أيها البحر لا تبكِ ولا تبكِنا…
فدى دبوس
نم يا طفلي الجميل بسلام، فعالمنا لا يليق بالأطفال. نم يا حبيبي فمن حولك كلّهم وحوش. ارقد إلى الأبد واسترح من عناء الحياة فمثلنا لا تليق به هذه الدنيا. نم يا إيلان فمثلك مثل أشقائك في الوطن، منهم من قتل على يد الوحوش البربرية ومنهم من لا يزال ينتظر دوره في موت محتّم. ولا تنتظر يا بنيّ من العالم أن يستفيق.
إيلان الهارب من الطغاة رحل بصمت، لكنّ صورته وهو ملقى على الشاطئ الغادر هزّت العالم لما في هذه الدنيا من ظلم وجبروت. إيلان ابن الثلاث سنوات غدره البحر فذهب بهدوء إلى السماء ليكون ملاكاً جديداً يشهد على مأساة الشعب السوري الذي لا يزال يعاني من طغيان تلك الدول التي قررت أن تهجّر أبناءه باسم الحرية المزيّفة.
على مدى أيام ثلاثة ونحن نشهد ردود فعل عنيفة من قبل الناشطين جرّاء القارب الذي غرق في البحر أثناء تهريب لاجئين سوريين من بودروم إلى اليونان، معظمهم كان من الشعب الكوباني الذي هرب من طغيان تنظيم «داعش»، لكنّ الموت كان لهم بالمرصاد فغرقوا وماتوا على الشواطئ.
هؤلاء لم يكونوا ضحية «داعش» فحسب، بل كانوا ضحية النظام التركيّ وضحيّة التجّار الذين يقنعون اللاجئين اليائسين بأنهم سيؤمنون لهم فرص الحياة الأفضل مقابل حفنة من المال، فيستغلّونهم بحياتهم ويقضون على ما تبقّى من عمرهم، ببساطة لأنهم يريدون المتاجرة بالأرواح.
أمّا عن اللاجئين، فسبب هجرتهم هو سعيهم لحياة أفضل لكنّ أين هي تلك الحياة؟ حياة ينتظرها موت على الجانب الآخر من الشاطئ، فلا سفن مجهّزة ولا أمان موجوداً، والبحر غدّار.
يومياً نسمع عن قصص لمهاجرين سوريين بحثوا عن حياة أفضل هربوا من الموت على يد «داعش»، ويومياً نستعرض صوراً لأطفال على الشواطئ قذفهم البحر بعد أن أخذ الروح منهم. وحتى الآن لم يستيقظ الضمير العالميّ ولا الإنسانيّ، وحتى الآن لا يزال تجّار البحار يستغلون يأس اللاجئين وبحثهم عن حياة أفضل لكي يحققوا بهم تجارة خاسرة حتماً.
من يقف إلى جانب هؤلاء؟! فالعالم أو أميركا و«إسرائيل» قرروا إدخال الإرهاب إلى بلد السلام، والإرهاب لا يمكن أن يحمل في جعبته سوى الموت، أليس كثيراً هذا الموت يا الله؟! لمّ هذا الطغيان؟! أسئلة تبقى برسم الضمير الإنساني الذي لم يصحُ حتى مع صورة طفل الثلاث السنوات وهو ملقى على شاطئ العذاب.
أين الضمير العالميّ مما يحدث في سورية ومن التهجير والدمار الكثير لهذه الدولة التي شبع أهلها حرباً وظلماً؟ والغريب أن في بلدنا من يمارس الخطأ نفسه، مطالبين بالحرية وعن أيّ حرية يتحدّثون؟!
صور المهاجرين أيقظت في داخل بعض الناشطين خوفاً من المصير نفسه، فبدأوا يقارنون التحركّات المشبوهة في لبنان أخيراً ويستذكرون ما يسمّى بـ«الربيع العربي» الذي أنتج حروباً ومآسي في العالم العربي كلّه، هذا الربيع الذي تحوّل إلى خريف قاسٍ ووحشي ومرعب. ولم ينتج منه سوى أشلاء لأشخاص كانوا يحلمون بمستقبل أفضل وحياة كريمة تحت سقف الوطن.
إيلان الطفل الجميل توفي على الشاطئ وترك في قلوبنا حزناً على الأطفال الذين سيضافون لاحقاً إلى قائمة الموتى هرباً من القتل، فإيلان الهارب مع عائلته إلى كندا طمعاً بحياة أفضل، ذهب إلى مكان ربّما يكون أفضل ليرقد بسلام، ولن نأمل أن نحلم بأن تغيّر صورة إيلان شيئاً من الواقع، إذ لم تغيّر سابقاً صور مجازر الأطفال التي ارتكبها العدوّ الصهيوني شيئاً في أجندة الدول العالمية، بل لطالما وجد مبرر وعذر لهذه الجرائم المرتكبة مراراً وتكراراً بحقّ كلّ أطفالنا…
لذا لن نقول إلّا «يا أيها البحر لا تبكِ وتبكِنا متى ستعرف أن الموج موطننا فليس من بلد في البر يؤوينا…».