«العاطفة الحمقاء» و«داعش» وحقائق للتاريخ… مَن ينظّم ويموّل ويدعم ولماذا؟

هشام الهبيشان

في ظلّ تخبّط المنطقة العربية والاقليم ككلّ بفوضى عاصفة استعمارية غربية – صهيونية – ماسونية قديمة متجدّدة انطلقت تحت شعار «تقسيم المقسم»، مروراً بمخططات برنارد لويس -بريجنسكي، ورؤية نوح فيلدمان للاسلام، ومؤامرات المحافظين الجدد بأميركا، عبورا الى مشاريع الصهاينة الهادفة الى إغراق المنطقة العربية ككلّ بحالة الفوضى، خدمة لمشاريعهم التوسعية بالمنطقة العربية وليس بفلسطين فحسب، ومن خلال هذه الفوضى الاستعمارية ظهرت بفوضى هذه الهجمة الاستعمارية الفوضوية والتي بشرتنا بها أميركا وحلفاؤها منذ غزو العراق عام 2003، وعاد واكد عليها وزراء خارجيتها كولن باول في بيروت عام 2004، وكونداليزا رايس أيضا عام 2006، مبشرين العرب بـ»فوضى خلاقة» ستركب موجها أميركا والصهاينة وحلفاؤهم وبعض الأنظمة الرجعية العربية والاقليمية المتأسلمة، وقد بشرت حينها أميركا انّ هذه الفوضى ستحرق المنطقة كلّ المنطقة، وكجزء ملحق من الفوضى، ولدت من رحم هذه الفوضى جماعات متاسلمة تتستر بستار الدين «داعش ومنتجاتها»، وفي ظلّ تخبّط شعوب المنطقة ككلّ بين مؤيد لهذا التنظيم المصطنع، وبين مدرك لحقيقة وأهداف ومراحل نشوء هذا التنظيم، وجب وضع بعض النقاط على الحروف، لمعرفة بعض خفايا وأسرار وأهداف من أنشأ هذا التنظيم، وغيره من التنظيمات الراديكالية في المنطقة، ومن هنا سنبدأ بسرد بعض الحقائق التاريخية عن تنظيم «داعش».

في العام 2004 انطلقت من العراق نواة تشكيل تنظيم ما يسمى اليوم «داعش- الدولة الاسلامية»، وقد كان كلّ ذلك تحت انظار ودعم الأميركان وحلفائهم من العراقيين، فقد انبثقت في ذلك العام نسخة محدثة أكثر راديكالية عن تنظيم القاعدة الدولي الذي ترعاه وتديرة سراً أميركا وأدواتها في المنطقة والعالم، ومنذ ذلك التاريخ استقرت هذه النسخة المحدثة من التنظيم في العراق تحت مسمّى «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» والتي كانت معروفة اكثر حينها باسم «تنظيم القاعدة في العراق» وهى التي شكلها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 تحت حجج محاربة الغزو الأميركي للعراق، وبعد تشكيل جماعة التوحيد والجهاد بزعامة ابو مصعب الزرقاوي في عام 2004 تلى ذلك مباعيته لزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ليصبح «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، وصولاً الى العام 2006 حين خرج الزرقاوي على الملأ في شريط مصور معلناً عن تشكيل مجلس شورى المجاهدين، بزعامة عبدالله رشيد البغدادي، وبعد مقتل الزرقاوي في نفس العام جرى انتخاب ابو حمزة المهاجر زعيماً للتنظيم، وفي نهاية عام 2006 تمّ تشكيل «دولة العراق الاسلامية» بزعامة ابو عمر البغدادي.

في ربيع العام 2010 وفي عملية عسكرية مشتركة للقوات الأميركية – العراقية، استهدف منزلاً كان فيه ابو عمر البغدادي وابو حمزة المهاجر، بالقصف الجوي ليقتلا معاً، وبعد حوالى عشرة ايام من مقتلهما انعقد ما يسمى بمجلس «شورى الدولة» ليختار ابو بكر البغدادي خليفة لأبي عمر البغدادي والناصر لدين الله سليمان وزيراً للحرب، في نهاية العام 2010 بدأت علامات شيخوخة هذا التنظيم تظهر لجميع المتابعين لمسيرة تكوينه وتمدّده في العراق، فقد أصبحت البيئة الحاضنة له بالمدن العراقية وخصوصاً «الانبار -غرب العراق» تحارب وجود التنظيم بشكل علني، كما قلّت أعداد المنتسبين له ولأفكاره تدريجياً بعد الانسحاب المبرمج والخادع للعراقيين، والذي قامت به أميركا لإعادة انتشار قواتها في العراق، الى أن جاءت الحرب على سورية في آذار عام 2011، وليعود هذا التنظيم ولينشط في سورية بعد العراق من جديد بعد الاحتفاظ وبقاء أعداد من مقاتليه وقيادته المركزية في العراق، وفي نهاية صيف عام 2012، ظهر للعيان توسع وجود هذا التنظيم بسورية، ولحق بكل ذلك إعلان ابو بكر البغدادي عن انشاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، مستفيداً من التحالف مع بعض الجماعات والميليشيات المسلحة في سورية «المعارضة المعتدلة» حسب التصنيف الأميركي، مما اوجد له بيئة خصبة وحاضنة مجتمعية تمدّد من خلالها في شرق وشمال شرق سورية.

في صيف عام 2013 نجح التنظيم وبمؤامرة واضحة ومخطط له من بعض القيادات العسكرية والسياسية العراقية – الأميركية، بالوصول الى سجني ابو غريب والتاجي بشمال وغرب بغداد وإطلاق سراح آلاف السجناء العراقيين وغير العراقيين المدانين بالارهاب، مما اعطى هذا التنظيم زخما اكبر، مستفيدا ايضا من احداث الاحتجاجات التي حصلت في غرب وشمال غرب العراق ضدّ حكومة المالكي بالعراق، مما أعطى التنظيم فرصة احياء وإعادة تكوين نفسة في العراق، من جديد، وهو بالفعل استطاع ان يوسع وجوده وان يوجد بيئة مجتمعية جديدة تحتضن وجوده في ما بينها، كعامل امان لها.

ومنذ ذلك الحين نشط دور التنظيم في العراق وفي سورية وتعدّدت جبهات قتاله مع الأعداء ومع المتحالفين، الى ان وصلنا الى نهاية عام 2013 ومطلع صيف عام 2014، ومن هنا برزت المؤامرة الأميركية واتضح للجميع انّ هذا التنظيم ما هو الا جزء من مؤامرة كبرى هدفها الاساس السعي لتجزئة وتدمير المنطقة من جديد، فقد تمّت تغذية التنظيم بالسلاح المتطور بشمال وغرب العراق، فهو نجح بسهولة في الوصول الى مخازن أسلحة أميركية متواجدة بشمال وغرب العراق، وقبلها نجح بالوصول وبسهولة ايضاً الى مخازن سلاح أميركية في شمال سورية وريف حلب المحاذي للحدود التركية تحديداً، وفيها ومن خلالها نجح بالتمدّد حتى وصل الى مشارف بغداد جنوباً والى مشارف اربيل بأقصى شمال العراق، ونجح من خلال هذه الأسلحة التي «سلّمت» له بشمال وغرب العراق ومن شمال سوريا، بالتمدّد ايضاً في شمال وشمال شرق سورية، الى ان وصلنا الى إنشاء تحالفات دولية هدفها تقليم أظافر مولود أنتجته أجهزة الاستخبارات العالمية لإعادة تشكيل واقع المنطقة من جديد، وها هم اليوم يحاربون مولودهم بعد ان أتمّ مرحلة الفطام عنهم في سورية والعراق، وآخر معارك هذا التنظيم اليوم تدور في مدينة بيجي شمالاً، ومدينة الرمادي بمحافظة الأنبار وأجزاء واسعة ايضاً من محافظة الأنبار غربي العراق والتي تشكل ثلث مساحة العراق الجغرافية، بالإضافة الى معارك يخوضها التنظيم في بعض البلدات في شمال شرقي سورية، ردا على هزيمته في مدينة الحسكة وبعض المناطق بشمال شرقي سورية، وبالتوازي مع كلّ ذلك فقد أعلنت مجموعة فصائل رديكالية أخرى، في مصر والصومال وليبيا ولبنان والجزائر وتونس الخ… مبايعة هذا التنظيم.

ومن هنا وبعد سرد هذه الحقائق عن نشأة هذا التنظيم الراديكالي وتمدّده، تبرز هنا حقيقة الدور الأميركي – الصهيوني، بتركيز وجود هذه الجماعات وأفكارها المتطرفة في المنطقة ككل، وهذا ما جاء ذكره واضحاً في وثيقة «كيفونيم» الصهيونية الصادره عام 1982، وبمخططات برنارد لويس – بريجنسكي، عام 1981، فهذه المخططات وبرمجة هذه التفاصيل جاءت واضحة ومخططا لها منذ سنوات مضت، وهذا ما اوضحه ايضا الكاتب اليهودي الأميركي سيمور هيرش، في كتاباته حول فضح خطط أميركا، لنشر الفوضى في الدولة السورية وغيرها من الدول في المنطقة، وكانت كتابات هيرش التي فضحت خطط أميركا قد صدرت في عام 2006 وعام 2007، مما يؤكد حتمية انّ هذه التنظيمات المتطرفة، وهذه الفوضى في المنطقة ككلّ قد أعدّت بشكل مسبق ومبرمج، من قبل أجهزة الاستخبارات والمخابرات الصهيونية والأميركية والإقليمية في المنطقة.

فهذه الخطط قد أعدّت بشكل سري وخفي، ومن قبل مخططيين صهاينة متأمركين، وعلى رأس هؤلاء دينيس روس المستشار في «معهد واشنطن» وهو المهندس الخفي لسر غزو العراق والمؤرخ الاميركي دافيد فرومكين وهو مهندس احتلال أفغانستان ومروّج نظرية «صراع الحضارات» وتأثيرها على أميركا، والباحثان كينيث بولاك ودانييل بايمان وهما يعتبران من أعمدة البيت الابيض لرسم وبناء سيناريوات التخطيط للمستقبل الأميركي وشكل العالم الجديد بعد ما يُسمّى بحصد نتائج «الربيع العربي»، وضبط فكرة «صراع الحضارات» ضمن مفهوم التبعية لأميركا، فهؤلاء جميعاً اختاروا الوقت الأنسب وهذه المرحلة الحرجة من عمر العالمين العربي والاسلامي للانقضاض على العرب والمسلمين وشعوبهم وبلدانهم الهشة لتقسيمها الى دويلات عرقية ودينية ومذهبية.

وكلّ ذلك سيتم عن طريق «داعش ومنتجاتها»، فهي الأداة الرئيسية لهولاء المخططين التي سترسم هذه الطبيعة الجديدة للمنطقة، ويشاركهم في كلّ ذلك المخططون الاستراتيجيون، من المتصهينين الجدد والقدماء من المتأمركين والفرنسيين والبريطانيين، من أمثال توني بلير، وبرنارد لويس، وبرنار ليفي، وبريجنسكي، ونوح فيلدمان، وغيرهم، والهدف هو وضع خطط وسيناريوات واضحة لإشعال الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية والدينية بعموم المنطقة لتسهيل تقسيمها وإقامة دولة «إسرائيل الكبرى»، وتأمين وضمان سيطرة أميركا على مصادر الثروات والطاقة في المنطقة ككل.

وهنا، وللتأكيد على كلّ هذا، ففي دراسة شاملة نشرتها مجلة «تسو ارست» الالمانية وأجراها رئيس تحريرها مانويل اوكسنراينر والصحفيان ديرك راينار وستيف ليرود تحت عنوان «تنظيم الدولة الاسلامية هل هو من صنع أميركا؟» وقد اكدت الدراسة أنّ ما يسمى تنظيم «دولة العراق والشام» الارهابي انشئ من قبل اجهزة الاستخبارات الأميركية لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط فيما يتولى تمويلة النظام السعودي، وتقوم حكومة حزب «العدالة والتنمية» في تركيا بتسهيل نشاطاتة وعبور ارهابييه عبر اراضيها الى سورية والعراق.

وهنا تنقل المجلة عن البروفسور خوسودوفسكي وهو خبير في السياسة العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط قوله انّ «الاستخبارات الأميركية انشأت عدة مجموعات إرهابية تنشط في سورية والعراق لتحقيق مجموعة أهداف جيوسياسية أميركية في المنطقة» مشيراً الى اعترافات أدلى بها أحد متزعّمي تنظيم «القاعدة» الإرهابي في العراق عام 2007 وأكد فيها انّ «اسم التنظيم هو مجرد ستار يخفي وراءه الغرب حقيقة قيادته الحقيقية لهذا التنظيم».

في كتاب «خيارات صعبة» لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة «هيلاري كلينتون» تقول هنا مخصصة الحديث عن هذا التنظيم «داعش» انّ الإدارة الأميركية أنشأت «داعش» لتقسيم الشرق الاوسط، واعترفت بأنّ الإدارة الاميركية عندما أنشأت هذا الكيان «الهلامي» كانت عازمه على إعلان الدولة الاسلامية يوم 7/5/2013 وتكمل هنا الحديث وتقول كنا ننتظر الإعلان لكي نعترف نحن وأوروبا بها فوراً وتتابع الحديث كنت قد زرت 112 دولة في العالم، وتمّ الاتفاق مع بعض «الأصدقاء» على الاعتراف بداعش لدى إعلانها فوراً وفجأة تحطم كلّ شيء «وتكمل» كلّ شيء كسر أمام أعيننا بدون سابق إنذار، شيء مهول حدث في مصر، وبعدما فشل مشروعنا في مصر عقب سقوط «الإخوان المسلمين»، كان التوجه الى دول الخليج، وكانت اول دولة مهيأة هي الكويت عن طريق أعواننا الإخوان هناك، فالسعودية ثم الإمارات والبحرين وعمان، وبعد ذلك يعاد تقسيم المنطقة العربية بالكامل بما تشمله بقية الدول العربية ودول المغرب العربي، وتصبح السيطرة لنا بالكامل، خاصة على منابع النفط والمنافذ البحرية، واذا كان هناك بعض الاختلاف بينهم فالوضع يتغيّر».

ومن جهة أخرى فقد كشف تشارلز شويبردج في حديثة لإحدى وسائل الإعلام، وهو أحد ضباط الاستخبارات البريطانية سابقاً»، وكان يعمل في جهاز مكافحة الإرهاب، عن انّ وكالة المخابرات الاميركية «سي أي آي» والاستخبارات البريطانية دفعتا دولاً خليجية لتمويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها «داعش».

ويضيف تشارلز هنا انّ الاستخبارات البريطانية والاميركية تقفان وراء كلّ الاحداث الدراماتيكية التي تعصف بدول الشرق الاوسط مثل سورية والعراق وليبيا، وكشف تشارلز بحديثه عن تفاصيل خطيرة ومثيرة حول دور واشنطن ولندن في صناعة الإرهاب.

ختاماً، انّ محاولة استيضاح الحقائق عن مسيرة ولادة هذا التنظيم منذ عام 2004 الى اليوم، ما هي الا رسالة الى ابناء وشعوب هذه المنطقة ككلّ، ومضمون هذه الرسالة انّ دروس التاريخ ما زالت تعلمنا انّ من لا يقرأ الماضي لن يقدر على فهم الحاضر ولن يستطيع ان يتكهّن بالمستقبل، ومع ذلك فما زالت فئة ليست بقليلة من أبناء وشعوب هذه المنطقة تصطنع لنفسها اطارا خاصا مبنيا على «عاطفة حمقاء» تؤمن بوقائع مبرمجة تحكهما وتديرها بشكل أساسي استراتيجيات وجداول زمنية ابتكرتها وصمّمتها القوى الصهيو – ماسونية، وما هذه الكيانات والجماعات «الهلامية» من امثال «داعش» الا جزء من مخطط طويل يستهدف تصفية جغرافيا وديمغرافيا هذه المنطقة ليقام على أنقاضها، «النظام العالمي الجديد» والذي سيضمن للكيان الصهيوني المسخ، إقامة «دولة اسرائيل اليهودية التلمودية»، على اجزاء واسعة من عالمنا العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى