المغرب وإيران: بحثا عن صيغة جديدة للعلاقات الثنائية في المستقبل
عبد الفتاح نعوم
اتصال بين وزيري خارجية المغرب وإيران، وفد برلماني مغربي في طهران، لقاء شقيق الملك برئيس مجلس الشورى الإيراني، كلها تحركات دبلوماسية بين المغرب وإيران تؤشر على بداية ذوبان الجليد بين البلدين، ومعها اتجه اغلب المراقبين والمهتمين إلى أن انفراجا وشيكا هو من يقف وراء تلك التحركات تدفع إليه عدة تحولات في المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية، لكن هل إذا عادت المياه إلى مجاريها سيتم بناء علاقات ثنائية ذات أبعاد إستراتيجية تتجاوز عوائق الماضي، أم انه مجرد تقارب بروتوكولي قد تعصف به متغيرات الزمن والجغرافيا سيما وأن بذور الصراع لا تفنى ولا تستحدث من عدم؟
من نافل القول استعراض تاريخ العلاقات المغربية الإيرانية، والتي يعلم كل المتتبعين والمهتمين أنها اتسمت بالمد والجزر منذ نشوئها. لكن بالرجوع إلى السبب «المعلن وغير المباشر» الذي وقف وراء قطع العلاقات نجد انه يتمثل في ما اعتبره المغرب « نشاطات ثابتة للسفارة الإيرانية تهدف إلى تقويض الوحدة المذهبية للمغرب» وهو أمر يتعلق بالأبعاد الثقافية للعلاقات بين البلدين.
لاشك أن الطرفين معا يدركان جيدا أن المشكلة لا تكمن في الدور الثقافي للدبلوماسية والذي هو دور أصيل لتمثيلية أي دولة في الدول الأخرى، كما يدركان أن هذا الموضوع كان يجري تنظيمه وفق اتفاقيات ثنائية منذ مطلع أواسط التسعينيات، علاوة على انه في العمق لا يوجد أي خلاف مذهبي عقدي في الموضوعات الكبرى للعقيدة بين الشيعة الامامية وبين العقيدة الأشعرية، في حين تبقى الاختلافات الفقهية من الأمور الغير منكرة كما هو معروف في دراسات الشريعة الإسلامية، فعلام الخلاف إذن؟
المغرب يعي جيدا أن السياسية الخارجية الإيرانية تمتاز ببرغماتيتها وبميلها إلى التمدد الناعم في مداها الحيوي وبقدرتها على فصل القضايا عن بعضها البعض وتلك سمات لا تعيبها، لكنه لا يبالي للتمدد الوهابي الذي يخالف جملة وتفصيلا المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وينكر المعين الصوفي المعتمد في المغرب، في حين يحتج على ما يعتبره أنشطة إيرانية تمس «الوحدة المذهبية للمغرب». والغالب أن المغرب ينظر إلى تلك النشاطات باستحضار مميزات السياسة الخارجية الإيرانية وباستحضار تجارب العراق ولبنان والبحرين وكيف يستحيل المواطنون المتشيعون إلى قوى وتيارات في السياسة تمارس ضغطا من أحجام مختلفة في محطات معينة. لكن نفس الأمر تنتهي إليه الوهابية وباقي تيارات الإسلام السياسي فقط هو الفرق في مضامين الأجندة والاصطفاف ومدى الاستعداد للتشبيك.
بطبيعة الحال الإسلام الشعبي الموروث ثقافيا يمثل بيئة صالحة تتغذى عليها أي تيارات فكرية وسياسية تتخذ من الإسلام عنوانا لها، ولعل ما كان يتخوف منه المغرب وقام بقطع العلاقات درءا له قد يتحقق بأشكال أخرى ومع تيارات أخرى، وكلها تضع نفسها في مهب الاستخدام السياسي والارتهان لأجندات خارجية. ربما المغرب كان يتخوف من أي إستراتيجية إيرانية في هذا الصدد نظراً لطبيعة الحلف الذي تصطف ضمنه إيران، والذي يتعارض مع محاور كثيرة في السياسة الخارجية المغربية وأولها العلاقات المغربية الخليجية والسعودية تحديدا، لكن التحولات القادمة والحاسمة قد تتيح المجال لتجاوز هذه المخاوف وبالتالي العوائق حسب ما يذهب إليه اغلب المراقبين والمهتمين. بحيث أن نجاح التفاهم الإيراني الغربي والإفراج عن معادلات جيوسياسية جديدة في الخليج قد يجعل تلك المبررات غير ذات جدوى سيما وأن هناك موجة من الاستقطاب الحادة تكاد تعصف بالخليج العربي بعد سقوط الأخوان في مصر.
في وجه كل هذا وفي حالة عودة الدفء إلى العلاقة الثنائية بين البلدين يتوقع عدد من المراقبين أن طبيعتها لن تكون اقتصادية صرفة إلى حد بعيد وإنما ستكون علاقات سياسية يستثمرها الطرفان لتعزيز حضورهما في مختلف قضايا الشرق الأوسط، كما انه سيكون مطروحا على جدول أعمال تلك العلاقات بند تعزيز التبادل الثقافي بدءا بما يتصل بالشؤون الروحية وانتهاء بالفنون والآداب والعلوم والتي ينبغي أن يستفيد في إطارها المغرب كثيرا من إيران. وبما أن هذا المجال كان في جزء منه هو الذي سبب في قطع العلاقات سابقا فانه ينبغي من الطرفين الاتفاق على ضوابط له بحيث يصير ممنوعا الاشتغال على النقط الخلافية في العقيدة والفقه والتاريخ الإسلامي، والعمل على تصور ثقافي يمنع حدوث تصدعات فيما بعد.
وبما أن إيران تعرف جيداً أن الخلافات في تلك الأمور ليست عيوبا ولا تضير أحداً كما يتم تدريس ذلك في مؤسسة من حجم الأزهر الشريف، فانه لا ينبغي أن يكون لديها مانع من إرضاء المغرب في هذا الصدد سيما وأن إدراج أي برامج ثقافية من هذا النوع في المغرب لا تزعج بنية صنع القرار في المغرب إلا بقدر النقاش الذي تثيره من لدن تيارات إسلامية أخرى قد تتعيش على مثل هذه البرامج وتغذي خلافاتها السياسية وارتباطاتها الجيوسياسية عليه، هذا إذا غابت الاعتبارات الأخرى المرتبطة بالمواقف العربية والخليجية الأخرى من إيران وفي مقدمتها السعودية، فالتحولات في مصر والتحولات في الخليج برمته والتحولات التي يتوقعها المتخصصون في بنية صنع القرار في المملكة السعودية كلها قد تساهم في ترسيم المعادلة المذكورة.
فهل يمكن مثلا أن نرى عملا دبلوماسيا إيرانيا في المغرب يحتفي بالإرث التاريخي الثقافي الديني المغربي كي يبرهن على أن إيران تهدف إلى الجمع والتقريب بين المذاهب وليس التحضير مسبقاً لهدم «عقائد أهل السنة» كما يزعم الآخرون وعلى رأسهم الوهابية التي تتشكل خطراً على عقيدة ووحدة واستقرار المنطقة من مغربها إلى مشرقها أكثر من غيرها نظرا للبناء الفكري والعقدي الذي تعتمد عليه وللامتدادات السياسية التي قد تنتهي إليها ؟، وهل يمتلك المغبر تصوراً للاستفادة من خبرات إيران في مختلف مجالات الثقافة والفنون والعلوم؟.