عذراً سورية… من مواطن عربيّ إلى وطنٍ أَحبَّهُ

عبد الفتّاح نعوم

أكتب إليك سيدتي سورية وأنا أتصور ما حدث لك لو حدث في بلادي، أنا معارض سياسة نظام الحكم في بلادي كنت لأقول ما أقوله عنك نفسه. كان جميع لصوص الوطن وأغبيائه ليصبحوا بقدرة قادر ثواراً. جميع الذين يؤمنون بتكفيرية «الثورة» كانوا ليصبحوا ثواراً أيضاً، وكان السماسرة ليبيعوا النظام الحاكم ومعه الدولة والوطن والشعب هدية مجانية. شاهدت بأبسط المتاح لي من أدوات كمواطن عربي مغلوب على أمره ما يحدث لك سيدتي سورية، وأيقنت بعدما استمعت إلى تقديرات الجميع، وفي مقدّمهم السيد الرئيس، انك عصية على السقوط، وانك مقبرة الغزاة فعلاً.

مضت ثلاثة أعوم وأوشكت الأزمة على الانقضاء، وها أنت سيدتي سورية مازلت كما عهدناك دولة قادرة محصنة منيعة، لم تبال بما يقوله المتقولون عن انتخابات هي حكما وحتما الأفضل من انتخابات تشرف عليها دول فاشلة لا تملك جيشاً مثل جيشك ولا إدارة مثل إدارتك، يقبلون نتائج الانتخابات في العراق وأفغانستان ويرفضونها فيك، فقط لأنك سيدتي لم تلقي بالاً لآرائهم ولم تستمعي إلى هلوساتهم، منعوا أبناءك من التصويت في انتخابات قالوا إنها مهزلة لا تمثل السوريين، فلماذا لم يتركونا كمواطنين عرب نكتشف المهزلة بأنفسنا فنشهد المكاتب فارغة في السفارات.

عذراً سيدتي، سورية الغالية، أنا المواطن العربي المقهور، لم أتمكن من فهم ما حصل في حينه، فثقل الايديولوجيا وضجيج الإعلام يمنعانني من اكتناه بواطن الأمور. عذراً غاليتي، لأني عندما فهمت لم أتمكن من منع إخوتي المغرّر بهم من أن تختلط دماؤهم بدماء أبنائك في معركة الباطل. عذراً إذ لا حيلة لي في منع حكام في بلادي من تسعير الحرب عليك، فهم كذلك لا حيلة لهم، ولم يواجهوا العدو نفسه الذي تواجهينه.

تهرب الكلمات من ذهني حبيبتي سورية وأنا أحاول أن أعتذر منك، لكنّي أمنّي نفسي بتقبيل جبين كل جندي في جنود جيشك الباسل، وأشكرهم لأنهم حملوا عنا وزر التصدي لمن أراد إعادتنا إلى عصر الكهوف. أعزيك، فمن استشهد كشف لنا أن ما يحدث في أرضك لا صلة له بثورة ولا ما يحزنون. أحييهم جميعاً واعتذر منهم عن كل تقصير مني أو عجز عن الدفاع عنهم.

أعتذر منك سوريتي الحبيبة الغالية، نيابة عمّن لا يزال يوفّر غطاء لما يحصل على أرضك تحت ذريعة «الحرية» و«الثورة». هؤلاء يستيقظون غالبا متأخرين، فالمعذرة منك سيدتي حينما يستيقظون وقبل أن يفعلوا ذلك.

عذراً سورية الحبيبة الغالية، من مواطن أعياه التعب وبحّ صوته منادياً بأن سورية كانت لتضيع لولا هذا الرجل الطيب ذو الصوت الخافت والمناقبية العليا والحكمة وبعد النظر، واسمه بشار الأسد. كنت أحاور سيدة سورية معارضة اتضح لها في ما بعد أنها كانت غبيّة لا معارضة، فالمعارضة خيار واعٍ وليست انجراراً خلف الشعارات.

سيّدي الرئيس بشار الأسد، يشرّفني أني دافعت عنك يوماً وأنك دافعت عني. كل ما فعلته أيها الإنسان الرائع لم يكن قياماً بمهمات رجل دولة في موقع رئاسة فحسب. ما قمت به هو دفاع عن كل المواطنين العرب في سائر أوطاننا العربية. لولاك لتغوّل مشروع القرون الوسطى الأوروبية، ولولا صدّك لهذا المشروع لأصبحت أوطاننا مللاً غارقة في حروب الاختلاف على ختان البنات أو شكل اللحية واللباس.

مضت ثلاثة أعوام، لكن الأزمة إلى زوال، ولم يبق لي سوى الاعتذار إلى جميع أصدقائي السوريين في مدن سورية وأريافها. كلّما سمعت خبراً عن قصف من النظام في حلب أو الرقة أو ريف دمشق أو درعا إلا وهببت إلى أصدقائي من هناك اسألهم لأتبين أن لا صحة للخبر أو أن المستهدف بالقصف جنود سوريون في مناطقوجودهم أو لا أجد ردا أتأكد بعد ذلك أني فقدت صديقاً من اطهر وأرقى وأروع العرب.

عذراً سورية الشعب والدولة، وشكراً أنكم حملتم عنا الكثير من أزلام الكفر الوهابي والنفاق «الإخواني» والغباء «القاعديّ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى