الديمقراطية الانكشارية

د. تركي صقر

أفشل رجب طيب أردوغان تشكيل حكومة ائتلافية رداً على خسارة حزبه المدوية في الانتخابات البرلمانية وفقدانه الغالبية وهو يأمل في الانتخابات المبكرة كسر شوكة حزب الشعوب الديمقراطي برئاسة صلاح الدين دمرطاش الذي وجه صفعة قوية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 حزيران الماضي وقلب المعادلة لأول مرة، عندما حقق نسبة 13.1 في المئة وفاز بـ80 نائباً في البرلمان وضرب أحلام أردوغان السلطانية ليكون حاكماً مطلقاً من خلال تحويل النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي.

والسؤال الجوهري هل سيتمكن أردوغان من تغيير المشهد الانتخابي لمصلحة حزبه ويستعيد الغالبية المفقودة؟ أم أنه بدأ يفقد أوراقه الحزبية والسلطوية وبدأت الرياح تجري داخل تركيا وخارجها لغير ما يشتهي ويريد؟ من الواضح أن الورقة الأمنية في الداخل التركي بدأت تهتزّ بشدة وباتت حكومة أردوغان تقف على برميل متفجر من البارود لأسباب عديدة منها:

ـ فقدان حزب العدالة والتنمية الغالبية المطلقة في انتخابات 7 حزيران الماضي ما أفقد أردوغان صوابه فأقدم بحماقة وغباء على تفجير الوضع السياسي مع الأحزاب المشاركة في الحياة البرلمانية والانتقام منها خصوصاً حزب الشعوب الديمقراطي وعاد إلى إقصائها وتهميشها والانفراد بالسلطة.

ـ عودة الاضطرابات والتفجيرات وقيام القوى اليسارية والعلمانية بتحركات في الشارع قابلها أردوغان بحملات قمع واعتقال شملت الآلاف ما ينذر بحرب أهلية بدأت تتطاير شرارتها في مناطق عديدة من تركيا بدءاً من تفجيرات اسطنبول المستمرة وحتى التظاهرات الدامية من أمام قصر أردوغان في أنقرة وصولاً إلى جنوب الأناضول وشرقه.

ـ تراجع الاقتصاد التركي وهبوط قيمة الليرة التركية بشكل متسارع وعلى إيقاع تدهور الأوضاع الداخلية وغياب الحلول السياسة ما يؤدي إلى انهيارات اقتصادية كبيرة مقبلة يصعب على نظام أردوغان تلافيها بعد أن مضى بعيداً في سياساته الداعمة للإرهاب.

ـ إلغاء أردوغان اتفاق السلام الهش مع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني pkk القابع في السجن منذ سنوات طويلة وإعلانه حرباً مفتوحة على هذا الحزب مصراً على استئصاله كلياً في حين عجزت الحكومات التركية السابقة كلها على مدى واحد وثلاثين سنة عن تحقيق ذلك.

وفوق هذا وذاك، يظن أردوغان أن حربه ضد حزب العمال الكردستاني ستحطم البيئة الحاضنة لحزب الشعوب الديمقراطي وتجعله أضعف انتخابياً في الانتخابات المبكرة وقد لا يستطيع تجاوز نسبة 10 في المئة المطلوبة لدخوله البرلمان كما يمكن أن يفبرك لرئيس الحزب صلاح الدين دمرداش تهماً تقوده إلى السجن عشية الانتخابات المبكرة، ما يربك صفوف الحزب ويبعثر قواه في عز العملية الانتخابية وإذا ما فشلت هذه المكائد الأردوغانية كلها، فلا يستبعد أن تقوده عقليته الانكشارية إلى اللجوء إلى التزوير كما جرى في مرات سابقة.

وليس حال أردوغان في الخارج أفضل منها في الداخل فأوراق كثيرة كان يعتمد عليها لتنفيذ مشروعه السلطاني سقطت من يديه ومنها:

سقوط ورقته الأقوى التي راهن عليها طويلاً لتحقيق أحلامه الكبرى في إحياء السلطنة العثمانية الجديدة على كامل الوطن العربي وهي تنظيم الإخوان المسلمين الذي انهار إثر هزيمة حكم مرسي في مصر وملاحقة التنظيم الذي احتضنه ورعاه ومطاردته في معظم البلدان العربية واعتباره منظمة إرهابية كالنصرة وداعش وغيرهما من المنظمات الإرهابية.

اصطدامه بصخرة صمود الشعب والجيش السوري وثبات الدولة السورية التي راهن على سقوطها في غضون أشهر قليلة من بدء الأحداث في سورية وعلى رغم تدخله السافر ودعمه المطلق لكل أنواع وأصناف التنظيمات الإرهابية التي تخرب في سورية فقد باءت محاولاته بالفشل وبقيت الدولة السورية غير قابلة للسقوط.

فشل ما سمي المعارضة السورية التي اعتبر نفسه الأب الروحي لها وتبخر ما سمي دول أصدقاء الشعب السوري ولم يعد يسمع بها أحد وهي مجموعات، حاول أن يستقوي بها على حلفاء الدولة السورية وأصدقائها ومحور المقاومة ولم يبق بيده إلا ورقة «داعش» فقط وهي التي بدأت تصفر وعلى وشك السقوط والانقلاب من قوة له إلى قوة عليه.

فشله في إقامة منطقة عازلة وتلقيه أكثر من صفعة من الإدارة الأميركية تمثلت في تخليها عن فكرة المناطق العازلة بشكل علني وصريح بعد أن وعدته بدعمها وتبع ذلك إعلان واشنطن سحب صواريخ الباتريوت من الأراضي التركية بعد أن سحبت ألمانيا صواريخها، وبذلك أصبح مستحيلاً عليه حتى مجرد التفكير بإقامة أية منطقة عازلة.

تعالي أصوات الرأي العام في الغرب وأميركا باعتبار نظام أردوغان وداعش وجهين لعملة واحدة يقول تقرير لـ «معهد الأخلاقيات والتكنولوجيا الأميركي IEET»: تنظيم داعش في غاية الخطورة ولكن نظام أردوغان أخطر منه. إنه من العار والمخزي لأميركا والاتحاد الأوروبي إبقاء حزب العمال الكردستاني على لائحة الإرهاب… يجب علينا دعم PKK بالسلاح في حربه التحريرية ضد نازية أردوغان.

في ظل هذه الأجواء السلبية ووسط حرب ضروس تشهدها ولايات تركية بكاملها في الشرق والجنوب وتساقط قتلى وجرحى يومياً من الجيش والشرطة التركية بالعشرات يركب أردوغان رأسه وتقوده عقليته الانكشارية إلى فرض الانتخابات المبكرة، فيما يؤكد تقرير صادر عن معهد مركز جيزيجي للأبحاث واستطلاعات الرأي بأن حزب العدالة والتنمية لن يحصل على أكثر من 39.2 في المئة في الانتخابات المبكرة وبانخفاض 3 في المئة عن انتخابات حزيران الماضي وحزب الشعب الجمهوري 26.4 والحركة القومية 16.2 وحزب الشعوب الديمقراطي 14.1 أي بزيادة بلغت 1 في المئة عما كانت عليه في الانتخابات السابقة.

بالمحصلة يمكن القول إن رهان أردوغان على الانتخابات المبكرة سيكون رهاناً على حصان خاسر وإن عقليته الانكشارية لن تنتج سوى ديمقراطية من طبيعتها وعلى شاكلتها… ديمقراطية انكشارية غير قابلة للحياة.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى