باسل رجوب… موهبة تشق طريقها إلى العالمية
سلوى صالح
تمكّن عازف الساكسوفون السوري المقيم في سويسرا باسل رجوب، من الوصول إلى العالمية بعدما اختير للعزف في الافتتاح الرسمي لمهرجان «ميلا» الموسيقي الدولي الذي أقيم مؤخراً في أوسلو ـ النرويج ليضاف هذا الاختيار إلى مسيرته الحافلة بالابداعات والنشاطات الموسيقية منذ تخرّجه من المعهد العالي للموسيقى في دمشق عام 2005 حتى الآن.
يعتبر رجوب نفسه محظوظاً لكونه يتلقى في كلّ حفل دعوات لإقامة حفلات أخرى. مشيراً إلى أنه بعد حفلٍ كان يحييه في مهرجان الجاز في مدينة كولي السويسرية السنة الماضية، تقدّم منه مدير مهرجان «ميلا» الدولي ودعاه للمشاركة في المهرجان لعام 2015، ما جعله يشعر بالفخر، خصوصاً بعد اختياره للعزف في الافتتاح الرسمي الذي أطلقته رئيسة الوزراء النرويجية منتصف آب الحالي في قاعة المدينة ـ مبنى البرلمان، حيث قدّم مقطوعات من ألبومه الأخير «آسيا»، بمشاركة موسيقيين من سورية وإيطاليا والنرويج.
وفي المهرجان نفسه، قدّم الفنان الشاب حفلاً ثانياً على مسرح كبير بُني خصيصاً لفعاليات المهرجان في قلب مدينة ميلا النرويجية المطلّة على الكورنيش البحري. وشعر بالدهشة عندما رأى المكان في اليوم الأول، وعرف حينئذ أنها قد تكون من كبريات الحفلات في مسيرته الفنية كما قال.
وفي سنته الأولى في سويسرا التي استقر فيها عام 2009، عزف رجوب في المهرجانات السويسرية الثلاثة الكبرى، كان أولها ضمن مهرجان «مونترو» للجاز الذي يعتبر من أشهر المهرجانات في العالم، ما جعله يشعر بالفخر وهو يعزف في مهرجان كهذا، ما أضاف الكثير إلى تجربته من خلال الاطلاع على تجارب كبار الموسيقيين الذين قدّموا عروضهم فيه. وقدم حفله الثاني في مهرجان كولي. ثمّ حفله الثالث في مهرجان للجاز في مدينة جنيف التي يقيم فيها. حتى أنّ الصحف السويسرية كتبت عدداً من المقالات عن أعماله وعن مشروعه الموسيقي، لافتاً إلى الدعم الذي تقدّمه المؤسسات الثقافية هناك للفنانين الموهوبين.
وعن ألبوم «آسيا» الذي أصدره قبل سنتين يقول رجوب إنه الألبوم الأقرب إلى قلبه ويعتز به لكونه يضمّ نتاج ما تعلمه منذ بداية دراسته الموسيقى. ما جعله أنضج أعماله كعازف ساكسوفون ومؤلف موسيقي. ويُعتبر مزيجاً من أعمال موسيقية عدّة مفعمة بالروح الشرقية. ولهذا الألبوم فضل عليه كما يقول من ناحيتين: الأولى موسيقية إذ إن الأعمال التي يضمّها الألبوم هي بداية مرحلة مغايرة في مسيرته الفنية. والثانية أن الألبوم فتح له طريقاً كان بانتظاره وهو تقدير الموسيقى من منحى أكاديميّ، عندما أعطت مجلة «سكوتمان» البريطانية تقدير خمس نجوم للألبوم.
وشارك عازف الساكسوفون السوري المولود في حلب عام 1981 في ورش عمل عدّة، وألقى محاضرات عن مشروعه الفني وأعماله في عدد من الجامعات العالمية منها هارفرد، براندايس، نيويورك يونيفرسيتي، نيوهامشر. وقال إنه راض عن تجربته الفنية ولكنه ما زال يتعلم ولديه الشغف للتعلم.
ووجّه رجوب التقدير والاحترام للأصدقاء وزملاء الدراسة في سورية قائلاً: من الرائع رؤيتهم يعزفون في دار الأوبرا السورية وسط الظروف الصعبة التي تحيط بهم. وأجد أنني محظوظ جداً بأنني ترعرعت في سورية لأن المزيج الموسيقي الخاص في سورية هو بالنسبة إلي كالهِبة. وهذا الخليط أعطاني فرصاً عظيمة لنجاحي في أوروبا ما جعلني ممتناً لهذه الهبة.
وبالعودة إلى البدايات، يقول رجوب إنه بعد تخرّجه من المعهد العالي في دمشق باختصاص آلة الترومبيت، تعرّض لوضع صحي منعه من الاستمرار في العزف على هذه الآلة، وكان من الأفضل أن يختار آلة أخرى، فاختار الساكسوفون لأنه يحب هذه الآلة النفخية ويستمتع بالعزف عليها لساعات طويلة. وأصدر ألبومه الأول عام 2009 بعنوان «خمير» الذي ظهرت بصمته الخاصة واضحة فيه لتصبح في ما بعد مشروعاً موسيقياً تتجلى خصوصيته من خلال التوليف بين الموسيقى الشرقية والجاز، مستفيداً من كون الهوية الموسيقية السورية متعددة الاتجاهات.
وعزف رجوب مع الفنان الكبير زياد الرحباني في بيروت كما عزف مع تشارلز ديفيس أحد أشهر عازفي الساكسوفون في العالم، وهو يعتبر مشاركته في أمسيات موسيقية مع العازف الشهير عليم كاسيموف في سورية ومصر خطوة مهمة في حياته الفنية. ثم حققت أعماله مع الفنانة لينا شماميان شهرة واسعة في ألبومَي «هالأسمر اللون» و«شامات» بعد حصولهما على جائزة «مونت كارلو» في الغناء والتوزيع عام 2006، والتي فتحت لهما آفاقاً واسعة على صعيد العمل والانتشار. خصوصا أغنيات: «شآم»، «يمالالا»، «يا مسافرة»، «حوّل يا غنّام»، «بالي معاك»، بعدما نفض رجوب الغبار عن هذه الأغنيات والألحان الفولكلورية الشعبية وأعاد توزيعها في قالب جازي كلاسيكي مع بعض الارتجال، من دون أن يغفل أو يسيء إلى روحها التراثية.
وعلى رغم أنه يركّز أكثر على مشروعه كعازف ساكسوفون وتأليف الموسيقى الآلية، إلا أنه يرى من الجميل التلحين والتوزيع الموسيقي للغناء. وتجربته الأخيرة في هذا المجال كانت مع المغنية اللبنانية أميمة الخليل في ألبوم «مطر… ظلالنا»، وفي حفلة «وجد» التي أقيمت في بيروت مؤخراً، إضافة إلى مشروع أغنيات قيد التسجيل.
ويرى رجوب أن دمشق عاشت مرحلة نهضة في الموسيقى خلال العقود الأخيرة بسبب تخرّج دفعات من الموسيقيين من المعهد العالي للموسيقى. مشيراً إلى أن كل موسيقيّ كان جزءاً من تلك المرحلة بمن فيهم هو. معبّراً عن أسفه لأنّ عدداً من الموسيقيين السوريين أصبحوا موزّعين في دول العالم اليوم، ولكلّ منهم تجربته المنفردة. وتمنّى أن يعود النشاط الفني إلى دمشق كما كان قبل الأزمة.
وإلى جانب التمرين على الساكسوفون، يعتبر رجوب أن الحفلات والسفر من أجمل الأوقات لديه، كما أنه يدرّس الموسيقى لعدة أيام في الأسبوع. وعمّا إذا كان ينصح ابنه باحتراف الموسيقى عندما يكبر، أشار إلى أنه ينصح ابنه بأن يعمل بجدّ ليبني عالمه الأفضل، وسيكون داعماً اختيارَه إن كان في الموسيقى أو في أيّ مجال آخر في الحياة، وكل ما عليه أن يعمل بجدّ لينجح في اختياره.