«إسرائيل» لن تكسب شيئاً إذا ما ساعدت في فتح الباب لسيطرة منظمات سنّية متطرّفة على سورية
كتب يعقوب عميدرور في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:
في الاسبوع الماضي، ضجّت مدافع الجيش «الإسرائيلي» في هضبة الجولان ردّاً على نار الصواريخ نحو «إسرائيل». وبعد ذلك صُفّيت ـ بحسب بيان الجيش «الإسرائيلي» ـ الخلية التي نفّذت العملية قبل بضعة أيام من ذلك. في البلاد خلاف حول الردّ «الإسرائيلي» المناسب. ثمة من يدّعي أنّ «إسرائيل» ملزمة بأن تردّ بشكل قاطع وألا تكتفي بنار جانبية في منطقة الحدث أو بعملية موضعية فقط ضدّ المنفذين. فضلاً عن ذلك، في نظرة أوسع، ثمة من يدّعي أنّ «إسرائيل» منشغلة جداً في التهديد الإيراني، حتى وإن كان خطيراً بحدّ ذاته، لدرجة أنها تتجاهل القوة الجهادية السنّية الصاعدة في أرجاء سورية في شكل حركات ثوّار متطرّفة، مثل «داعش» أو كتلك القريبة من «القاعدة». وعليه، كما يدّعون، فإنه عندما يتحقق هذا التهديد، لن تكون «إسرائيل» جاهزة كما ينبغي لمواجهته.
يجدر قبل كل شيء أن نوضح عما يدور الحديث. تعمل في هضبة الجولان اليوم قوات للثوار، من المتطرفين إلى هذا الحدّ أو ذاك، في القسم الجنوبي فقط. وفي هذه اللحظة لا ثوار يعملون ضدّ «إسرائيل»، إنما يركزون على إسقاط الأسد ونظامه. أيّ منهم لا يعتبر عاطفاً كبيراً على «إسرائيل»، إنما العكس هو الصحيح، إنّ لهم هدفاً وطالما لم يتحقق هذا، فإنهم لن يتوجهوا إلى أعداء آخرين. وفي المقابل، في وسط الهضبة وفي شمالها، تعمل قوات تؤيد الحكم العلوي وتخدمه. وهي على اتصال مباشر مع إيران أو مع حزب الله، الذي هو مثابة الذراع الطويلة للحكم الإيراني في المنطقة. السلاح، المال، التوجيه، لا بل أحياناً القيادة في الميدان هي للإيرانيين، أحياناً بالتعاون مع حزب الله وأحياناً من دونه. ومع أن هناك أميركيين يدّعون أنهم تلقوا وعوداً بأنه في أعقاب الاتفاق النووي سيتوقف قسم من أعمال الإرهاب والعداء من الإيرانيين، ولكن الإيرانيين الكبار في لبنان وفي سورية لم يسمعوا بعد عن ذلك، لا بل أنهم يوسّعون أعمالهم. «الجهاد الاسلامي»، الفصيل الذي ذكر اسمه في الحدث، هو تنظيم أقيم ومُوّل ويعمل بتوجيه إيراني مباشر. وبقدر ما، فإنه يتبع النزوات الإيرانية حتى اكثر من حزب الله الذي يحافظ على مظهر خارجي بالاستقلال اللبناني.
أمام «إسرائيل» مسألتان مختلفتان. الاولى تتعلق بعموم السياسة «الإسرائيلية» بالنسبة إلى الحرب في سورية: حرب العلويين والشيعة ضد السوريين، حرب المنظمات الجهادية مثل «جبهة النصرة» و«داعش» ضد الحكم السوري، المسنود بإيران وبروسيا ويعمل إلى جانب حزب الله وميليشيات شيعية أجنبية. هل ينبغي على «إسرائيل» أن تتخذ موقفاً وتعمل ضد أحد الطرفين او لمصلحة أي منهما؟ هل من الافضل النظام المعروف على كل مشاكله، أم أنّ الافضل هي المنظمات المتطرفة جداً، التي امتنعت حتى الان عن العمل ضدّ «إسرائيل»، ولكن الواضح أن يوم دولة اليهود سيأتي إلى قلب جدول اعمالها؟
المسألة الثانية مختلفة جوهرياً، ولكن يمكنها أن تؤثر ايضاً على الجواب الاول: كيف ينبغي على «إسرائيل» أن ترد عندما تنفذ عملية ضدها في هضبة الجولان؟ هي تكتفي فقط بالحد الادنى اللازم وبتركيز ردها على القاطع الذي وقع فيه الحدث؟ أم عليها أن توسع ردها كي تردع من يقف خلف العملية؟
مبدئياً، يبدو أنه على «إسرائيل» أن تحذر جداً من أن تصبح جزءاً من النزاع الذي لا ينتهي في سورية، فمن ناحيتها لا طرف أفضل من خصمه. أمام التطرف الذي لا يمكن فهمه والوحشية غير الانسانية لدى «داعش»، تقف قدرة حزب الله على تفعيل مئة ألف صاروخ تحت عصا القيادة الإيرانية، في وقت تكون هذه هي مصلحتها. وكلما ضعف الأسد، وإن كان يصبح اكثر تعلقاً بإيران وحزب الله، ولكن تقل ايضاً قدرته على مساعدتهم، وربما اهم من ذلك يجتذب حزب الله إلى العمل في سورية، على حساب قدرات المنظمة في الجبهة امام «إسرائيل». فلماذا ينبغي على «إسرائيل» أن تتدخل في مصلحة أي من الطرفين؟ أوليس من الافضل ان يستنزف الطرفان دم الاخر؟ لماذا ينبغي على «إسرائيل» أن تعرض للخطر أي من جنودها في مصلحة من سيكون عدوها غداً أو بعد غد؟ هذا المنطق ليس مفهوماً لي. كقاعدة، يبدو أنه سيكون اصعب على «إسرائيل» التصدي لعدو تقف خلفه دولة تساعده في التعاظم من أن يتصدى لمنظمة قد تكون أكثر وحشية، ولكن لا دولة ملتزمة بمساعدتها في بناء قدراتها. وبأخذ هذه القاعدة بالحسبان، لا مصلحة لـ«إسرائيل» للتسهيل على حزب الله وعلى الأسد، على رغم ان البديل هو تنظيم رهيب مثل «داعش». ولكن في الوقت نفسه يبدو أن «إسرائيل» لن تكسب شيئاً إذا ما سرعت سقوط الأسد وساعدت في فتح الباب لسيطرة منظمات سنية متطرفة على ما يتبقى من سورية. وعليه يبدو أن عدم تدخل «إسرائيل» هو السياسة العاقلة.
بالمقابل، هناك نوعان من الاحداث يكون فيهما على «إسرائيل» أن تعمل من دون مراعاة مسألة مَن مِن الطرفين في سورية يخدم عملها. الحالة الاولى عندما تنقل إيران أو سورية لحزب الله سلاحاً محطماً التوازن، سلاح يعطيه قدرة من شأنها ان تعرقل «إسرائيل» في كل مواجهة مستقبلية. في مثل هذه الحالة على «إسرائيل» أن تمنع نقل السلاح بالقوة، في عملية دقيقة قدر الامكان، ولكن من دون مراعاة عمق العملية وقربها من ذخائر أولئك الذين يساعدون الحكم سواء كان هؤلاء رجال الاسد، الإيرانيون وحتى الروس.
الحدث الثاني عندما تنفذ عملية مباشرة ضد «إسرائيل» من هضبة الجولان او من مجال آخر. بعد حدث كهذا، على «إسرائيل» ان تجتهد كي تعثر على منفذي العمليات، وإذ كان ممكناً مرسليهم المباشرين والمس بهم. وعندما لا تكون امكانية كهذه وهذا هو الوضع بشكل عام ، ينبغي ضرب اهداف توضح لمرسلي الارهاب أنهم غير محصنين. والتلميحات التي يبثها الرد يجب أن تكون شديدة الوضوح بما يكفي من اجل إيضاح موقف «إسرائيل»، ولكن من دون إلزام الطرف الاخر بالردّ بشدة. في الوضع الحالي لا مصلحة لـ«إسرائيل» في ان تبدأ عملية «ذهب كرسي جاءت طاولة»، والتي يعرف المرء كي تبدأ ولكن لا يعرف المرء أن تنتهي. ان ايجاد التوازن الحساس في الرد الحاد بما يكفي من أجل تأكيد الجدية، ولكن ليس رداً يدهور الوضع، هو التحدي الصعب في اوضاع من هذا القبيل.
بالنسبة إلى المستقبل، لا تظهر بعد علائم على الارض، ولكن لا ينبغي أن أفاجَأ إذا تمخض الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران عن تأثيرات سلبية في سورية. فمن جهة، هناك تخوف من أن سير الولايات المتحدة مع إيران يمكنه أن يحقق وقوف سُنّة اكثر إلى جانب تنظيم «داعش» المتطرف. ومن جهة أخرى، معقول ان يشعر الإيرانيون وربما ليسوا هم وحدهم بأنهم اقوى في اعقاب الاتفاق، فيكون التعبير عن ذلك تدخلاً أعمق في سورية في مصلحة الاسد، جهود اكبر لتعزيز حزب الله بسلاح حديث والعمل على عمليات في هضبة الجولان. يجب ان نكون مستعدين لمواجهة التأثيرات السلبية للاتفاق في مكان غير متوقع في سورية.