بين التصعيدين التركي والسعودي : لبنان إحدى ساحات التفجير
روزانا رمّال
تفتتح المنطقة اليوم أدقّ مراحلها جدية، بعدما تضخمت مشكلاتها وعجت بالأحداث والمتغيرات السريعة حتى فتحت ملفات لم يكن وارداً أن تتقدم واجهة الأحداث على حساب أنّ هناك ما يكفي من الأزمات لتصدرها مساعي الحلول.
هي مرحلة تكاد تغيب فيها دولة لا تغرق في أزمة قديمة أو طارئة، فبعد الأزمة السورية والأزمة العراقية القديمة الجديدة، وسط مشاريع التقسيم المقترحة والمخاوف من تمدّد الإرهاب في ظلّ عدم وضوح سياسة مكافحة موحدة في الأفق وبعد العدوان على اليمن، استقبلت المنطقة ملفين شديدي الأهمية والدقة، شكلا أزمة بالنسبة إلى البعض ومخارج حلول بالنسبة إلى البعض الآخر. وفي الواقع يبدو أنها تصفية حسابات إقليمية ضمن روزنامة حدّد ساعتها أكبر الأحداث وأكثرها وقعاً وهو الاتفاق النووي الإيراني.
هذان الملفان اللذان فتحا باب الأزمة على مصراعيه هما في لبنان وفلسطين ويكفي الإسمان للإيحاء بالمستهدف الأول والأخير والمستفيد ربما من أي تدهور دراماتيكي للأحداث في كليهما.
إنّ سياسة إفقار الشعب التي أتبعتها السلطات اللبنانية المتعاقبة أفرزت غضباً شعبياً عارماً تُرجم نزولاً إلى الشارع من دون قيود وضوابط ومن دون أي محاذير لما قد يترتب عليه هذا الغضب. فالسلطات غير متجاوبة حتى الساعة مع مطالب المحتجين التي علا سقفها ليصل إلى درجة المطالبة باسقاط النظام الطائفي البالي بالنسبة إليهم.
والمقلق بالنسبة إلى المراقبين بعض مؤشرات عدم حيادية التحرك وقد بدا ذلك من خلال دعم السفير الأميركي ديفيد هل للتحرك مسهباً في الحديث عن حرية التعبير كحقّ مثبت في دستور بلاده من جهة والحق في التغيير كضرورة للشباب من جهة أخرى، حتى تعدى حديثه لهجة الدعم ليصل إلى كونه رسالة إلى المتظاهرين مفادها أنّ الولايات المتحدة تساند تحرككم وتتطلع إلى نتائجه. وفي كلّ الأحوال، يخشى المراقبون أن يكون الشباب القيمون على التظاهرة وهم شباب يعملون لصالح مؤسسات مجتمع مدني تعتاش على رواتب السفارة الأميركية شباباً أكثر تسييساً مما يتوقع اللبنانيون وهم أكثرهم انخراطاً في الأجواء وربما يُستخدمون وقوداً لمشروع ما.
إنّ وجود بعض الوجوه الشبابية العاملة لخدمة السفارة الأميركية منذ وقت طويل والتي لها باع في النشاط لمكافحة سلاح حزب الله على صفحات التواصل الاجتماعي والمؤسسات المدنية وبينهم فئة كانت أصلاً مؤيدة لفريق 14 آذار تجتمع وإياهم على الهدف نفسه أو الموقف من حزب الله، ما وضع اللبنانيين في مأزق حقيقي أسهم في تعزيزه التوافق الإعلامي بين بعض القنوات المتخاصمة والتعاون المهني لنقل صورة ما يجري بأسلوب يعلن حال الطوارئ في لبنان قبل أن يبدأ هذا مع إعلان سفارات الدول الخليجية لبنان بلداً غير آمن ويجب عدم السفر إليه مع العلم بأنّ الأحداث تنحصر في مكان محدّد وبقعة جغرافية معروفة بأعداد تحتاج ما يشبه الإعجاز لتصبح مشابهة لواحدة من تظاهرات 8 أو 14 آذار من أجل إدخال لبنان في مرحلة العناية الفائقة فكانت السعودية والكويت والبحرين ليكتمل المشهد.
إعلان طوارئ غير مبرّر حتى الساعة يبشر بنوايا دخول لبنان نفقاً مظلماً كان أحد التوقعات المفترضة كساحة تصعيد سعودية إبان إعلان الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب.
لا يبدو أنّ التسليم بمنطق الخضوع لمنطق انتصار إيران وحلفائها في المنطقة وارد حتى الساعة بالنسبة إلى السعودية التي فتحت ساحة لبنان للردّ والتفجير عبر الضغط السياسي فالتفاوض وضع النقاط ومنع حزب الله من صرف انتصاره السوري داخلياً. وبالنسبة إلى تركيا من جهة التي باشرت فتح أكثر الملفات تعقيداً وجرأة في المنطقة وهو ملف ما يشبه تطبيع العلاقة بين حماس و«إسرائيل» بحيث بدأت الحركة مفاوضات غير مباشرة مع الأخيرة بقيادة طوني بلير منسق اجتياح العراق من دون أن تبدي الحركة تذمراً من إيصال الأمور إلى ما يشبه بيع القضية الفلسطينية برمتها في قطاع غزة لسان حال الفلسطينيين المعترضين على الحركة.
تمسك تركيا بأضخم ملفات المنطقة العربية وهو يكاد يكون أهم الملفات الدولية، بذكاء غير مسبوق، وهي التي تعرف رغبة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بإحداث ثغرة على خط القضية الفلسطينية التي صال وجال جون كيري بين الأراضي المحتلة والكيان «الإسرائيلي» من دون جدوى أو تجاوب من الجهة «الإسرائيلية»، لا بل بتصعيد واضح.
يسعى التركي إلى الفوز بالغنيمة الكبرى التي تعتبر بالتأكيد أكثر النقاط زخماً لحلفائه، وربما لا تقلّ أهمية عن الملف النووي الإيراني بالنسبة إلى الإيرانيين لدقتها لأنّ تطويع حماس وقبولها بهذا يعني تغييراً في المزاج المقاوم في فلسطين وهو ما تحاول إيران عدم القبول بإمكانية حدوثه مع وجود أصوات نضال ومقاومة لا تبايع.
لبنان وقطاع غزة أمل جديد في إحداث انقلاب في المشهد قبل التسويات الغربية الآتية لا محالة مع طهران والأميركي الذي يأمل أن يحصل على مكاسب من خلال الوعود التي يقدمها له حلفاؤه الأتراك والعرب، إذا ما نجحت تحركاتهم في القضيتين، ويبدو أنه لن يلعب دوراً معطلاً على الإطلاق بل دوراً مسهلاً و ميسراً لمجريات الأحداث في الملفين.