لبنان بين السعودية وقطر تفكيك الاستقرار والحكومة معاً
ناصر قنديل
– بين السعودية وقطر تقاسم نفوذ في لبنان مصدره التمويل في ذات الدائرة ولذات الأهداف، وعند خدمة مشروع يبدو واحداً، ويبدو فوق ذلك أن زمن التضارب في التوقيت أو الانفراد بالروزنامة قد انتهى، وصار لهما مشروع واحد يعملان له، وتحت رايته، ويبدو لبنان اليوم أهمّ ساحاته. واللافت أنه في وقت قرّرت السعودية والبحرين والكويت منع رعاياها من السفر إلى لبنان لم تلتحق قطر بالركب، ليس لأنها خارج السرب بل لأنّ الدور مختلف.
– الإعلان السعودي عن منع الرعايا من السفر إلى لبنان ليس له ما يبرّره في الوضع الأمني إلا إذا كانت السعودية تفعل ما فعله الأميركيون عشية تدبيرهم لحرب تموز بدعوة رعاياهم لإخلاء لبنان، أو بإلغاء ما كانوا هم والأميركيون قد اتفقوا عليه مع إيران وحلفائها بجعل الاستقرار الأمني في لبنان خطاً أحمر لا يمسّ، وتحميه معادلات الحوار من جهة وتشكيل الحكومة التي أجبروا حلفاءهم على المشاركة بها من جهة مقابلة، وعدم السماح بخطوات متهوّرة في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، أو في إدارة الشأن الحكومي، تستعيد مناخات العام 2008 التي قادها الرئيس فؤاد السنيورة نحو التفجير الذي توّج في الخامس من أيار بقرار نزع شبكة اتصالات المقاومة، وأدّى إلى ما عُرف بأحداث السابع من أيار، التي تلتها محادثات الدوحة التي انتهت بالاتفاق الشهير الذي يحمل اسمها والذي جاء بقائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وهو الاتفاق الذي بدا في ظاهره نصراً سياسياً لحزب الله وحليفه العماد ميشال عون، بتضمّنه قانون انتخابات مستوحى من قانون العام 1960 واعتماد القضاء كوحدة إدارية دائرة انتخابية من جهة، ونيل المقاومة وحلفائها الثلث الضامن في الحكومة من جهة مقابلة.
– الوقائع التي تلت تطبيق اتفاق الدوحة تقول إنّ الرابح من الاتفاق كان الفريق الذي تشكل السعودية وقطر ومن ورائهما أميركا، فلا قانون الانتخابات ولا الثلث الضامن عوّضا الخسارة المترتبة على وصول رئيس للجمهورية يضع أوراقه عند السعودية وقطر عند الضرورة ويناصب المقاومة وحلفاءها العداء، ولا الثلث الضامن ولا قانون الانتخاب وفرا تمثيلاً نيابياً واستطراداً تركيبة حكومية يشكلان ضماناً للمقاومة أو لحلفائها، بينما وفرا ومعهما رئاسة الجمهورية للسعودية وقطر ومن يشتغل معهما لبنانياً الفرصة الدائمة للإمساك بدفة السلطة ومؤسساتها.
– الأزمة التي فجرها الاستحقاق الرئاسي اللبناني جاءت في سياق مأزوم إقليمياً ودولياً، والواضح أنّ آفاق بلوغها الحلّ، لا تزال بعيدة وأنّ ما يعنيه لبنان لفرقاء الحلف الثنائي السعودي والقطري لا يزال ساحة تجميع أوراق بدلاً من أن يكون ساحة حلول وتسويات، فقد سبق أن كشف السعوديون علناً عن نيتهم التصعيد ضدّ حزب الله في البيان الصادر عن مصدر سعودي تعليقاً على اللقاء الذي ضمّ ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع رئيس مجلس الأمن الوطني في سورية اللواء علي المملوك، وما تضمّنه من حملة على حزب الله، واعتباره العدو الرئيسي للسعودية في المنطقة، وتحميله في كلّ المواقف الصادرة عن السعودية لاحقاً مسؤولية الفشل السعودي في سورية والعراق واليمن.
– ما يشهده لبنان في المقابل ضمن دائرة الحركة التي تقودها وتتولى تمويلها قطر على ضفتي التظاهرات المنطلقة تحت شعار منظمات مجتمع مدني تنضوي في قلب منتدى الدوحة للمنظمات الأهلية الذي تترأسه الأميرة موزة بنت المسند، وتنقله الوسائل الإعلامية التي تموّلها قطر بصفته البيان رقم واحد لثورة الشعب اللبناني لبناء الدولة التي يحلم بها اللبنانيون، وتلاقيها محاولات التستر على التحقيقات الجارية في فضيحة تمويل واحتضان وتشغيل الموقوف أحمد الأسير التي تطاول جماعة السعودية وقطر، وتتبعها عمليات التفجير في مخيم عين الحلوة الذي تتولاه الجماعات الفلسطينية المموّلة والمشغّلة من قبل قطر، ليقول كلّ هذا إن قطر تتولى الملف التفجيري أمنياً من وسط بيروت إلى عين الحلوة، والسعودية تتولى التفجير السياسي من فرط الحكومة إلى إدارة التصعيد ضدّ حزب الله وحلفائه.
– لبنان مع ما شهدته الحكومة أمس من تأزم محوره إصرار فريق السعودية على تسيير المراسيم الموقعة خلافاً لمبدأ التوافق في ممارسة الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ، وما يستدعيه من توقيع كلّ الوزراء بدلاً من توقيع رئيس الجمهورية، يعني دفع حزب الله وحلفائه إلى مغادرة الحكومة، وجعل الحكومة واحداً من اثنين، إما حكومة تصريف أعمال أو حكومة غالبية على طريقة حكومة السنيورة، وفي الحالين إدخال لبنان في نفق مظلم يعني بدء النهاية لمرحلة الاستقرار التي عاشها منذ تشكيل الحكومة السلامية.
– هناك في لبنان من يقرع أجراس التصعيد لتكرار مشهد يشبه ما قبل وما بعد اتفاق الدوحة، وعلى حزب الله وحلفائه عدم الوقوع في التجربة وامتلاك مخيّلة تبتكر سيناريوات جديدة لكيفية المواجهة وطبيعة الحلول.