العراق: واشنطن لا تزني ولا تتصدّقي
ناصر قنديل
لا يمكن تفسير وفهم ما جرى وما سيجري في العراق، بغير الربط بين عناصر التفجير السياسي والاجتماعي التي كانت تتجمّع في البيئة العراقية، وجاءت نتائج الانتخابات مانعة لاستيعابها، فهناك كتلة شعبية سياسية عراقية في المحافظات الغربية التي كانت تنتفض على حكومة المالكي لاعتبارات التهميش السياسي أو التطرف المذهبي أو النفوذ المستتر لقوى النظام السابق، أحبطتها نتائج الانتخابات، خصوصاً القوة التي عاد بها الرئيس نوري المالكي إلى سدة الحكم، وفي رأس هذه القوى ما تبقى من النظام القديم للعراق من قوى تحوّلت مع سنوات الاحتلال من مجرّد مشروع بدأ كمقاومة للاحتلال، ثم تحوّل دينياً فطائفياً فمذهبياً، وصار إقليمياً لا يرى غضاضة في مدّ اليد يميناً ويساراً إلى دول الخليج.
على رأس هذا المشروع عزّت الدوري الذي شكل جيش النقشبندية ويقيم معسكرات للتدريب في تركيا ويتلقى التمويل من السعودية وقطر، ويضع الأولوية للحرب المذهبية في العراق وما يُسمّيه الاحتلال الإيراني ونفوذ الشيعة، ويقدم نفسه شريكاً وبديلاً لداعش في وقت واحد، وقد انتظر نتائج الانتخابات البرلمانية وسقوط الرهان على إضعاف رئيس الوزراء نوري المالكي شعبياً وسياسياً وبالطرق السلمية، ليتقدم نحو تحالف ميداني مع داعش ليفرض سيطرته بتخطيط من داخل الجيش العراقي واختراقات لبنيته سمحت بانهيارات سريعة وترتب عليها خروج محافظتي صلاح الدين ونينوى من قبضة الدولة العراقية، وكما يبدو فتجربة الشراكة التي نتجت من فشل داعش بمفردها في الصمود بوجه الدولة العراقية قد منحت الجيش النقشبندي فرصة التقدم إلى الواجهة السياسية والإعلامية، مستفيداً من تجميع العشائر التي تصادمت مع الدولة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين، وصولاً إلى دويلة تقوم على تدعيم نفوذ داعش داخل الحدود السورية في المحافظات الشمالية الشرقية، والسيطرة على المناطق الغربية والشمالية من العراق لتصير دولة العراق والشام جغرافيا حقيقية، لا يمكن مواجهتها بغير الاتحاد الفيديرالي بين الدولتين العراقية والسورية ووحدة التنسيق بين جيشيهما وأجهزتهما الأمنية على أعلى المستويات، بينما الغرب يعرض خدماته للمساهمة في مواجهة التحديات الجديدة، ليصير التساؤل مشروعاً عن الدور السلبي لأيّ تدخل أجنبي يمنح المشروع الانفصالي المذهبي مزيداً من الدعم والوهج، علماً أنّ مرجعيته التركية والسعودية والقطرية ليست خارج اليد الأميركية، فالحرص الأميركي على مواجهة داعش ومملكتها الجديدة لا يحتاج إلى التدخل العسكري الأميركي، بل إلى عدم تعطيل التكامل السوري العراقي من جهة، والأخذ على أيدي الأتراك والسعوديين والقطريين من جهة أخرى، وببساطة… واشنطن لا تزني ولا تتصدّقي.