ثنائية: «أل بي سي» و«الجديد»…

روزانا رمّال

هكذا وبسحر ساحر اجتمعت اكثر القنوات خصومة ومنافسة في لبنان على فرد قلب: قناتا «أل بي سي» و«الجديد» كما اجتمعت قناتا «العربية» و«الجزيرة» تحت عناوين نقل تحركات المحتجين المطالبين بالعيش الكريم في تظاهرات «الربيع العربي»، فهل كان مجرد تلاق مهني لمواكبة الحدث الكبير أم هو تلاق يعبّر عن شيء آخر يتخطى حدود الصدفة؟

صحيح انّ كلّ وسائل الإعلام توحدت على نقل حدث بيروت الهامّ، لكن لهاتين القناتين حكاية أخرى، وتأثير مضاعف على الناس وتجارب ورسائل.

كان واضحاً قبل أن يحتشد الناس وقبل أن يصير التحرك حدثاً بحجم الحضور، أو بأي من الأحداث التي تتالت بعد ظهر اليوم الأول، أنّ القناتين تجنّدان نفسيهما للنفخ في الحدث ليصير عنواناً أول في اهتمامات الناس، وأن ترتفع اللهجة حدّة، وأن يتمّ التركيز على خطاب يتجاوز التغطية لإعلان صريح: «نحن قرّرنا أن ننحاز إلى الناس ضدّ هذه الطبقة السياسية الفاسدة»، كما قال مذيعو هاتين المحطتين بحماسة وبلغة تحدّ ضدّ كلّ الضيوف المنتمين إلى القوى السياسية بمن فيهم نائب أعلن تعليق عضويته تضامناً مع المتظاهرين.

الواضح أيضاً أنّ الزجّ بالإمكانات الفنية، واختيار العنصر النسائي، والإيحاء بتعرّض المذيعات للأذى من القوى الأمنية، والحديث عن تسمية مثيري الشغب بلغة اليقين التي لم يصرّح بها القيّمون على التحرك، كانت تعبيراً عن قرار تنتجه خطة مسبقة عادة أو رهان، فأيّ منهما هي الحالة لدى كلّ من القناتين أم هي واحدة لديهما معاً؟

تنتشر في الوسط الإعلامي وبالشفافية التي يحبّ التحدث بها القيّمون على القناتين روايات عن علاقة دولة خليجية بالحشد وبمنظمات المجتمع المدني المنضوية في ملتقى يحمل اسم عاصمتها ويقوم بتمويل هذه المنظمات وبتمويل هاتين الوسيلتين الإعلاميتين المحترمتين.

إحدى القناتين تحصل على حلّ لمشكلتها العالقة منذ سنوات مع إحدى الدول الخليجية، فانعكس الحلّ تغييراً واضحاً في سياستها العامة وتقاريرها الإخبارية منذ ما يقارب الشهر، كشفت عنه اللهجة الجديدة تجاه تسويقها لمبادرات حلّ سياسي سوري للأزمة بمعزل عن الرئيس بشار الأسد، بعدما كانت قد التزمت الحياد والوسطية في أكثر أوقات الأزمة السورية سخونة في محاولة واضحة حينها لتقديم صورة عن خلافها مع الخليجيين.

صاحب القناة الثانية يجاهر بعلاقته الجيدة جداً بقطر فقد قالها مباشرة على الهواء مؤكداً على سياسة واضحة وعن مصالح له مع القطريين يهمّه ان تبقى في أفضل ما يكون.

في المقابل كانت لقناته أولوية في بث أخبار خاصة وحصرية من الداخل السوري، وللمفارقة من الأراضي التي خرجت من تحت يد الجيش السوري فكانت الجولات في اعزاز وغيرها، وعلت نسبة مشاهدة القناة لتصل نشرة أخبارها التي لا تملك سواها كقيمة للأكثر متابعة عدا عن التخصيص أكثر من غيرها من القنوات بمقابلات حصرية او اتصالات او بث فيديوات عن المخطوفين العسكريين، فكانت الأفضلية واضحة لها من بين القنوات الأخرى ممن تتصل بهم حكومة ومخابرات دولة قطر من إرهابيين ومتطرفين.

القناة نفسها أول من استقبل أحمد الأسير الذي يبدو أنّ تمويله الخليجي مرتبط بذات المصدر ايضاً، وكان استقباله بطلب من تلك الدولة.

القناة نفسها، وهي التي كانت أول الداعمين للمقاومة، حجبت خطاب السيد حسن نصرالله، منذ بدأت الحرب على اليمن لأكثر من خطاب في موقف أشدّ صراحة مما كاد ان يكون واضحاً.

ليس سهلاً تصديق رواية الصدفة لعدم تناسب متابعة قناة «أم تي في» مثلاً، قياساً لما ظهر من اجتماع مبكر لقناتي «أل بي سي» و«الجديد» على فرد قلب.

في النهاية لكلّ قناة حساباتها الخاصة، ويهمّها جداً الاستمرارية وتأمين موارد بقائها موجودة في زحمة القنوات العربية وقلة العائدات من الإعلانات كقطاع تراجع عموماً بعدما أنتجه «الربيع العربي» من فوضى وهجرة رأسماليين وإغلاق مؤسسات إعلانية عدة.

من حق الجمهور الذي يمنح هاتين القناتين ثقته أن يحمّلهما مسؤولية الرصيد الذي وضعه بين أيديها أمانة لنقل الحقيقة وأن يسمع تفسيراً مقنعاً لإعلان حالة حرب في البلد وتهيئة النفوس للحرب قبل وقوعها.

ربما تدرك القناتان أنهما تلعبان لعبة خطيرة جداً على أمل التغيير، وتعتبران ذلك أمراً يستحق، لكن من يقف وراء كلّ من القناتين شخص مخضرم وخبير كفاية ليعرف أنّ العلاقات التي تربطه بالخارج وتلاقي مثل هذه التحركات لا تجعل منها مصدر أمان، ويعرف أنه ليس هناك بلد عربي قادر على اختيار رئيسه بنفسه في هذا الشرق؟ فأيّ عربي مسموح له ان يتعدّى الأحمر؟ طالما أنّ مصر بملايينها غير قادرة على اختيار رئيس حرّ من دون ان ترشحه القوى الغربية، فكيف يمكن لبلد صغير كلبنان ان يختار مرشحه الرئاسي الحرّ بنفسه فيما لو نجح الحراك؟ وهل هي صدفة ان نسمع السفير الأميركي دايفد هلْ يشدّ على أيدي تلامذته فيؤكد على حق التظاهر ويحيّي بطريقة او بأخرى المتظاهرين ويضعها في خانة الشكوك.

نقل حقوق الناس واجب لكن حضور المسؤولية الوطنية أوجب، واذا كانت القناتان تغرّدان في سرب المجهول، فإنّ مموّليهما الجدد اليوم وما يُحكى عن مشروع إعلامي كبير في لبنان على غرار mbc ليس سوى إغراءات لن تتحقق، ووظيفتها فقط توريط القناتين، فالذي كان يبرّر الإنفاق يكاد ينتهي، لأنّ الحرب على آخرها، ويكفي مشهد سفارة بريطانية في طهران…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى