أضواء على الحوار الوطني
بلال شرارة
مبادرة الحوار التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال احتفال النبطية في 30 آب المنصرم في الذكرى 37 لإخفاء الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه اعتبرها المراقبون «حوار» الفرصة الأخيرة اللبنانية للإنقاذ حيث أنّ الرئيس بري يحاول عبر قادة القوى البرلمانية تنشيط الواقع السياسي المضطرب في لبنان والذي وصل إلى حدّ اعتبار كلّ قوة سياسية لنفسها أنها تملك حق اتخاذ القرارات الوطنية أو حق الفيتو على القرارات الوطنية، ما عطل التشريع وعلق أعمال الحكومة وسط شغور رئاسي مستمرّ 472 يوماً من موعد انعقاد طاولة الحوار الوطني .
نقاط المبادرة تتضمّن حصراً كما أكد الرئيس بري: الشغور الرئاسي، عمل مجلس النواب، عمل مجلس الوزراء، ماهية قانون الانتخابات، ماهية قانون الجنسية، مشروع اللامركزية الإدارية ودائماً دعم الجيش اللبناني.
مبادرة بري هي استجابة لدعوة العديد من القوى أبرزها دعوة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير أسعد حردان للعمل على لمّ الشمل «الوطني» بما يحفظ لبنان حيث كان الرئيس بري قد وصل إلى حالة من اليأس أمام «الاستعصاءات» المحلية الناتجة من رغبة كلّ فريق بأن يحكم البلد أو على البلد.
الرئيس بري يضمن دائماً سلفاً دعم حليفيه: حزب الله والحزب التقدمي وهو يأمل من موقع رعاية «الحوار» القائم بين حزب الله و«المستقبل» دعم الأخير خصوصاً في هذه الظروف الصعبة والدقيقة والرئيس بري يستجيب لدعوة البطريرك الراعي والقوى المسيحية لملء الشغور الرئاسي.
الرئيس بري ومن دون أدنى شك «يستقوي» بتجربته إدارة حوار عام 2006 حول أربعة بنود أبرزها:
الحقيقة ومتفرّعاتها بما يختص بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، رئاسة الجمهورية، السلاح الفلسطيني وسلاح المقاومة وما يتعلق بمزارع شبعا وتلال كفر شوبا وتحرير الأسرى والمعتقلين وترسيم حدود مزارع شبعا مع الكيان «الإسرائيلي» بعد التحرّر.
يذكر أنّ الحوار الأول الذي فتح الباب من أجل عبور لبنان مأزقه عبر «المبادرة القطرية» واتفاق الدوحة اللبناني تحت سقف «البيت العربي».
لا بدّ من الإشارة دائماً إلى أنّ الرئيس بري يعتبر أنّ هناك ثلاث طوابق ضرورية لصياغة أيّ حلّ لبناني، وهي طوابق لبنانية وعربية إقليمية ودولية إذ إنّ أيّ حلّ لبناني غير ممكن إذا كان غير ممهور بالختم العربي الإقليمي والأختام الدولية الضرورية، وهو لذلك دعا الرئيس بري في كلمته في 30/8: إلى إعادة بناء علاقات الثقة بين المملكة العربية السعودية وإيران وجمهورية مصر العربية وإيران إضافة إلى ملاقاة حياكة السجادة الإيرانية بخصوص المشكلات والمسائل الإقليمية والعربية بجهد عربي وبأدوار مصرية سعودية سورية.
الآن، نقف أمام أهبة للحوار النيابي الوطني على وقع حراك مضطرب في الشارع لم يعد يعرف فيه من مع من ومن ضدّ من؟
حوار بري الوطني سيتناول القضايا الساخنة التي هربت من استحقاقاتها مختلف القوى السياسية اللبنانية بأعذار متنوعة وأجلتها إلى توقيت لم يعد بالإمكان معه الآن التأجيل لأنّ ذلك ينقل لبنان من واقع التوتر السياسي والطائفي والمذهبي إلى واقع القلق على المصير، خصوصاً مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات السورية في أواخر أيلول على وقع اجتماع منتدى موسكو الثالث والاستحقاقات الفلسطينية المقبلة.
الحوار الوطني المقبل أمام سبعة عشر اقتراحاً ومشروع قانون تتعلق بالانتخابات النيابية مصدرها جميع القوى البرلمانية وأمام ثلاثة اقتراحات ومشاريع قوانين حول اللامركزية الإدارية وأمام مشروع قانون يتعلق بتحديد استعادة الجنسية اللبنانية واقتراح قانون يرمي إلى تحديد شروط استعادة الجنسية لم تفرغ اللجنة النيابية من دراسته بسبب خلاف حول إحدى المواد والحوار سيكون أمام اقتراحي قانون يتعلقان بالأحزاب السياسية وعقد الاجتماعات والتظاهر.
ولكن مما لا شك فيه أنّ العقدة الأساس للحوار تكون بملء الشغور الرئاسي إذ لا خلاف متوقعاً حول دعم الجيش وزيادة عديده وتأمين عتاده إلا إذا كان الحوار سيقف مشلولاً أمام مسألة التمديد وملء الشغور في المناصب العسكرية.
ثم إنّ الأساس يبقى عودة مجلس النواب للاجتماع للانتخاب وحلّ مسألة الاستحقاق الرئاسي وإطلاق التشريعات ومن ثم تنشيط عمل مجلس الوزراء الذي هو في الواقع وعاء للقوى السياسية الرئيسية التي عليها أن تضع مصلحة البلاد على طاولة الحكومة لا نقل المشكلات إلى طاولة مجلس النواب الكبرى وإطلاق يد مجلس النواب ليمارس صلاحياته في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة.
في كل الحالات، الرئيس بري لم يدع إلى حوار من أجل تشريع الخلاف بل من أجل تمكين القوى السياسية الكبرى البرلمانية من الائتلاف.
ترى هل يشهد الأسبوع المقبل خروج لبنان من عنق الزجاجة وتوليد حلول مختلفة؟ أم أنه سيتحوّل للوقوع في أزمة نفايات سياسية بعد تراكم النفايات المنزلية في شوارعه؟
سؤال برسم المسؤولية السياسية الحزبية والبرلمانية والوطنية اللبنانية…