تقرير
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية مقالاً عن العلاقات السعودية ـ الإيرانية، وكيفية مواجهة الرياض الخطر الإيراني المتزايد. وجاء في المقال:
قائد مرموق سابق في الجيش السعودي يتحدث عن التحالف مع «إسرائيل»، والتوجه إلى روسيا في وقت تتراجع الولايات المتحدة.
الرئيس أوباما يعلم كيف يمكنه تهدئة ردّ فعل العرب الناتج عن دبلوماسيته النووية مع إيران، إذ قام أوباما بعقد قمة كامب ديفيد مع قادة مجلس التعاون الخليجي في أيار. كانت المشكلة الوحيدة أنه لم يحضر سوى اثنين فقط من بين ستة رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي، فالملك سلمان ملك السعودية وهو الأكثر تأثيراً لم يكن بين الحاضرين.
كان ذلك تعبيراً عن غضب المملكة من الرئيس أوباما، إذ بدأت أميركا في الابتعاد عن حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط متوجهة للتحالف مع المشروع النووي الإيراني، ما كان سبباً للغضب في العاصمة السعودية. بالنسبة إلى الدول العربية، تراجع واشنطن يعني الحاجة إلى الكثير من الترتيب مع أطراف دولية أخرى لم يفكر بها أحد من قبل خلال السنوات الماضية. ولعل أكثر هذه التطورات إثارة للدهشة، التحالف الناشئ بين المملكة العربية السعودية و«إسرائيل».
ترأّس أنور عشقي ـ لواء متقاعد في القوات المسلحة السعودية ـ التواصل بين الرياض و«تل أبيب». دخل أنور عشقي التاريخ في حزيران حينما ظهر في مؤتمر في العاصمة واشنطن مع دوري غولد المُعيّن حديثاً كمدير عام لوزارة الخارجية «الإسرائيلية». في ذلك المؤتمر، أوضح الجنرال عشقي رؤيتهم لمستقبل الشرق الأوسط والتي تضمنت الحديث عن السلام العربي ـ «الإسرائيلي»، وتغيير النظام في طهران، والديمقراطية في العالم العربي، وإنشاء دولة كردية. وعلى رغم قول الجنرال عشقي أن تواصله مع «الإسرائيليين» مشروع خاص بشكل بحت، لم يلقَ هذا التفسير قبولاً في المنطقة، خصوصاً أن عشقي شخصية قيادية ذات صلة بالجهات الأمنية السعودية.
يقول عشقي في إشارة إلى الاتفاق النووي مع إيران: أعتقد أن هذه صفقة جيدة، ولكن..، ثم انتقلنا إلى نقاش محايد عن الجدل القائم حول اتفاق الولايات المتحدة. هو رجل ذو عقلية عسكرية فذة، فلم ينتقد عشقي محادثات الملف النووي أو البيت الأبيض بشكل صريح، وابتعد أيضاً عن الحديث عن الدعم المشروط للاتفاقية من قِبَل حكومته. ابتعد تماماً عن انتقاد آراء رئيسه السابق الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات الأسبق، حيث خدم الجنرال عشقي كمستشار للأمن القومي حينما كان الأمير بندر في منصب السفير السعودي في الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي.
كان يستخدم كلمة «لكن» كلما أراد أن يترك الحديث عند نقطة ما.
خلال الحديث، تحدث عشقي عن أن وزير الخارجية الأميركية جون كيري ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف اتفقا على أمور عدّة بحسب وصفه. ويقول: لقد فاجأ هذا روسيا، وفاجأ الكثيرين. وأضاف: لقد دعم الإيرانيين، السيد كيري ورئيسه اتجها إلى إيران لأنهما يعتقدان أن شخصية معتدلة مثل السيد ظريف يمكنها أن تتفوق على المتشددين مثل المرشد الأعلى علي خامنئي وحرسه الثَّوري.
يقول عشقي: أعتقد أن إيران لن تغير رأيها طالما أن السلطة تتواجد في طهران، إيران تقوم بعدد من الأمور غير الجيدة، هم يريدون إحياء الإمبراطورية الفارسية، كما يريدون فرض سيطرتهم على منطقة الشرق الأوسط من خلال زعزعة الاستقرار.
كل من السعودية و«إسرائيل» مُعرَّضتان للخطر في وجود مثل هذه الخطط، وهذا هو السبب الذي جمع الجنرال مع السيد غولد في حوار استراتيجيّ استمر لمدة سنة، والذي بلغ ذروته في اجتماع واشنطن.
يقول عشقي: المشروع الرئيسيّ بيني وبين دوري غولد هو تحقيق السلام بين الدول العربية و«إسرائيل». هذه مسألة شخصية، ولكن حكومتي تعلم بأمر المشروع وهم ليسوا ضِدّه لأننا في حاجة إلى السلام، ولهذا السبب قابلت دوري غولد، كل منَّا يحب بلده، وعلى كلٍ منَّا أن يستفيد من الآخر. وأضاف: «تل أبيب والرياض قوتان لا تريدان أيّ مشاكل في المنطقة.
في البداية كان التركيز على القضية الفلسطينية. يقول عشقي: لم نتحدث عن إيران كثيراً في البداية، ولكنّني وجدت أن رأينا متقارب جداً مع رأيهم ضد إيران، فكلانا لا يحب أن تقوم إيران بزعزعة استقرار المنطقة، لا نريد أن تهاجم إيران «إسرائيل» وتدمرها، وأيضاً لا نريد أن تقوم «إسرائيل» بالهجوم على إيران وتدمرها، هذا هو رأيي. لقد كان له رأي آخر، ولكن مصلحتنا واحدة.
بالنسبة إلى «إسرائيل»، شكّل حزب الله إزعاجاً كبيراً سببته إيران، فهم يرون أن حزب الله هو الإرهاب اللبناني الشيعيّ الذي يصوب عشرات الآلاف من الصواريخ على «إسرائيل». يتذكر عشقي عندما سأل غولد قائلاً: إذا قمتم بالهجوم على حزب الله، هل ستتدخل إيران؟. فأجاب: لا. ثم تابع كلامه وسأله: إذا هاجمت إيران، هل سيقدِّم حزب الله الدعم لإيران؟ فأجاب غولد: نعم. استنتاج عشقي أن: «إسرائيل» تفكر في تدمير حزب الله قبل أي شيء، ليتخلصوا من مشكلة حزب الله، وبعدئذٍ يمكنهم الهجوم على إيران.
بالنسبة إلى السعوديين، ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تشكل تهديداً مباشراً. يمثّل اليمن بوابة استراتيجية لأفريقيا وهدفاً دائماً للتدخل الإيراني ولإرهاب «القاعدة»، وذلك بسبب موقع اليمن في الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. عمل عشقي على قضايا اليمن بشكل مباشر خلال السنوات الـ18 التي قضاها كمستشار للأمن القومي لمجلس وزراء المملكة. يقول عشقي: أعرف تماماً الشعب اليمني والقبائل والوضع هناك. اليمن يمثل التحدي الأساسي للمملكة العربية السعودية في المستقبل.
عندما اجتاح الحوثيون اليمن في الربيع، اتخذت الرياض موقفاً، وأطلقت حملة عربية مشتركة. كانت الحملة ـ والتي عُرِفت بعاصفة الحزم ـ على نحو متقطع، وكانت بمثابة عقاب وإنذار لوكلاء إيران الذين شكلوا خطراً على حدود المملكة. يقول عشقي: الآن، أعطت عاصفة الحزم درساً لحزب الله ولكل حلفاء إيران الآخرين أن إيران كنِمر بلا مخالب، لم يتمكنوا من دعم الحوثيين في اليمن، لم يستطيعوا جلب طائرة واحدة لليمن. لهذا السبب، يتحدث الحوثيون الآن عن إيران بشكل سيئ على وسائل الإعلام الاجتماعي.
يعتقد عشقي أن طموحاتهم بإمبراطورية إسلامية في المنطقة ستؤدي إلى نهايتهم، ويقول: أخبرت نائب وزير الخارجية الأمير حسين أن إيران ستدمر نفسها، لو حاولتم إحياء الإمبراطورية ستقوم دول عدّة بطلب الاستقلال مثل الأذريين، والعرب، والتركمان، والبلوش، والأكراد. يمكن التدخل ورفع صوت هذه الأقليات العرقية المطالِبة بالانفصال.
الرياض لا تقتصر على «تل أبيب» فقط لإقامة صداقات جديدة. يرى عشقي أن هناك علاقات بين المملكة وبين فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، لإعادة الاستقرار في سورية والمنطقة.
