من أين لك هذا؟ مطلب يلخص المطالب وشعار يختصر الشعارات
معن بشّور
ما من مطلب يطلّ على معظم مطالب انتفاضة 22 آب المباركة، ويلخص جوهر المعركة ضدّ الفساد، أكثر من مطلب تطبيق قانون من أين لك هذا؟
لقد صدر هذا القانون في مطلع خمسينات القرن الفائت بعد أن قام في البلاد عهد رئاسي جديد ليخلف عهداً رئاسياً أسقطته في 22 أيلول 1952 ثورة بيضاء قامت ضدّ الفساد الذي تورّط به بعض المقرّبين من رئيس البلاد آنذاك، فساد أين هو، كماً ونوعاً، من موجات الفساد المستشري اليوم في دهاليز النظام وصفقات أركانه…
ومع ذلك لم ير ذلك القانون النور على رغم أنه كان دائماً أحد بنود الحركة الشعبية المناهضة للفساد، لا بل كان يجري الالتفاف عليه بين الفينة والأخرى عبر تطهير موظفين كبار أو سجن وزير أو محافظ أو مدير عام لكن السرقات لم تتوقف، والصفقات أخذت بالتعاظم والتراكم، والمحاسبة اتخذت بنظر الناس طابع الكيدية والانتقام ففقدت طبيعتها الإصلاحية، وثار الناس ضدها إلى درجة أن بعض من نالهم التطهير في أواسط الستينات من القرن الفائت أصبحوا نواباً ووزراء، وبعض من دخلوا السجن مع نهاية القرن الماضي باتوا أبطالاً.
لم يكن العيب في محاسبة المسيئين، ولا طبعاً في القانون الإصلاحي من أين لك هذا؟ بل كان في الانتقائية التي تطبع تلك المحاسبة فتقع في الكيدية والانتقام السياسي أو الشخصي فيرفضها الرأي العام ويسارع أهل الفساد إلى الاحتماء بالعصبيات الطائفية فيتحول المتهم بالفساد إلى رمز عند أهل طائفته أو مذهبه.
واليوم، يأخذ بعض الناس على هذه الانتفاضة عدم الوضوح في تحديد أهدافها، لا بل طرحها لأهداف يصعب تحقيقها، فيما يطالبها البعض الآخر برفع سقف مطالبها إلى درجة تبدو غير واقعية، فيضعون الناس أمام أمل كاذب ليصلوا إلى يأس غير مبرّر.
من هنا تبرز أهمية التركيز على تطبيق «قانون من أين لك هذا؟» وهو قانون موجود لا يحتاج إلى تشريع، وهو قابل للتنفيذ ولا يحتاج إلى قرار من السلطة التنفيذية، كل ما يحتاجه أن يتحرك القضاء، بنياباته كلها، للتحقيق في أي أخبار قد يصل ويجد فيه القضاء حداً أدنى من المصداقية، بل للتحقيق في تقارير ديوان المحاسبة نفسه، الذي هو جهاز قضائي بمعنى من المعاني، فيستخرج من هذه التقارير كل المعلومات عن ارتكابات مخالفة للقانون وعن صفقات تمت على حساب المال العام، ومن مناحي الهدر التي تخفي خلفها صفقات…
في إبراز هذا المطلب لا يستطيع أحد أن «يزايد» على الانتفاضة أو «يناقص»، ولا أن يتهمها بأنها أداة بيد هذا الفريق أو ذاك، فالمطلب واضح وبسيط «طبقوا القانون»… والمرتكبون ظاهرون لكلّ عين… فقصورهم تفضحهم، وطريقة عيشهم تكشف تورّطهم، سياراتهم الفخمة المتعددة تدل عليهم، وأرصدتهم المكدسة في مصارف الداخل والخارج توثق إدانتهم… والانتقال المفاجئ في أوضاعهم المادية من حال إلى حال خير مستمسك على لا شرعية ممتلكاتهم.
مع تطبيق هذا القانون يسقط تلقائياً الكثير من أركان النظام الذي يطالب بعض المنتفضين بإسقاطه ويطالب كلهم بإصلاحه، بل معه يسقط الكثير من أعمدة الفساد في الدولة…
تطبيق هذا القانون لا يحتاج إلى أكثر من قضاة شجعان، كما رأينا في البلاد المتحضّرة، وإلى صحافة حرة، وإلى حركة شعبية تحمي القرارات العادلة.
المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية