تعالي الجبير… وانكسار الربع الساعة الأخير
لؤي خليل
يجمع المراقبون والتقارير كافة التي سرّبت عقب لقاءات وجولات عادل الجبير وزير خارجية النظام السعودي، ولفتاته الفنية بين الزي الرسمي الغربي واللباس الخليجي، على أن الرجل يحاول أن يثبت لعالمه العربي وواقعه السياسي الجديد وللغرب أنه قادر على لعب دور سياسي عالمي يجابه إطلالات محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، وأنه سيكون اللاعب الصعب والرقم غير القابل للتغيير إزاء أي حسم في «الملف النووي السوري»، أي حل الأزمة السورية وما يتعلق خصوصاً بالموقف من الرئيس الأسد وبقائه حتى مرحلة انتقالية أو انتخابات مبكرة وغيرها.
فكل التسريبات في الأشهر الماضية التي تثبت التراخي السعودي في الهروب من مبادرات الانتخابات السورية، تثبت الخوف السعودي من دخول مفاوضات مباشرة في الملف السوري، لا سيما ما ظهر وتسرّب عن موافقة سعودية على بقاء الرئيس الأسد حتى مرحلة انتقالية، هذا أول الربع إذا بدأ من موسكو ولن ينتهي أخيراً إلا في قاعات البيت الأبيض الذي أخبر الجبير أنّ الحلّ الذي ينهي الحرب المفتوحة في سورية فوّض للروسي لإيجاده، هذه الحرب التي أوجدتها مغامرات آل سعود وفتح العالم على منظومات إرهابية غير معلومة التشكل والانتماء والولاء سوى لإرهابها اللقيط الذي لا يمت للبشرية بأي عنوان أو حلقة.
فالجبير الباحث عن خشبة مسرح جديد تظهر إمكاناته التفاوضية من جديد ليصطدم منذ انطلاقته بالسخط الروسي من تعابيره، وبالموقف الروسي الواضح بأن أي مصير للمؤسسات السورية مرتبط ببقاء الرئيس الأسد وهذا يقرره الشعب السوري حصراً.
هذه العبارة التي لم تتغيّر على مدى أربع سنوات ونيف عن مسمع المسؤولين السعوديين، وضعت الجبير على مسرح وحيد وهو كيف سأكون ظريفاً؟ كيف يعجب بي الجمهور العالمي أو مسؤولو سياستي غير المعروفة بداياتها لتعرف نتائجها! هذا التوتر الجبيري لن ينتهي باستعراض التعنت والموقف، بل بدأ بإظهار مصيري عبر إطلاق ذراع سرطانية في كل مناطق التماس حقداً وقذائف طاولت العاصمة دمشق، وكثيراً من المناطق المدنية الأخرى، مصدرها الفصائل معروفة الولاء سعودياً، هذا الانعكاس للفشل الجبيري سياسياً طبعاً وعسكرياً قريباً، لا يقرأ إلا بداية لانكسار ستشهده الصورة الزجاجية الهشة التي حاول أن يرسمها ويعكسها في أصداء موسكو ظناً منه أنه قد يتشبه بعدسات الشرفة التي أتقنها ظريف في فيينا وغيرها.
فالرجل لم يدرك أن حتى أقرب حلفائه لم يدر أذنيه إلى ما صرح به.
فالرجل العالم بحال نظامه وتآكله، يراهن فقط على أصوات القذائف التي تدوي فوق المدن وتقتل الأبرياء. نعم هذا ما تجيده السعودية وهذا الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تتراجع عنه، وهو ما تدركه موسكو وطهران وتعلمان أن الأوان سيأتي ليدرك نظام آل سعود أنّ لكلّ حرب ربع ساعة أخيراً تمنح فيه الأطراف لتضع خواصها وحربتها لعلها تحصل على موقف أو تعويض سياسي أو مادي يحفظ ماء وجهها.
فجميع الأطراف الغربية علناً تحاول أن تثبت للسعودية أن طلباتها ستأتي بنتائج إيجابية، ولكن في التقارير تثبت أنه لا يمكن إيجاد أي بديل من الرئيس بشار الأسد في المرحلة الراهنة، وأن أي انتخابات ستأتي به رئيساً قوياً جامعاً لكل فئات الشعب السوري ومؤسساته، وهذا سبب الهستيريا السعودية لأنها أدركت أن انكسارها آتٍ لا محالة على أعين نظامها المتهالك في حرب اليمن أصلاً.
فموسكو وطهران بعد فشل كل حروب الجنوب ومخططات المناطق العازلة شمالاً وجنوباً لن تسمحا بأي شروط مسبقة، وربما تماسك الحلفاء وقوة الجيش السوري يدفع بهم إلى الخوض أكثر في تفاصيل الحرب إلى جانب الدولة السورية، هذا هو ربع الساعة الأخير الذي ربما تكلم عنه الرئيس الأسد بأن لا بديل من الحرب ضد الإرهاب، ومهما ظهر من مبادرات فلا حلّ مع دول تدعم الإرهاب.
هذا الانكسار السعودي للجبير الذي ربما سيرتد فشلاً في كلّ مناحي السياسة السعودية وربما يرتد تفجراً داخلياً بات معروفاً حتى للجبير نفسه، وهذا ما سننتظره ربما قريباً على خشبة مسرح دولية جديدة و ندري أيّ زيّ سيرتدي الجبير لعله يحرز بعض إعجابات صور السلفي التي بات يتباهى بها حلفاؤه الغربيون ولو على دماء العرب.
فالحلفاء باتوا على علم واقعي بقرب الحسم الواقعي على الأرض في ساحات عدة ستغير جميع المواقف لأنه لا يمكن لأي عاقل أن يعتقد تغييراً سياسياً سيحدث في موسكو وطهران احتفاء بمجيء الجبير من جديد، فالرئيس الأسد باق ولا يمكن لهذه الدول الداعمة للإرهاب أن تسقطه بعد كل هذا الصمود مع جيشه وشعبه، هذا واقع السياسات الدولية التي لا تعرف العواطف وتقف مع الأقوى وهذا ما جعل الأميركي يغير الكثير من سياساته منذ بدأ تطبيق الاتفاق النووي مع طهران، فخشبة المسرح السياسي الدولي لا تعرف الدراما الجبيرية، بل ستمشي بقطار الحل تاركة للجبير العربة الأخيرة في قطار الحلول الدولية، وربما يمنح تذكرة مبكرة قد تكون إلى جانب وزير الخارجية الإيراني لعله يدرك كيف يصنع رجل السياسة مسرح المصالح الدولية.