يقول عشقي: علينا أن نركز لحل المشكلة في سورية، ولكننا لا نريد الأسد أن يبقى، لأن الشعب السوري لا يريد بقاءه. العاهل السعودي الملك عبد الله الذي تُوفّي في كانون الثاني قام بدعوة الأسد ست مرات في بداية «الثورة» ليحلوا المشكلة سريعاً وأخبره: لا تقتل شعبك، لا تتحالف مع إيران، نحن نريد سورية متحدة ومستقلة. وفي النهاية أخبره الرئيس الأسد: الوضع ليس تحت سيطرتي. ما يعني أن إيران لديها تأثير كبير عليه.
يقول عشقي: روسيا بلد عظيم، ولكنهم لا يريدون أن يغيروا وعودهم لحلفائهم، على عكس بعض الدول الأخرى. دعمت روسيا كلاً من إيران والأسد بالسلاح خلال الحرب في سورية. والآن روسيا اقتنعت أنها ليست في الطريق الصحيح. تحتاج السعودية إلى وجود روسيا في الشرق الأوسط كدولة صديقة لا لتقوم بزعزعة الاستقرار.
الحل السياسي يجب أن يحفظ جهاز الدولة السورية مع تغيير السلطة الموجودة على رأس الدولة. يقول عشقي: نحن لا نحب تلك السلطة، هناك فرق بين والنظام والسلطة. عندما جاءت الولايات المتحدة إلى العراق، دمرت النظام، وحدثت مشاكل. علينا أن نحافظ على النظام ونقوم بإزالة السلطة. هو يعتقد أن تحقيق السلام في المنطقة يتطلب إعادة بناء مشروع مثل مشروع «مارشال» في سورية واليمن، وهو يشجع ذلك شخصياً.
مثل هذا المشروع قد يكون الحل الدائم للتطرف الإسلامي لمجموعات مثل «داعش». يقول عشقي أن إرهاب «داعش» لن يكون متواجداً في بلد إذا لم يُزعزَع استقرار هذا البلد، إذا كانت هناك عدالة في هذا البلد. عندما أصبحت سورية غير مستقرة، جاء «داعش» إليها. عندما كان هناك فساد داخل الحكومة العراقية، وعندما قاموا بإخراج السنّة خارج اللعبة، دخل «داعش» إلى العراق بسرعة. لو كان العراق قوياً ومستقراً، لَمَا استطاع «داعش» أن تتواجد في العراق أو في سورية.
يقول عشقي متحدثاً عن الديمقراطية في الشرق الأوسط: لدينا عدد من المشاكل في الخليج. نحن بحاجة إلى المزيد من الإصلاح، نحتاج إلى ديمقراطية أكثر في المنطقة. ويقول: لا يمكننا الانتصار على الإرهابيين فقط بالأسلحة والأعمال الأمنية، ولكن بالعدل داخل البلاد أيضاً. هو يتخيل مستقبلاً اتحاديّاً للدول العربية في منطقة الخليج الفارسي، مستوحى من دستور الولايات المتحدة.
وأضاف: أعتقد أن «داعش» مثل لعبة «باك مان»، تقوم بضم جميع الإرهابيين حتى يصبحوا كإرهابي واحد كبير، ثم نستطيع أن ندمرهم وقتئذٍ.
الولايات المتحدة لا تظهر كثيراً في الخريطة الاستراتيجية والأخلاقية التي يتخيلها عشقي للمنطقة. يقول: نعم، تظل أميركا والسعودية حليفتان بقوة، ولكن الولايات المتحدة تحاول أن تنتقل من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى والمحيط الهادي. لا تريد الولايات المتحدة أن تقحم نفسها في الشرق الأوسط أكثر من ذلك، بل تريد دعم الشرق الأوسط. قد يكون هذا أفضل بكثير لعدد من الناخبين الأميركيين، ولكن أميركا في المقابل لن تكون قادرة على تشكيل الأحداث والنتائج والتأثير فيها.
كيف إذا ستكون ولادة دولة إيرانية ثيوقراطية مسلحة نووية مؤثرة على المسار الاستراتيجي الجديد للمملكة العربية السعودية؟ لا يبدو عشقي قلقاً، ولكن البعض قد يكونون قلقين. يقول عشقي: إذا حاولت إيران صنع قنبلة نووية، فسنقوم بذلك أيضاً.