العروبة المتمزّقة!
أبو بكر صالح ــ عدن
لا بد من الاعتراف بدءاً بأن العنوان وما يحمله من معنى مؤسف ويوصّف الحالة العربية الراهنة وما اعتراها من تقهقر وإخفاقات لا ذنب فيه لنظرية المؤامرة الخارجية وحدها، بل إن تحكّم الذهنيات العربية البالية جرّنا الى هذه الهاوية اللعينة!
مرّ العالم العربي في مرحلة انعطاف تاريخي خطير لم تكن الأمة مهيأة لها بقدر ما اعترنها موجة من التخلف والوهن استلزم إعادة انتاج الماضي المنكوب بعيوبه وحماقاته كلّها التي تمادت في تحضير الماضي إلى حد الخيانة الوقحة وبصفاقة وسفالة، مع بلادة وجناية من الأمة لا وصف لها غير الخزيْ والعار.
بداية الخيانة ولعنة العصر كانت فلسطين والخيانة العربية المغلفة بالدين والعقيدة، كلّ على طريقته، والنهاية واحدة تحمل في مضمونها تمزقاً ينسلّ الى كينونتها ومظهرها بصورة رسخت لدى العدو الاستعماري أن لا خوف من هذه الأمة وقد أفرزت دماً جديداً يحمل كل «قيم العمالة والخيانة والحقارة» وأن لا خوف من عقيدة الإسلام فمحمد مات وخلف بنات؟!
لو تتبعنا خيوط «الانحطاط» وما وصلت اليه حالة الأمة لوجدنا رضى عجيباً عن ذلك النكوص والاذلال والخنوع والخضوع، وقد غلفته بغلاف القضاء والقدر الجبريين ناهيك عن «غياب الصحوة الدينية وغياب الوعي الديني» وغرق الأمة في أوحال الرذيلة الزنا والفسوق والعصيان… وما أكثر مفرداتنا من دون أي فائدة! ومن دون أن نملك دليلاً ناصعاً يدلنا على حقيقة ذلك الرضى!
إن أول بداية لنهاية «العصر العربي الذهبي» انبلج نجمه مع معاوية بن أبي سفيان، إذ أدخل ذلك السياسي المحنك الملكية السلطانية إذا جاز التعبير الى مفرداتنا السياسية والفقهية الدينية من دون أص صفة شرعية أو قانونية وأحال ملكيته الدكتاتورية بعد القضاء على مفهوم الشورى الى مسلمات عقيدية صرفة تولدت بعدها «إثنية غير معلنة» جرّت الأمة الى اصطفاف قبلي ملكي لا يمت للإسلام بصلة غير الإسم وتحوّل الى صلب العقيدة، إذ لا مكان أو صفة لرفضه أو الثورة عليه فهو يعدّ أمراً خارجاً عن جوهر العقيدة وإطاعة وليّ الأمر؟! ويجيء بعده يزيد بن معاوية…وما أدراك ما يزيد: لا وحي نزل! ولا نبي أتى!
لسنا هنا في صدد سرد تاريخي أو مقاربة تاريخية لما يحدث اليوم، على أن نلقي بتلك الانتكاسات والهزائم وما خلفته على مدار التاريخ ولحقت بالأمة لدواعٍ تاريخية صرفة أو موروث تاريخي صرف. حتى نجدها تتلمس عذراً يقيها نار المسؤولية ووزر التاريخ أو لعنته؟ لكن محاولة الوصول الى المطلوب الذي نراوغ في التسليم أو الاعتراف به أمام مساءلة التاريخ ومحكمته الصارمة والسعي إلى البحث عن حلول جذرية وجوهرية توصلنا الى بر الأمان.
سجلت نكبة فلسطين ونكسة العرب أكبر برهان على زيف اعتقاد الأمة وكشفت حقيقة التسلح به واكتساب المنعة والقوة والشموخ، لأنها لم تهتم للخطر الداهم الذي شعرت به قبيل موجة التحرر العربية إثر سقوط العهد العثماني وانكشاف حقيقته الدينية الزائفة. ودليلنا سقوطه السريع في يد الكمالية «الأتاتوركية «إن صح التعبير. ولم يكن سبب الضياع هو ابتعاد الأنظمة والشعوب عن جوهر دينها مثلما يروّج له، بل دخولها لعبة النزعات الملكية والقبلية والطائفية التي أوصلتها الى ما هي عليه اليوم، خصوصاً مع انتشار رائحة الخيانة والعمالة للمستعمر، وإن خرج من الأرض!
اليوم يسجل التاريخ مزيداً من التضعضع والتقهقر والتراجع والنكوص العربي والإسلامي في مواجهة مقتضيات الألفية الثالثة وما تحمله من تبعات وأخطار وقفزات علمية وجينية ووراثية ونهضة ثقافية وعمرانية وتقدم بحثي وطبي وتقني. ذلك كله في قطار سريع لا ينتظر أو يتوقف حتى يسمح لنا بركوبه! وأكبر تهديد يخيم في سماء الأمة هو التحدي العلمي والصناعي والبيولوجي والجيني، الخ، إذ لا نملك سلاحه الذي يمكّننا من مواكبته وإنما نملك «بول البعير» طاقة العرب المتجددة! وتلاوة آيات الوسواس الخناس وعلاج العين والسحر والمس.. ونحن نعيش في كوكب يتجاوز سكانه الستة مليار نسمة ولا نساوي فيه ملياراً! أضف الى ذلك اختراعنا أكبر صرعة كذبة في التاريخ وهي «الجهاد» في سورية؟ و«نكاح الجهاد» و«جهاد النكاح»، وليس في فلسطين بوصلة الأمة الحقيقية! حيث تحول الكيان الصهيوني الغاصب الى شقيق سلفي بامتياز، امام «خطر داهم» هو «بعبع الشيعة»!
السؤال المطروح الآن: ترى لو سُخّرت تلك الأموال والإمكانات والتجييش الإعلامي والمعنوي، التي زجّت في سورية لحرقها وتدميرها، بل محوها من الوجود… لو سُخّرت لمصلحة فلسطين وزجّ جميع أولئك التكفيريين والقتلة في مواجهة العدو الأوحد «إسرائيل» أما كانت حرّرت كامل فلسطين؟ أعتقد أن ذلك ممكن وفي أقل مدة، على نقيض ما حدث ويحدث في سورية؟ فأصحاب الحق لا يُهزمون؟