إلى ناجي العلي في ذكرى استشهاده
د. محمد بكر
ما عاد حنظلة يشبهنا ولم نعد نشبهه. سافر إلى الربيع، بعيداً عن الموت، بعيداً عن الروح. مطعونةٌ هي الروح، لا تقوى على الصراخ. مجروحةٌ مسمومةٌ مغدورةٌ، لا تقوى على البوح.
تجحظ عيونها إلى الساحات، يتدفّق سؤالٌ وصدىً: ما بال هذا النباح؟ لِمَ كلّ تلك الجراح؟
تعاود أسئلةٌ حمراء، لحنها فلسطين، حروفها شهداء، على الطريق مفتاح، يزغرد للشهيد، يعزف الخلود، يثأر للوليد، يصرخ بعالي الصوت: هنا صوت الحراب ونقع الخيل، أمّ المعارك هنا… هنا زغردة السلاح.
من حمرة الساحات ينبري صوتٌ وأصداء. هو ذا صوتُ حنظلة يعود من جديد. يدوّي في الساحات يا موؤودة الأعراب يا مقتولة الأفراح. منصورٌ دم الشهيد. ستبقين: أنشودة الصمود قصة الشهداء تتوالد النكسات، تتتابع النكبات. ومن حمرة الساحات تطرق مسامعي ألحان أغنيةٍ يردّد منشدوها: عليٌّ صوت الكفاح منصورٌ حنظلة الشهيد.
أيّ بشرى أزفّها إليك. وحنظلة الذي يشبهك قد قرّر ألّا يرينا وجهه أبداً. سافر بعيداً إلى بارئه. لم يدرك الموت روحه. ولم يضيّع المفتاح. وحدها معشوقته هي التي ضاعت، وكذلك فعل إخوته. أطاعوا رومهم وضاعوا. جاؤوا على قميصه بدمٍ صدقٍ. لم يقتله الذئب إنما ألقوه مطعوناً في غياهب «ربيع الروم». مات حنظلة ولا تزال روحه تنبض وطناً، وتبحث بدأبٍ عن زلزال صحوة.
وحدها فقط «صحوة السلاح» باتجاه أرض حنظلة. والتداوي بالتي كانت هي الداء. من يدير وجه حنظلة، صحوةٌ في حضرتها فقط تشمخ الكرامة العربية، وتغدو للحرّية والإنسانية والشهادة مذاقاتٌ أخرى.
كاتب فلسطينيّ مقيم في سورية