الشعر الوطنيّ نجمٌ يسطع في مهرجان الزجل الأوّل في جرمانا

محمد الخضر

وسط حضور جماهيريّ كثيف غطى أرجاء صالة الوقف في مدينة جرمانا، انطلقت فعاليات مهرجان الزجل الأوّل الذي تقيمه مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة السورية، بالتعاون مع مديرية ثقافة ريف دمشق، بمشاركة عددٍ من شعراء الزجل في المحافظة.

وقال معاون وزير الثقافة بسام أبو غنام إن هذا المهرجان يمثل شريحة تقدّم إبداعاً أصيلاً عبر مجموعة من الشعراء الزجّالة، يلقون قصائد محكية بأسلوب فنّي موسيقيّ يحاكي حالات اجتماعية وإنسانية ووطنية، وبالتالي يعكس كثيراً من حياة شعبنا السوري بشكل يرقى إلى مستوى الفنّ والأدب.

وأضاف أبو غنام: قام شعر الزجل بكل أشكاله ولهجاته بدور وطنيّ بارز خلال الحرب على سورية، وتصدّى بالمعاني التي تضمّنها للمؤامرات التي حاولت النيل من شخصية سورية وحضارتها. فكان مقاوماً ثابتاً إلى جانب الصنوف الأدبية الأخرى.

في حين اعتبرت مديرة ثقافة ريف دمشق ليلى الصعب أن الثقافة الشعبية بما فيها الزجل، تدلّ على تراث الشعب السوري وتنوّع حضارته وثقافته. لذلك تعرّضت تلك الثقافة لمحاولات كثيرة بغية الإنقاص من قيمتها وقدرها، لأنها موروث يحمل كثيراً من أركان الأدب الأصيل ومن حالات المجتمع الإنسانية والوطنية.

وأشارت الصعب إلى أن ريف دمشق في مناطق ونواحٍ كثيرة تابعة له، اشتهر بشعر الزجل وتراثه الشعبي. ومن تلك المناطق التي تميّزت بهذا النوع من الأدب جبال القلمون ووادي بردى وغوطة دمشق، لا سيما جرمانا. لافتةً إلى أنّ هذه المحافظة قدّمت الزجل الآرامي، وهو من أقدم أنواع الزجل. فكان يُغنّى كتراتيل دينية، ثم تحول إلى زجل يجسّد الحالات الاجتماعية.

ثم قام كل من أبي غنام والصعب ورفعت عماشة عضو مجلس الشعب، بتقديم شهادتين تكريميتين للشاعرين لطفي عبد الرزاق وإياد حمد، وشهادة تقديرية لرئيس جمعية الزجل الشاعر الراحل فؤاد حيدر، تسلّمها ابنه الملحن خالد حيدر.

وألقى الشاعر المكرّم لطفي عبد الرزاق قصيدة زجلية عبّر فيها عن أهمية الشعر الزجليّ، إضافة إلى وصف العادات والتقاليد الاجتماعية الأصيلة التي يتحلّى بها السوريون فقال:

لشعر كنز كبير بعُرف العرب

ثروة غنية ويا سعد من نالها

وقدّيش غالي بهالدني غرام الذهب

وفيه الخليقة كتير شغلت بالها

أوزن قصيدة بموازين الذهب

وكل نقطة وحرف كيلو قبالها

أما الشاعر المكرّم إياد حمد فجسّد معاناة السوريين عبر الدهر وتعرّضهم لأطماع المستعمرين، نظراً إلى أهمية سورية وشعبها، وأنهم مهما قاسوا وعانوا سيبقى الوطن أهم أولوياتهم. خاتماً وصلته الزجلية برثاء الشاعر الراحل فؤاد حيدر فقال:

نحنا بسورية عم نعاني

وإلا حبّ موطنّا ما عنّا

عجنّا الدهر بصبر وتفاني

وعجز الدهر حاول ما عجنّا

وعاجمعية زجلنا الظرف جاني

خطف منّا سنديانة معنّى

وعلينا واجب نصون الأمانة

وتا يبقى جذرنا بتربة وطنّا

وعلى الربابة، عزف الشاعر يحيى القنطار بأسلوب تراثيّ أصيل، رافقه ببعض أشعاره الزجلية مفتخراً بأمجاد سورية وقوتها وتصديها للمؤامرات.

وألقى الشاعر زياد ميمان قصيدة زجلية بعنوان «يا وطن» رأى فيها أن الذين خانوا سورية وساهموا في المؤامرات التي حاولت النيل منها، عبّروا عن هوانهم وعن كونهم دمية. وأن الشعب السوري يتحدّى كل من يريد العدوان على أرضه فقال:

يا وطن يلي ما يوم سكّرت باب

بوجه قاصد لسورية وأراضيها

يا وطن من اليوم لازم تحسب حساب

ما يدوس ديارك إلا اللي يريد يبنيها

كما قدّم الشاعران بسام ورور وماجد حمدان يرافقهما على العود سلامة التعتوع محاورة اجتماعية بشكل غنائيّ، فيها كوميديا ناقدة استطاعت أن تحرّك مشاعر الحضور، لا سيما أنها عكست بعض أمانيهم وطموحاتهم الوطنية والإنسانية.

وعن رأيه في المهرجان قال الشاعر والناقد رضوان هلال فلاحة إن المهرجان يمثل ديمومة الحراك الإنساني الحضاري السوري ثقافةً وأدباً وفنّاً، تسامى بها الشعب السوري بعراقة الموروث الشعبي وأصالته وتجذّره في الوطن هوية وانتماءً.

وقالت الكاتبة والشاعرة الزجلية نبوغ أسعد إن هذا المهرجان خطوة ناجحة على الساحة الثقافية، شمل عدداً من الشعراء الذين ظهرت في قصائدهم آلام الشعب السوري ونزوعه إلى المروءة والكرم والشجاعة. كما يعبّر المهرجان عن توسيع وزارة الثقافة توجهاتها، داعية إلى استقطاب كلّ شعراء الزجل، لا سيما البارزين منهم على مستوى سورية والعالم العربي، من الذين غاب نجمهم عن المهرجان على رغم كون إطلاقه بحدّ ذاته ظاهرة إيجابية وسابقة رائعة.

ويُعتبَر مهرجان الزجل الأوّل الذي تقام فعالياته في صالة الوقف في جرمانا، محاولة شعبية جادّة للتعبير عن رفض الشعب السوري لأعداء الحضارة وأصحاب الفكر المتطرّف، نظراً إلى المعاني التي يقدّمها، حتى وإن اختلفت المستويات في القصائد التي ألقيت، إذ عبّرت بمعظمها عن نضال الشعب السوري ضدّ كلّ من يحاول النيل من وطنه.

ويتابع مهرجان الزجل نشاطاته بأمسيات لعددٍ من الشعراء، إضافة إلى حلقة تحدّ تقدّمها «جوقة المرايا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى