إرهاصات حلف عسكريّ دوليّ جديد
نسيب أبو ضرغم
أظهرت المواجهة التي حصلت بين روسيا الاتحادية والحلف الصهيو ـ أميركي بسبب أوكرانيا، أن روسيا تواجه جهةً مرتكزة على حلف دولي، فيما هي تعتمد على إمكاناتها فحسب، ولا شك أن في ذلك خللاً لمصلحة الحلف الصهيو ـ أميركي.
وليس مستغرباً تقدم حلف الناتو حتى العتبات الروسية، بعد انهيار حلف وارسو، كما أنه ليس مستغرباً أن يتقدم زحف الناتو في اتجاه روسيا مسبوقاً بدرع صاروخية من جهة، وبدرع سياسية قائمة على خلق أنظمة موالية لحلف الناتو من جهة أخرى، تشكل قواعد انقضاض على العملاق الروسي في اللحظة المناسبة.
الفارق النوعي القائم بين القطبين الأميركي والروسي، هو أن القطب الأميركي يقود منظومة عسكرية تتمدّد من غرب الأطلسي حتى جنوب روسيا، مع ما يعني ذلك من مكاسب جيوسياسية وجيو استراتيجية تصب في مصلحة هذه المنظومة، بحيث ترفع وتيرة الضغط على روسيا من ناحية، والتشجيع على الانخراط في الاستراتيجية الأطلسية المعادية لها من ناحية ثانية.
المراقب لحركة الولايات المتحدة في مواجهة القطب الآخر، بل الأقطاب الأخرى، سواء الروسي منها أو الصيني أو سواه، يدرك بالملموس أن الولايات المتحدة تخوض ضد هذه الأقطاب حرباً واحدة، بهدف واحد هو خلق الشروط المضادة لقيام تكتل دولي قادر على إعادة التوازن في العالم، وبالتالي تأسيس نظام دولي جديد يكون الحضن لكل حركة استقلالية، والحامي للسياسات الوطنية الهادفة إلى ترسيخ السيادة.
ما جرى حتى الآن على مستوى دول البريكس هو توحيد الموقف في مواجهة القطب الأميركي في مستوى المواجهة الدبلوماسية، في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. هذا التنسيق يحمل في طياته رؤية موحدة حول ضرورة مواجهة التحالف الصهيو ـ أميركي، وبالتالي إيجاد شبك استراتيجي مع دول عديدة في العالم يمكّن من تكوين تكتل دولي ليس على مستوى قارة أو قارتين بل على مستوى العالم برمته.
إن توحيد الرؤية السياسية للدول الناهضة، وفي طليعتها الاتحاد الروسي والصين الشعبية، التي تكرست في مواجهة المؤامرة الجارية ضد سورية، يشكل معطًى سياسياً استراتيجياً يؤسس لقيام حلف عسكري بين مجموعة الدول التي تمثل دول البريكس نواتها الصلبة.
إن الوضعية القائمة اليوم والمتمثلة في قطب أميركي وحَّد تحت قيادته مجموعة هائلة من الدول اندرجت في منظومة حلف الناتو، تمثل عنصراً إيجابياً للولايات المتحدة، ذلك أن الحلف المذكور يهب واشنطن قدرةً على مشاغلة بقية الدول المناهضة لها بالتقسيط، من دون أن تستطيع تلك الدول ترجمة رؤيتها الموحدة إلى قوة موحدة في وجهها.
اليوم، بعدما كشفت الولايات المتحدة عن شراسة هجومها، بات أمراً لمواجهة بالتنظيم العسكري الموحد أمراً أكثر من مطلوب. لنأخذ مثلاً الدرع الصاروخية، فقد نصبت الولايات المتحدة درعها الصاروخية في جنوب تركيا، ومن يدري ألاّ تنصب مثلها غداً في أوكرانيا! السؤال: هل أن الدرع الصاروخية خطراً على روسيا فحسب، أم أنه يشكل خطراً على الصين وسواها؟
مواجهة الدرع الصاروخية، التي هي تعبير وتجسيد لسياسة أطلسية شاملة، كانت مواجهة روسية، وهنا مكمن الخلل.
إن المساحة القائمة بين وحدة الرؤية السياسية لدول البريكس، وغياب الوحدة العسكرية، هي المساحة التي تلعب فيها الولايات المتحدة بأوراقها كافة.
إذا كانت الهيمنة والنزعة إلى نهب ثروات الأمم ومساندة الباطل أوجدتا حلفاً عسكرياً دولياً، فلماذا لا تبادر الدول التي تناضل لأجل حريتها وسيادتها ورفع نهب أميركا وأتباعها عنها، مستندة إلى هدف أخلاقي كبير، إلى خلق القوة العسكرية الموازية؟!
إذا كان لا بد من وقوع الحرب الباردة، وهي واقعة فعلاً، فليس منطقياً أن تقع بين جهة وحدت رؤيتها للعالم بقوتها الموازية، فيما تقوم قوة الجهة الأخرى بالمواجهة عبر رؤيتها الموحدة وقواها المتفرقة. نميل إلى الاعتقاد بأن شرط قيام النظام الدولي المتعدد الطرف هو قيام حلف عسكري عائد للقوى الناهضة يوازي أهدافها السياسية ومصالحها الاقتصادية.