قراءة في الانتخابات السوريّة
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
تعوّدنا أن يكون شهر حزيران شهر النكبات والهزائم، فهل نشهد شهر حزيران الراهن أفول عهد الهزائم وندخل عهد الانتصارات مثلما قال السيد حسن نصر الله. قد يتساءل البعض عن أي انتصارات نتحدث، فهل فوز الأسد في الانتخابات الرئاسية انتصار لسورية وللمشروع القومي؟ وماذا يعني هذا الانتصار على مستوى المنطقة والعالم؟
بعد هذه التساؤلات لا بدّ من القول إن الانتخابات السورية كانت محط أنظار جميع أصدقاء سورية، وأعدائها أيضاً، اعدائها الذين جنّدوا إمكاناتهم وطاقاتهم كلّها سياسياً وعسكرياً ومالياً وإعلامياً لإفشالها وإثبات عدم نزاهتها وشرعيتها، فمن غير المعقول أن يخرج الأسد منتصراً بعد ثلاث سنوات من الحرب عليه، وكان رأسه هو والدائرة المحيطة به مطلوبين، إذ ضخت أموال وأسلحة ورجال ووظفت أقلام ووسائل إعلام وشيوخ ورجال إفتاء، ودفعت مئات الملايين لشراء الذمم والانشقاق عن النظام لتشويه سمعة النظام السوري وتصويره كنظام طاغية ومجرم يقتل شعبه. واستخدمت المنابر العربية والدولية لذلك، وعقدت المؤتمرات جنيف ـ 1 وجنيف ـ2، وكان الهدف الوحيد لتلك الحرب أولاً قبل أي شيء رأس النظام ثم الدولة السورية، إذ كانت سورية مستهدفة كموقع استراتيجي ذات مكانة عربية وإقليمية وتقف عائقاً أمام تحويل سورية الى دولة تدار أميركياً عبر دمية تنصّب في الحكم، ولهذا الغرض استقدمت مختلف أشكال وأنواع العصابات والقتلة والمجرمين واللصوص والجماعات الإرهابية، ومئات الألوف من مختلف دول العالم، ومارسوا جميع أنواع إجرامهم وإرهابهم في حق سورية مستخدمين قتل البشر من تقطيع للرؤوس وبقر للبطون وشق للصدور وجلد للظهور ونهب للمصانع وحرق وتفجير لدور العلم وأماكن العبادة والتفجير بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في المؤسسات العامة والأسواق الشعبية والتجارية، لتأليب الشعب على القيادة، غير أن ذلك كله لم يفلح في إسقاط النظام الذي خاض حربه الدفاعية بمنهجية وخطة دفاعية طويلة المدى، مكنته من أن يحقق الانتصارات المتدرجة سياسياً وعسكرياً، واستطاع أن يعرّي تلك العصابات ومعارضات فنادق الخمس نجوم والدرجات السياحية والدولار متعدد المصدر والهدف.
الغرب الاستعماري ومعه أدواته من جماعة «التتريك» ومشيخات النفط والغاز أرادوا أن يدخلوا سورية في فراغ دستوري، وعمدوا إلى استخدام الوسائل كلها لمنع إجراء تلك الانتخابات بالترهيب والتخويف وبالتفجيرات وإطلاق القذائف على أكثر من مقر انتخابي ومدينة سورية، يبدو أن ذلك لم يمنع الجماهير السورية من الزحف للمشاركة في الانتخابات، ليس لخوفها من الأجهزة الأمنية و»شبيحة» النظام، بل لاقتناعها بأن النظام السوري، رغم كل الملاحظات حوله في قضايا الحريات والديمقراطية و»تغوّل» أجهزة الأمن، أفضل لسورية مليون مرة من تلك العصابات المجرمة والمرتزقة، التي لا تريد الخير لا لسورية ولا لشعبها، وليست لها علاقة لا بحرية ولا ديمقراطية ولا إصلاح، بل مرتزقة ولصوص يتقاتلون على المنافع والامتيازات والثروات، وتجّار دين يريدون تدمير سورية وتفكيكها خدمة لأهداف وأجندات ومشاريع مشبوهة.
الانتخابات السورية شاركت فيها الجماهير السورية بكثافة، حتى أبناء الجاليات السورية في المهجر وفدوا بالطائرات للمشاركة، وكذلك اللاجئون السوريون المهجرون قسراً والمقيمون في دول وقفت ضد النظام السوري شاركوا في تلك الانتخابات، مقتنعين بأنّ الأسد عنوان وحدة سورية، وفي عهده لم يجع السوريين ولم يكونوا مديونين لمؤسسات النهب الدولي صندوق النقد والبنك الدولييان .
المعارضة التي تدّعي «جزيرة» قطر وجوقة الإعلام العربي الدائر في فلكها سيطرتها على 70 في المئة من الأراضي السورية، لم تستطع تسيير تظاهرة من بضع عشرات ضد المشاركة في الانتخابات، وانحصر جهدها السياسي والعسكري في منعها والتحريض عليها، في تصريح صحافي لما يسمى برئيس الائتلاف «الوطني» السوري من مكان إقامته في أحد فنادق خمس نجوم التركية، بدعوة السوريين إلى إلتزام بيوتهم، وعسكرياً إطلاق عشرات قذائف الهاون على عدد من مدن السورية.
السوريّون في غالبيتهم، توّاقون إلى استعادة الأمن والاستقرار في بلادهم، انتخبوا الأسد لكونه يعبّرعن أمانيهم وطموحاتهم، يعبّر عن تعدديتهم المذهبية والطائفية، يحفظ لهم وحدة نسيجهم المجتمعي والوطني. هؤلاء ينتخبون سورية، حتى وهم يدلون بأصواتهم للأسد أو يمتنعون عن التصويت… هؤلاء لم تقنعهم المعارضة «السائحة» بين الفنادق ومقاعد الدرجة الأولى ومختلف صنوف العملات الصعبة والسهلة في الآن نفسه.
التوقعات كلها قبل الانتخابات كانت تشير الى أن الرئيس السوري بشار الأسد في انتخابات رئاسية وبإشراف دولي، سيحوز نسبة لا تقل عن 70 في المئة وبعد انكشاف حقيقة معارضة الفنادق وجز الرؤوس وبقر البطون وشق الصدور وأكل الأكباد، رشحت النسبة للارتفاع.
نجحت سورية في إجراء الانتخابات الرئاسية، ونجح الشعب السوري في تأكيد إرادته بتكريس الرئيس بشار الأسد رئيساً لسورية للسنوات السبع المقبلة، ونرى أن الشعب تصدّى بعد القوات المسلحة للعدوان وأسقط أهدافه، فالرئيس الأسد المستمر في القبض على أزمة الحكم، وهو الرئيس المستمر في تثبيت سورية في موقعها الاستراتيجي والرئيس المستمر في المحافظة على سيادة الدولة وقرارها المستقل، والرئيس المستمر بوصفه القائد العام للجيش والقوات المسلحة في حربه على الإرهاب، وهو الرئيس الذي سيقود سورية في المرحلة المقبلة.