التسونامي البرتقالي يختصر بنود الحوار… بالعودة إلى الشعب

هتاف دهام

يترقب اللبنانيون بفارغ الصبر تصويت مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين على الاتفاق النووي هذا الشهر، سواء بـ»نعم» أو «ضدّ»، بعد أن حصل الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي يريد ضمان تمرير الاتفاق، على حق استخدام حقّ النقض على أيّ قرار يتخذه الكونغرس بمعارضة الاتفاق، مع إعلان السيناتور الديموقراطيّة باربرا ميكولسكي تأييدها الاتفاق، ما رفع عدد المؤيدين إلى 34، علّ هذا التصويت يسرّع البدء بحلّ القضايا الإقليمية العالقة، ويصل الدور الى لبنان الذي يقع في أسفل سلم الاهتمامات الدولية.

ويتزامن هذا الحدث الأميركي، مع اللقاء الذي من المرتقب ان يعقد في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 ايلول بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بمن فيهم السعودي عادل الجبير ووزير خارجية ايران محمد جواد ظريف للبحث في أوضاع المنطقة، ومن ضمنها الأزمة اللبنانية، فحصول اللقاء سيكون بمثابة بداية تعاون لتبريد الملفات الساخنة، وعدم حصوله سينعكس مزيداً من التصعيد وتعقيد الأمور، وهذا ما يبدو، إذ إن الموقف السعودي لا يزال على حاله، فتصريحات الجبير «إنه لا يوجد دور للرئيس بشار الأسد في مستقبل سورية»، والموقف الذي أطلقه الرئيس أوباما في القمة الاميركية – السعودية مع الملك سلمان بن عبد العزيز «أنه سيبحث مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز سبل التصدي لأنشطة إيران التي تزعزع استقرار المنطقة»، تؤكد أنّ الأمور ذاهبة نحو السيّئ والمزيد من التصادم، فمرحلة الانفراجات ستسبقها مرحلة من الانفجارات الأمنية الكبيرة من خلال الاغتيالات أو الأعمال العسكرية الميدانية أو التفجيرات، فأي تسوية كبرى يسبقها تصعيد أمني، ولهذه الغاية سيطلق الأميركي يد السعودية في بعض الأزمات لبث الطمأنينة عند آل «سعود». غير أن كل ذلك بدأ يزعج الإيرانيين وهذا ما ظهر جلياً في كلام المرشد الاعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي بقوله: «إنّ الامتناع عن رفع العقوبات عن إيران سيؤدّي إلى فشل الصفقة مع السداسية الدولية»، «وإذا كان من المقرّر أن لا يرفع الحظر عن إيران فلا مجال إذاً للتعاطي في هذا الموضوع، ومن هنا يجب أن يُبت في هذه القضية»، فالإيراني يعتبر أن الادارة الاميركية تُمسك الدول الخليجية ببعض الملفات التي من شأنها أن تطوّق الانتصار الإيراني اقتصادياً وسياسياً من خلال محاصرة الجمهورية الاسلامية، وهذا ما لن يُسمح به.

وسط هذا الجو الإقليمي الذي يميل إلى التصعيد في الأشهر المقبلة، سيبقى لبنان ورقة ضغط تستخدم في تحسين شروط المفاوضات السعودية مع الجمهورية الإسلامية، من دون أي اهتمام باستحقاقاته الداهمة. يتهم فريق 14 آذار إيران بأنها تعرقل الانتخابات الرئاسية وأنّ من مصلحتها استمرار الفراغ، فهي دعمت تشكيل الحكومة لكنها تعطل الملف الرئاسي، بيد أنّ مصادر ديبلوماسية تؤكد أنّ الجمهورية الإسلامية دعمت وأيدت توافق القوى السياسية على تأليف الحكومة، لكنها لم تغيّر في مواقفها، والمبعوثان الايرانيان وزير الخارجية محمد جواد ظريف ونائبه حسين أميرعبد اللهيان، خلال زيارتيهما لبنان ولقاءاتهما أيضاً عدداً من المسؤولين الدوليين، ميّزا بين دعم الأفرقاء اللبنانيين التوصل إلى حلول وبين التدخل الخارجي في اصطناع الحلول. ويبدو أنّ إيران ليست مستعدّة للتدخل في الشأن الرئاسي أو في أي استحقاق آخر، فهي تعتبر أنّ محاولة إقحامها في الشؤون الداخلية توريط لها سيفتح الباب لتدخلها عند كل مشكلة في لبنان.

وإلى أن يحين الموعد الرئاسي، سيبقى الاستقرار اللبناني عند الدول الغربية هو الأساس، ليس من أجل لبنان، إنما من أجل ان يبقى هذا البلد حاضناً للمليون ونصف المليون سوري الذين إذا تدهورت الأوضاع سينزحون أسوة باللبنانيين إلى الدول الاوروبية والخليجية، وهذا سيضاعف من الأزمات الاقتصادية في تلك الدول. ولذلك فإنّ الحراك الشعبي الذي تحاول الولايات المتحدة تسخيره لخدمة أهدافها، سيبقى تحركاً تحت سقف السلمية وتحت سقف دعم بقاء الحكومة، في مقابل الضغط لإنهاء «الستاتيكو» الحالي، وفرض انتخاب رئيس للجمهورية توافقي على غرار تجربة الرئيس السابق ميشال سليمان في مقابل إرضاء العماد ميشال عون بمواقع أخرى. غير أن السفير الأميركي تبلغ أنّ فريق 8 آذار لن يسمح بوصول رئيس للجمهورية غير محسوب عليه، ولن يسمح أن تكون رئاسة الحكومة لتيار المستقبل الا في مقابل رئيس للجمهورية يكون انتماؤه محسوماً إلى 8 آذار.

فوّض حزب الله العماد عون في موضوع الرئاسة وأكد أنّ موقع رئاسة الجمهورية معقود للتيار الوطني الحر بوصفه الأكثرية المسيحية. وعليه لن تنفع كلّ محاولات شارع «طلعت ريحتكم» والمواجهات الأمنية مع «الحراك المدني» في رفع أسهم قائد الجيش العماد جان قهوجي لرئاسة الجمهورية، أو غيره من الشخصيات التي تُرفع صورها في التظاهرات إلى جانب شعارات إسقاط النظام الذي بدلاً من المطالبة بإسقاطه من قبل المعتصمين يجب الاكتفاء بالمطالبة بإسقاط الطبقة السياسية التي استأثرت بالنظام وإسقاط مغتصبي السلطة وناهبي المال، وإقرار قانون انتخابي يقوم على التمثيل الصحيح والمنطقي، وباعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي، لأنّ الحديث عن إسقاط النظام، كلام ليس في محله، فالنظام البرلماني الديمقراطي في لبنان، الذي تمّ تحريفه وتحويله الى طائفي وإقطاعي، ينبثق من الشعب، ويشكل أحد أهمّ الأنظمة البرلمانية في العالم.

وإلى أن تنفرج إقليمياً، لن تكون طاولة الحوار التي تحظى بدعم أميركي وأوروبي وإقليمي وخليجي في التاسع من الشهر الجاري أكثر من تقطيع للوقت، والقوى السياسية كافة توافقت على الحوار وتجاوبت سريعاً مع المبادرة التي طرحها الرئيس نبيه بري للحفاظ على الاستقرار، وكون الحوار أقلّ الخسائر الممكنة.

لقد التقطت الرابية الإشارة من التحرك الذي أطلق على نفسه شعار 29 آب، فكانت الحشود الغفيرة في ساحة الشهداء يوم الجمعة والتي قدّرت بنحو 150 ألف متظاهر، استفتاء لسياسة التيار الوطني الحر وشعبيته.

هذه التظاهرة التي شارك فيها بحسب التقديرات الأولية 20000 من أهالي عكار، و10000 من زغرتا وطرابلس والضنية والكورة وبشري، و70000 من جبيل وكسروان والمتن وبعبدا، و20000 من الشوف وعاليه وزحلة، و30000 من بيروت وراشيا والبقاع الغربي والجنوب، كانت ردّ اعتبار للجنرال بعد ان اتهم بضعف التمثيل الشعبي في التظاهرتين السابقتين.

ولا بدّ من التأنّي في قراءة ما حدث عصر الجمعة لناحية البعدين السياسي والحزبي، فالحشد جاء نتيجة نجاح العماد عون في إظهار نفسه بأنه ضحية وأنّ المطلوب كسرُه، وساهمت حملات الحراك المدني في هذا، مدعومة بنظرية الدفاع عن حقوق المسيحيين.

وسعى رئيس تكتل التغيير والإصلاح من خلال مشاركته شخصياً في حضّ العونيين على المشاركة في التظاهرة الى إظهار أنه ما زال الأب والقائد، وأنّ العونيين لا يمكن إلا أن يلبّوا النداء، وهذا ما حصل، بغضّ النظر أنّ رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل استفاد منه لتكريس شرعية رئاسته للتيار.

إلا أنّ السؤال ماذا بعد التظاهرة؟ هل سيكون موقف عون في الحوار أقوى، فساحة الشهداء التي تكللت بالعلمين اللبناني والبرتقالي يوم الجمعة أدّت الى تقوية ورقة الجنرال في المفاوضات المرتقبة على طاولة الحوار الأربعاء المقبل. والحشد الذي كان متواجداً خلافاً لما يريد أن يظهره بعض المكونات السياسية المناوئة للعماد عون، يمكن تفسيره تفسيراً منطقياً واحداً انه اختصر بنود الحوار السبعة ببند واحد، كيف نعود الى الشعب لتشكيل السلطة، فهذا الحشد الذي فاق كل التوقعات عند الحلفاء قبل الخصوم، لا يستطيع رئيس تكتل التغيير والإصلاح نفسه أن يساوم أو أن يدخل في تسويات بعد اليوم مع أيّ مكون سواء من 14 أو 8 آذار، فالتسونامي البرتقالي أصبح ممراً إجبارياً إلزامياً لإعادة تشكيل السلطة بانتخابات رئاسية مباشرة من الشعب أو انتخابات نيابية تسبق الانتخابات الرئاسية وكل قول آخر هو تراجع للعماد عون وضرب وإحباط لقاعدته الشعبية.

ولكن في السياسة كيف سيقرّش ذلك؟ وهل هذه التظاهرة هي التي ستعطي الشرعية لانتخاب رئيس؟ وكيف سيتصرف مناهضوه والمجتمعان العربي والدولي؟ وهل سيتأثرون بهذا الحشد؟ كيف سيتمّ تقريش هذا الحشد وهل سيصوّر حشد العونيين وكأنه الردّ على «الحراك المدني»؟ ما سيعني أنّ مشهداً مدنياً جديداً سيكون الردّ وأنه سيكون مدعوماً ولو في شكل خفي من قوى محلية طائفية لإظهار أنّ حراك العونيين لن يشكل الردّ، وأنّ الجموع والكلمة ستبقى لحراك يتخوّف من تصاعده ليصل الى حدّ اللاعودة في ظلّ كلام عن إمكان ان يتحوّل الى مواجهات أمنية …عندها لن تنفع الساحات ولا الحشود والاستقطابات… اذ سيتحوّل البلد الى كتلة نارية قد تأكل الأخضر واليابس، والمثال على ذلك قائم في عواصم عربية عدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى