عن الأزمة السورية ومسبّبيها

سعيد أسدي

في بادئ الأزمة السورية كان البعض متوهماً في تفسير مسبباتها، غير أنّ ما كُشف النقاب عنه تباعاً خلال الأعوام الماضية من عمر الأزمة، لا سيما على صعيد الدعم الخارجي اللامحدود الذي تحظى به هذه الفرق المسلحة المتطرفة، أظهر بشكل لا يقبل الشكّ دور أميركا والكيان الصهيوني وبعض دول المنطقة على مستوى توسّع الأزمة السورية و«تفريخ» التنظيمات الإرهابية في كلّ من سورية والعراق. ومع كلّ يوم جديد تتكشف حلقات جديدة من هذه المؤامرة وتخرج إلى العلن، لتكون ضريبة هذا التعاون المشؤوم مع «إسرائيل»، أرواح واقتصادات الدول التي تصارع هذه الأزمة.

كان من المُخطَّط للأزمة السورية، إن سارت بحسب الخطط المرسومة لها من قبل الولايات المتحدة و«إسرائيل»، أن لا تمتد لأكثر من شهرين، على أن تنتهي بسقوط الرئيس بشار الأسد، وإنهاء منظومة المقاومة التي تسببت بهزيمة الكيان الصهيوني في حربي لبنان وغزة، فضلاً عن زعزعة الاستقرار في دول الجوار والتخطيط لتجزئة العراق.

وفي أوج انتفاضة القوى الإسلامية في المنطقة، عمد النظام الصهيوني المعادي للإسلام، بمساعدة أعوانه، إلى تنمية الخوف من إيران الشيعية لدى الدول السنية في المنطقة، وفي هذا السياق كان دعمه للفرق التكفيرية لإسقاط النظام السوري، باعتباره أحد أهم عناصر محور المقاومة. وكما جاء في مؤتمر «هرتزيليا» عام 2014، إنّ أهداف هذا الدعم للتكفيريين كانت «نقل المعركة إلى أرض العدو» والتخفي وراء النزاعات الداخلية وبثّ التفرقة في صفوف المسلمين ما يعني عملياً مواجهة الإسلام بأرواح وأموال المسلمين.

ومنذ بدء الأزمة، كان دور بعض الدول أمثال السعودية وقطر وتركيا واضحاً في تأمين الدعم المالي واللوجستي والتسليحي لمعارضي النظام السوري، وقد سيق في هذا الإطار الكثير من الدلائل والوثائق لا سيما تلك التي أوردتها قناة «أو.تي.في»، والتي تفضح الدورين الأميركي و«الإسرائيلي» في تكوين تنظيم «داعش» ورعايته.

ففي العام 2013، وعد وزير الخارجية الأميركي جون كيري المسلحين المعارضين للنظام في سورية بمساعدات عسكرية «غير قاتلة»، في حين كانت أخبار أخرى تؤكد أنّ وكالة المخابرات الأميركية «السي آي أي» نقلت أسلحة فتّاكة إلى سورية عن طريق الأردن وتركيا. وفي العام نفسه دخل السيناتور الأميركي جان ماكين، الجمهوري الداعم للمنظمات الإرهابية، الأراضي السورية خلسةً عن طريق تركيا، واجتمع هناك إلى قادة المنظمات المسلحة ونُشرت صور تلك المقابلات في وسائل الإعلام.

وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» في أحد أعدادها الصادرة في شهر أيلول من العام 2013 عن أنّ «السي آي أي» نقلت تجهيزات ثقيلة وآليات عسكرية وأجهزة اتصال متطورة ومساعدات طبية إلى المعارضين السوريين.

شيئاً فشيئاً، بدأ هذا الدعم الخارجي للمسلحين يخرج إلى العلن، ففي شهر شباط من العام 2015 أعلن البنتاغون رسمياً، في بيان صادر عنه، إبرام اتفاق مع تركيا والأردن على تدريب 5000 مقاتل سوري معارض، ورُصد لهذا المشروع مبلغ 500 مليون دولار، علماً أنّ هذا التدريب كان قد بدأ قبل نحو عامين من تاريخه. وتحدثت صحيفة «واشنطن بوست» المعروفة بقربها من مركز القرار الأميركي، في تقرير، عن إنفاق «سي آي أي» مليار دولار لتدريب وتجهيز وإرسال ما يقارب العشرة آلاف مقاتل إلى سورية. ويوضح التقرير أنّ «الأموال التي أُرسلت إلى سورية هي جزء من مليارات، رصدتها السعودية وقطر وتركيا بهدف تقوية تنظيمات تحمي المسلحين المعارضين تحت مسمى «الجبهة الجنوبية» التابعة لـ«الجيش الحر».

كما حفلت تقارير مختلفة نشرتها وسائل إعلام ذات مصداقية في الغرب، من جملتها «نيويورك تايمز» و«نيويوركر» و«غلوبل ريسيرش»، بمعلومات حول أرسال «سي آي أي» مساعدات عسكرية إلى الإرهابيين في سورية عبر الطائرات الأميركية التي كانت تحطُّ في الأردن و تركيا. وأشارت «دايلي تلغراف» البريطانية إلى أنه في غضون أربعة أشهر سيتم نقل 3000 قطعة سلاح من زغرب عاصمة كرواتيا إلى المطارات التركية لتسليمها إلى المسلحين في سورية، وذلك بإدارة أميركية وتمويل سعودي.

وهنا نذكر القنبلة التي أطلقها جو بايدن، مستشار الرئيس الأميركي في خطاب له في جامعة هارفرد عام 2014 والتي أدت في ما بعد إلى صدور اعتذار رسمي عنه، حيث قال «إنّ حلفاءنا في المنطقة يشكلون أكبر مشكلة لنا في سورية، الأتراك والسعوديون والاماراتيون هم حلفاء كبار لنا، وهم مصممون على هزيمة الأسد، ولهذا السبب دفعوا بالأحداث إلى حرب طائفية بالإنابة بين السُنّة والشيعة. لقد دفعوا مئات الملايين من الدولارات وأرسلوا آلاف الأطنان من الأسلحة لكلّ من أراد محاربة الأسد، لكنّ الواقع أنّ من تلقوا هذا الدعم كانوا من الجماعات المتشدّدة أمثال «جبهة النصرة» و«القاعدة» ومنظمات متطرفة أخرى، فاتجهوا من كلّ أنحاء العالم إلى سورية…».

وفي جديد هذه المؤشرات، ما أورده سومان مايلن مساعد رئيس تحرير جريدة «الغارديان»، في مقالته التي نشرها في الشهر الماضي وجاء فيها: «صار واضحاً اليوم أنّ وحش داعش لن يهزم بأي شكل من الأشكال على يد من أطلقوا يده في العراق وسورية، والتدخل العسكري الغربي في الشرق الأوسط لن يجرّ إلا إلى الدمار والتقسيم».

وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، يقوم النظام الصهيوني بشكل علني بتقديم التدريب والمشورة والخدمات الطبية إلى التكفيريين في الجولان، والقنيطرة وعتيبة ومناطق حدودية أخرى من الأراضي السورية المحتلة. ففي العام 2014 عندما عاد رئيس الحكومة الصهيوني بنيامين نتنياهو يرافقه وزير الأمن وقائد الجيش الصهيوني جرحى «الجيش الحر» في مستشفى شمال فلسطين المحتلة، أحصت صحيفة «هآرتس» تقديم مساعدات «طبية» إلى ما يقارب 700 مسلح معارض في مستوصفاتها الطيبة وفي قواعدها العسكرية.

ونشر، إدوارد سنودن الضابط السابق في وحدة الأمن القومي الأميركي، بدوره، مستنداً سرياً يظهر كيف أنّ الاستخبارات الأميركية والبريطانية و«الإسرائيلية» أنشأت «داعش» في سبيل الحفاظ على الكيان «الإسرائيلي»، ضمن مشروع مشترك يحمل اسم «بيت النحلة الأحمر»، وكيف أنّ أبو بكر البغدادي تلقى، على مدار عام كامل، تدريبات مكثفة على يد الموساد الصهيوني في عدة مجالات منها العسكرية والعقائدية والخطابية.

السعودية نفسها ليست بعيدة عن أجواء التنسيق مع الكيان المحتل، إذ أنّ الأمير السعودي الوليد بن طلال شريك روبرت مرداك اليهودي، وأحد الأشخاص الذين لهم دور مهم على صعيد تحسين العلاقات «الإسرائيلية» ـ السعودية، شدّد في مقابلة مع إذاعة «بلومبرغ» على أنّ التهديد بالنسبة للسعوية يأتي من إيران لا من «اسرائيل»، ما دفع بالمذيع إلى تسميته بـ« اليهودي أكثر من نتنياهو».

كما كشفت «بلومبرغ» مؤخراً عن مباحثات سرية بين «إسرائيل» والسعودية، وكتبت أنه من أوائل العام 2014 وخلال 17 شهراً، جرت على الأقلّ خمس لقاءات سرية بين الطرفين في الهند وإيطاليا وجمهورية التشيك لمواجهة إيران. ونقلت عن أحد الجنرالات «الإسرائيليين» المتقاعدين قوله إنّ «الطرفين الإسرائيلي والسعودي تباحثا حول الطرق السياسية والاقتصادية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة».

بدوره، تحدث أنور بن ماجد عشقي، الجنرال السعودي المتقاعد والمستشار السابق لـ«بندر بن سلطان»، في خطابه أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في «دورتها الذهبية»، عن أنّ المقترح السعودي للشرق الأوسط يتضمن سبعة بنود، أهمها «تغيير النظام الإيراني» و«إنشاء دولة للأكراد».

وذكرت القناة الثانية الصهيونية، من جهتها، أنّ السعوديين أبرزوا في مقابلاتهم السرية مع الأوروبيين، تعاطفهم مع الكيان الصهيوني في مواجهة إيران وانفتاحهم على التعاون معه.

وفي المحصِّلة، فإنّ فقدان «داعش» والمجموعات الإرهابية المشاركة في هذا المشروع للهوية الحقوقية الدولية يجعل من محاسبتها في ميدان القتال أفعل منها في المحاكم الدولية، أما الداعمين لهذه المنظمات والراعين لأنشطتها فلا بدّ أن تتمّ محاكمتهم بارتكاب جرائم حرب.

كاتب ومحلل سياسي إيراني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى