أبو ترابة يُسقط المشروع الجنبلاطي في سورية…
سعدالله الخليل
يبدو أنّ أقلّ من ثماني وأربعين ساعة تلت تفجيري السويداء، واللذين ذهب ضحيتهما الشيخ وحيد البلعوس ومرافقه وعدد المواطنين، كانت كافية لتكشف اللثام عن خفايا ما يدبّر لمحافظة السويداء والمخطط الحقيقي وراء إشعال الفتنة في المحافظة، التي بقيت لفترة طويلة هادئة وبعيدة عن نيران الأزمة السورية وويل حروبها، إلا أنّ إصرار بعض الفئات في المدينة والقوى الإقليمية على إقحام بني معروف في أتون الحرب العبثية في سورية، والتي بدأت منذ بداية الأحداث في سورية بالتجييش الطائفي واتهام أبناء المدينة بالجبن لولائهم للدولة، فيما ذهبت الأصوات الطائفية أبعد من ذلك مطالبة بالعصيان المدني والوقوف في وجه الدولة وحمل السلاح. يقف على رأس هؤلاء النائب وليد جنبلاط الذي خيّر الدروز بين الانتماء المذهبي الضيّق والذي تمارسه الدولة على حدّ قوله، وبين الانتماء العربي والقومي العريض الذي يصرّ جنبلاط على التغني به، فيما لا يقدّم أيّ إجابة عن دوافع مخاطبته دروز سورية، وهل هذا يندرج في المشروع العربي الجديد الذي ينظر له المفكر العربي الفذ ! عزمي بشارة ويسوّقه بوق جنبلاط في قناة «الجزيرة» وعلى صفحات «فيسبوك» فيصل القاسم.
جنبلاط الخبير في استثمار وتوظيف الدم في السياسة سارع إلى اتهام الدولة السورية باغتيال أبو فهد المعروف بالتواصل والتنسيق المباشر مع جنبلاط، الذي قاد حملة تدعو إلى رفض الخدمة في الجيش العربي السوري، وعلى طريقة فريق 14 آذار اللبناني بدأت جوقة التطبيل والتزمير المعارضة بكيل الاتهامات، ولعلّ جنبلاط الذي أحرقت المحكمة الدولية آخر أوراق مصداقيته المحروقة أصلاً كشف المخطط المرسوم للسويداء حين اعتبر اغتيال البلعوس فرصة للثورة ضدّ الدولة السورية، وليثبت بأنّ الثورات المزعومة ليست إلا استثماراً رخيصاً للدم قادها وزمرته منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط، والتي فتحت باب الثورات السلمية «المظهر» ودموية «الوقود» والتي يحاول أن يلعبها في سورية كما لعبها في لبنان باغتيال رموز من قوى 14 آذار واتهام سورية والمقاومة.
المخطط الجنبلاطي في سورية تولت تسويقه مجموعة ما يُسمّى «مشايخ الكرامة» ومنحه الطابع السوري في الشكل، عبر بيان صادر من السويداء أعلنت فيه السويداء محرّرة من الدولة السورية ودعت للسيطرة على المقرات الحكومية وتشكيل لجنة سياسية لمفاوضة الدول الإقليمية على إقامة منطقة حظر جوي ومعبر حدودي مع الأردن، وربما لم تتسع ورقة البيان لإعلان دولة السويداء المستقلة، التي لطالما راودت أفكار جنبلاط الذي طالب الملك الأردني بحماية دروز السويداء وفتح معبر حدودي وكأنّ ملك الأردن قادر على حماية أراضيه!
وبالرغم من أنّ البيان ضرب من ضروب التحليق بالخيال السياسي البعيد عن الواقع الذي يؤكد سيطرة الدولة على الوضع الأمني في السويداء، ثمة تساؤلات عدة حول شكل السلطة التي يرغبها من أطلقوا على نفسهم «مشايخ الكرامة» بتطبيقها في السويداء، فهل هي كتلك التي يديرها تنظيم داعش في الرقة؟ أم التي تطبقها «جبهة النصرة» في إدلب؟ والتي ارتكبت بحق أبناء عمومتهم في قلب لوزة مجرزة لا تنسى. وهل نسي «مشايخ الكرامة» أنّ التنظيم الذي جاهد للدخول إلى المدينة من بوابات عدة يضعهم ضمن فئة الضالين، المطالبين بالعودة إلى الإسلام الصحيح الذي ينادي به أميرها الجولاني والذي كان صريحاً في لقائه الأخير على «الجزيرة» بأنّ مصير الدروز في سورية اتباع منهج «النصرة».
يسعى جنبلاط بعد فشل الترويج لـ»مشايخ الكرامة» كفصيل معارض معتدل يبني ويؤسس عليه لنيل دعم أميركي ضمن مسمّيات المعارضة المسلحة المعتدلة، ويبدو أنّ مساعيه ذهبت أدراج الرياح، فالفصيل لم يستطع إظهار عضلاته حين حاصرت «جبهة النصرة» مطار الثعلة، بما يشكك في قدرته على الصمود في أي مواجهة مع «النصرة» أو «داعش» ويلقى مصير «حركة حزم» و»الفرقة 30» في ريف حلب.
سقطت الجنبلاطية في لبنان، وها هي تسقط في سورية، ومع إلقاء السلطات السورية القبض على أبو ترابة المنتمي إلى «جبهة النصرة» واعترافه بتنفيذ تفجيري السويداء… كيف سيتلقى بيك المختارة النبأ؟ وما هو ردّ فعله باستثناء حكة رأسه وتحريك قدمية ومداعبة أوسكار كلبه الوفي؟
«توب نيوز»