإبعاد الشبان عن محيط السراي الحكومية ما أدى إلى وقوع عددٍ من الجرحى بين المتظاهرين.

وتوجه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام إلى المتظاهرين، خلال مؤتمر صحافي عقده في السراي الحكومية، وأكد أننا «لا نستطيع إلا أن نتحمل مسؤولية ما حصل، خصوصاً في ما يتعلق باستعمال القوة المفرطة مع هيئات المجتمع المدني»، جازماً أن ذلك «لن يمر من دون محاسبة، فكل مسؤول سيحاسب، ولن أغطي أحداً»، لافتاً إلى أن «ما حصل البارحة ليس ابن ساعته، بل هو تراكم لقصور ولتعثر ولغياب نعيشه ونتحمله».

تجدد الاشتباكات

ولليوم الثاني على التوالي استمرت التحركات في ساحة رياض الصلح ونظمت حملة «طلعت ريحتكم» مساء أمس تظاهرة حاشدة تجددت خلالها الاشتباكات بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين حاولوا إبعاد الشريط الشائك عن مكانه، فتصدت لهم القوى الأمنية بخراطيم المياه وتبادل التراشق في العبوات الفارغة والحجارة وسجلت حالات إغماء في صفوف المتظاهرين.

وأكدت حملة «طلعت ريحتكم» في بيان أن الحملة وطنية وسلمية وأن لا تفاوض مع الحكومة قبل محاسبة المسؤولين عما حصل خلال تظاهرة السبت الماضي، واعتبرت أن المجلس النيابي بحكم المنحل ودعت الجاليات اللبنانية للتظاهر أمام السفارات تزامناً مع تظاهرات الاثنين».

وامتدت المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية حتى ساحة الشهداء وسط حال من الفوضى والشغب، واندلع حريق بالقرب من كنيسة مار جرجس في وسط بيروت، فيما أفادت قوى الأمن الداخلي عن إصابة 30 من عناصرها، إصابة أحدهم خطرة، وأكد الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة، نقل 43 حالة إلى المستشفيات من المواجهات، وإصابة عسكريين في قوى الأمن الداخلي».

وليلاً بسطت القوى الأمنية سيطرتها على ساحة رياض الصلح التي خلت من المتظاهرين ولم يبقَ فيها إلا آثار الحرائق والخراب، وعمل عناصر فوج إطفاء بيروت على إخماد الحرائق. كما قطع اوتوستراد السعديات باتجاه بيروت بالإطارات المشتعلة تضامناً مع المعتصمين في ساحة رياض الصلح.

وكلف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق فور عودته إلى بيروت، المفتش العام لقوى الأمن الداخلي العميد جوزف كلاس إجراء تحقيق في الحادث كما عقد اجتماعاً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لمتابعة التطورات وأعطى توجيهاته بـ»ضرورة ضبط الوضع وحفظ الأمن والمحافظة على أمن وممتلكات المواطنين، مع الحفاظ على حق المتظاهرين في التعبير عن آرائهم تحت سقف القوانين المرعية الإجراء».

عون لسلام: الرد في مجلس الوزراء وخارجه

وأصدر مكتب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون البيان الرقم 2 رداً على المؤتمر الصحافي للرئيس سلام، أكد فيه أن «مؤتمر العجز المقيم وكلام الاحتواء العقيم ومحاولة الابتزاز المهين لن يمر من دون رد مناسب في مجلس الوزراء وخارجه بخاصة على مستوى الشعب صاحب السيادة، ومصدر كل سلطة والذي منعه فريق الأكثرية الحكومية من أي محاسبة منذ إلغاء حقه في الانتخاب الديمقراطي والدستوري».

وقالت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن «التيار يؤيد بشدة التحرك الشعبي الذي يحصل لكن لم يحركه، بل الشارع هو الذي تحرك بعدما وصلت الأمور إلى حدٍ لا يطاق ونحن دعمنا تحركه لأننا وجدنا في هذا التحرك أنه يخدم القضية التي ندافع عنها، وشدد على أن التيار عندما يدعو إلى التظاهر يدعو جهاراً وليس سراً».

