الصين ودروس الأزمة الاقتصادية
إنعام خرّوبي
قبل نحو أسبوع، كان العالم على موعد مع هزة اقتصادية مركزها الصين. فقد انهارت مؤشرات البورصات في مختلف دول العالم، وقاربت خسائر أسواق المال العالمية مبلغ الخمسة تريليونات، وفق بعض الإحصاءات.
لماذا الصين؟ السبب بسيط وهو أنها أعادت تخفيض عملتها المحلية بعد بروز عدة مؤشرات حول تراجع صادراتها، وتباطؤ الدورة الاقتصادية فيها، الأمر الذي ترافق مع تسجيل أسعار النفط أدنى مستوى لها منذ العام 2009 حيث قارب سعر البرميل حوالي أربعين دولاراً.
ربما ليس ثمة حاجة إلى كلام كثير حتى ندرك أهمية الصين ومحوريتها في الاقتصاد العالمي، فهي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وثاني أكبر مستهلك للنفط على التوالي بعد الولايات المتحدة بواقع ستة ملايين برميل يومياً، فضلاً عن كونها أكبر دائن لواشنطن. أولى تأثيرات ما جرى كانت على الدولار الأميركي الذي عرف تذبذباً في الأيام الأخيرة قبل أن يستقرّ نسبياً، ومن ثم على أسعار النفط العالمية التي شهدت هبوطاً ملحوظاً. وبالتالي كان الخوف الكبير من جانب المستثمرين وسادت أسواق المال العالمية موجة من الهلع، رأى اقتصاديون أنها غير مبرّرة.
وبحسب صحيفة «التايمز» البريطانية التي جاءت افتتاحيتها قبل أيام بعنوان «سقوط الصين العظيم»، فإنّ الفزع والصدمة مصدرهما الصين. ومع خوف المستثمرين من تداعيات الأزمة، جاء ردّ فعل الأسواق العالمية كما لو كانت تتوقع حدوث انهيار مماثل للانهيار الذي حدث عام 1929 مشيرة إلى نحو عشرة تريليونات دولار مُحيت من أسواق الأسهم في العالم منذ وصولها إلى ذروتها في حزيران الماضي. وأضافت الصحيفة: «بكين كانت تتصرف بتعقل، ثم قرّرت خفض عملتها نظراً إلى انخفاض الصادرات، لكنها بدأت تضطرب وتخاف. فمع شعورها بالقلق إزاء الانخفاض الكبير في اليوان قرّرت التدخل». وختمت الصحيفة: «إنّ جذور المشكلة تكمن في غموض نوايا الصين والحالة الحقيقية لاقتصادها القومي، فلا يمكن لأحد أن يتكهن إلى أي حدّ ممكن أن تتردّى الأوضاع، وفقدان اليقين هو ما تسبّب في هذا الهبوط الحادّ في الأسواق».
ويرى اقتصاديون أنّ مشكلة تباطؤ النمو الصيني ليست أزمة في حدّ ذاتها، وخصوصاً أنّ المتوقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي الصيني نمواً بنسبة 7 في المئة وهي نسبة نمو كبيرة تزيد عن ضعف معدل نمو اقتصادات رئيسية أخرى في العالم، لكنّ المشكلة هي اعتماد الاقتصاد العالمي على وتيرة نمو متسارعة بشكل مستدام في الصين، والاقتصادات الصاعدة الأخرى، للخروج من ركود أزمة 2009، وخصوصاً أنّ الصين تعتبر أسرع القوى الاقتصادية النامية وأكبرها.
وفي المقابل، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة في تصريح لـ»البناء» أنّ هناك «مبالغات في تقدير ما يجري»، معتبراً أنه عبارة عن «تصحيح للوضع وإعادة التوازن الاقتصادي العالمي إلى طبيعته بين الصين والغرب أو بين الاقتصادين الآسيوي والغربي، كما أنّ المبالغة في تضخيم حجم الاقتصاد الصيني سابقاً، هو سبب التهويل بالواقع الحالي واعتباره أزمة». وقال: «إنّ ما جرى في الحقيقة هو أنّ القطاع الخاص في العالم، والمستثمرين الأفراد هم الذين مُنيوا بخسائر كبيرة، وخصوصاً أنّ الأسواق المالية كانت أولى ضحايا هذا التراجع».
وأضاف: «من الخطأ تصوير ما يجري على أنه تدهور فالاقتصاد الصيني لا يزال قوياً وكلّ ما يجري هو أنه ينتقل من حالة إلى أخرى وهذا الانتقال له كلفة معينة. هي حياة جديدة للاقتصاد الصيني، وإن انخفض النمو من 14 في المئة إلى 7 في المئة، فإنّ نسبته لا تزال مرتفعة».
وبالنسبة إلى تأثر اقتصادات الدول العربية ومن بينها لبنان بهذا الوضع، قال حبيقة: «إنّ الدول العربية لها علاقات اقتصادية واسعة بأميركا والدول الغربية، لا تقارن بعلاقتها بالصين، لذلك فإنّ وقع ما يجري في الصين عليها ليس مهمّاً ولن ينعكس سلباً على تلك الدول. أما بالنسبة إلى لبنان فإنّ الموضوع هامشي، وذلك لأنّ المواد التي يستوردها لبنان من الصين مثل الإلكترونيات والسيارات والآليات يستطيع الحصول عليها من أوروبا، لكنّ ذلك لا يعني التقليل من شأن العلاقات اللبنانية الصينية والتي أسّس لها الوزير السابق عدنان القصّار، حيث تمّ إنشاء مجلس العلاقات اللبنانية ـ الصينية وهذا إنجاز كبير لكنه غير كاف في غياب سياسة حكومية حقيقية تجاه تمتين هذه العلاقات وتطويرها». وتابع حبيقة: «إنّ ما ترك تأثيراً كبيراً على الاقتصاد اللبناني هو الأزمة السورية والتي انعكست سلباً على القطاعات الاقتصادية المختلفة».
وفي المحصّلة، فإنّ جوهر المشكلة هو «حرب العملات» بين واشنطن وبكين. فبعد ضغوط عديدة تعرضت لها بكين على خلفية سياساتها النقدية القائمة على تخفيض قيمة اليوان لتحفيز صادراتها، استجابت أخيراً لهذه الضغوط وأقدمت على بعض الخطوات على سبيل تحرير أسواقها وسعر صرف عملتها. ولكنّ انخفاض صادرات الصين وما ظهر من تباطؤ اقتصادي فيها حمل بذور الأزمة الحالية حين تدخلت بكين مجدّداً لتخفيض اليوان. وعلى ما يبدو، فإنّ بكين ليست بصدد التراجع عن ذلك.
انطلاقاً مما سبق، قد تكون لـ»مصيبة أسواق المال» على الصين «فوائد»، فدروس الأزمة كرّست الصين كإحدى أهمّ محاور الاقتصاد العالمي، والعين عليها في الفترة المقبلة، وكيف ستستفيد من تلك الدروس في تنمية «اقتصادها الحقيقي» وتطوير الاستهلاك الداخلي فيها، في حين يبقى الأهم، إعادة تعزيز سياستها النقدية.