وأكدت المصادر أن مناصري التيار موجودون في التظاهرة منذ يوم السبت بالعلم اللبناني وليس بعلم التيار، إلا أننا لم ندعُ هؤلاء المناصرين للنزول إلى الشارع بل نزلوا من تلقاء أنفسهم».

وشددت على أن سلام من خلال كلامه أمس قرر الانتحار كرئيس للحكومة، وأكدت أن الحكومة لن تستمر بهذا الوضع وأن التيار سيطعن بالسلوك الذي انغمست به حكومة سلام في مخالفة القوانين وضرب مرتكزات الوفاق الوطني».

وتحدثت المصادر عن اتصالات ومساعٍ في الأيام الماضية لحلحلة على الصعيد الحكومي إلا أننا تفاجأنا بتصعيد رئيس الحكومة خلال مؤتمره الصحافي المعيب بحق من يدعي الاعتدال والحيادية، وحذرت بأن الرد سيكون في مجلس الوزراء ولن نسمح لسلام ولا لتيار المستقبل من خلفه السير خلف الإرادة السعودية.

جلسة حكومية حاسمة الخميس

حكومياً وعلى وقع التحركات الشعبية والتصعيد في الشارع، يتجه مجلس الوزراء إلى جلسة حاسمة صباح الخميس المقبل دعا إليها الرئيس سلام وعلى جدول أعمالها 39 بنداً، وذلك بعد أن حسم الرئيس سلام أمره أمس في مؤتمره الصحافي وأكد أن «الخميس أمامنا جلسة منتجة، فإذا لم تكن كذلك لا لزوم لمجلس الوزراء من بعدها».

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أن الرئيس سلام لن يبقى في الحكومة إذا لم تكن جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل منتجة.

وأشار درباس إلى «أن الحكومة عملياً تعتبر ساقطة منذ 25 أيار 2014 أي بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق، لكن الرئيس سلام استمر في رئاسة الحكومة كرم أخلاق منه منعاً للفراغ الشامل وللاستمرار بتسيير شؤون المواطنين الحياتية والمعيشية».

وحذر درباس من أن «الوضع في الحكومة في جلسة الخميس يتجه إلى التصعيد إذا لم تقر المراسيم الملحة التي تضمنها جدول أعمال الجلسة إذا استمر بعض الأطراف بتعطيل عمل الحكومة».

وأضاف درباس: «على المطالبين بإسقاط الحكومة والنظام السياسي في لبنان أن يزيلوا النفايات بأيديهم من الشوارع»، واتهم درباس التيار الوطني بالوقوف خلف التحرك الشعبي في ساحة رياض الصلح وذلك من العناوين السياسية التي يرفعها المتظاهرون الذين وصفهم بالـ»النفايات وطلعت ريحتهم». واستنكر درباس التهجمات والأوصاف التي أطلقت في التظاهرات ضد الرئيس سلام.

وأكد وزير الشباب والرياضة عبد المطلب الحناوي لـ«البناء» أن التظاهر في الشارع «يعتبر حقاً دستورياً لكل مواطن لبناني إنما الاعتداء على القوى الأمنية غير مقبول ومخالف للقانون».

وأشار حناوي إلى أن «المطالب التي ينادي بها المتظاهرون مستحيلة»، ودعاهم إلى النزول إلى ساحة النجمة والتظاهر أمام المجلس النيابي لدفع النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.

واتهم حناوي التيار الوطني الحر بالوقوف خلف هذه التحركات أو على الأقل استغلالها والاستفادة منها، داعياً المتظاهرين إلى «التظاهر في الرابية وليس أمام السراي الحكومية لأن وزراء التيار هم الذين كانوا وزراء للطاقة وللمياه فضلاً عن أنهم يعطلون الحكومة لتحقيق مطالب سياسية».

وأشار حناوي إلى أن جدول أعمال جلسة الخميس سيقر كما أقر قرار دعم النقل البحري، محذراً من «أن استقالة الحكومة لا تفيد بل ستأخذ البلد إلى فراغ دستوري شامل وستحول الحكومة إلى تصريف أعمال»، لكنه لفت إلى أن الرئيس سلام «لن يقف مكتوف اليدين إذا استمر التعطيل بل سيتخذ قراره بالاستقالة حرصاً على كرامته الشخصية».

وأكد حناوي دعم اللقاء التشاوري لموقف سلام وتأييده التوافق داخل الحكومة لكن من دون التعطيل.

ملف النفايات دخل في المزايدات السياسية

لا تزال الخلافات والتجاذبات السياسية تؤخر الوصول إلى حلول في ملف النفايات الذي سيكون البند الأول على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الخميس.

وصدر عن وزير البيئة محمد المشنوق بيان أعلن فيه عن «تقديم موعد فض عروض المناقصات من مساء الثلثاء المقبل إلى بعد ظهر يوم غدٍ الاثنين في الرابع والعشرين من آب 2015».

وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» أن موضوع النفايات دخل في المزايدات السياسية ويتجه لمزيد من التأزيم، وتساءلت المصادر: «كيف سيعمل سلام على حل موضوع النفايات ومجلس الوزراء لا يمكنه اتخاذ قرارات بسبب التعطيل الذي يمارسه فريق سياسي داخل الحكومة»؟

سلام إلى نيويورك

ويتوجه الرئيس سلام منتصف أيلول المقبل على رأس وفد وزاري إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة العادية السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تفتتح في 15 أيلول المقبل، حيث سيلقي كلمة لبنان فيها.

اغتيال العرموشي يشعل عين الحلوة

على خط آخر وفي تطور أمني لافت ينذر بمضاعفات خطيرة، اندلعت اشتباكات في مخيم عين الحلوة بعد ظهر السبت إثر محاولة اغتيال قائد الأمن الوطني في صيدا أبو أشرف العرموشي، أثناء مشاركته في جنازة داخل المخيم، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة نقل على أثرها إلى المستشفى، في حين أدت الاشتباكات إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح.

وأوضحت مصادر في اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا لـ«البناء» أن التحقيقات الأولية لم تثبت بعد أن مقتل العرموشي هو نتيجة عملية اغتيال، بل إن المعلومات تحدثت أن اشتباكاً حصل بين مرافقي العرموشي خلال مرور موكبه على الطريق العام وبين شخصين من تنظيم جند الشام وعلى إثرها تطور الأمر إلى إطلاق نار في منطقة حطين، ما أدى إلى مقتل العرموشي. وامتدت الاشتباكات إلى منطقة الصفصاف – البلوكسات -الطوارئ إلى أن تم وقف إطلاق النار عند الساعة السابعة والنصف مساء السبت المنصرم، إلا أن اشتباكات مسلحة حصلت بين حركة «فتح» و«عصبة الأنصار» خرقت قرار وقف إطلاق النار.

وأضافت المصادر أن «الوضع حالياً مستقر في مخيم عين الحلوة وسط حال من الحذر والترقب»، وأكدت أن «سلسلة من الاجتماعات حصلت أمس ضمت اللجنة الأمنية والقوى الفلسطينية أدت إلى وقف إطلاق النار الساعة 12:30 ظهر أمس وتثبيت الحواجز لا سيما الموجودة في منطقة قطبة».

وأكدت المصادر أن اجتماعاً سيحصل في سفارة دولة فلسطين عند الساعة الثانية اليوم لاستكمال ما توصلت إليه اللجنة الأمنية أمس لسحب المسلحين من الشوارع وتثبيت الحواجز وإجراء تحقيقات في الحادث لكشف المتورطين، ولفتت إلى أن التواصل مستمر بين القوى الفلسطينية والأجهزة الأمنية اللبنانية لمنع امتداد الاشتباكات إلى خارج المخيم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى