لبنان ورقة تركية جدية

روزانا رمّال

لا تشير الأحداث منذ ثورات الربيع العربي المفترضة الى انّ اللاعب القطري استطاع ان يحجز مكانة تجعل منه صانعاً للسياسات ومرجعاً اساسياً استراتيجياً وحتى تكتيكياً لدى تعاطي حلفائه معه، فالدور القطري لا يزال حتى الساعة يقتصر على التمويل والتنفيذ وليس التخطيط.

دولة بحجم قطر شعباً ومؤسسات وبنى تحتية غير قادرة بالمنطق المحسوس والمرئي ان تتعدّى حدود بقعة جغرافية قادرة على الطموح لنفوذ سياسي ومعنوي مع دول الجوار ولهذا السبب بقيت قطر مموّلاً وداعماً وراعياً ولاعباً خفياً على مدى اكثر من تسع سنوات بدأ يتضح دورها اكثر فأكثر في لبنان منذ تقرّبها وتواصلها مع حزب الله ودعمها للمقاومة عام 2006، والصداقة الجيدة جداً مع القيادة السورية، اما اللافت في هذا الإطار والذي يمكن مقاربته مع مصادفات مشابهة اليوم فهو العلاقة الجيدة جداً بين محور المقاومة وتركيا بنفس الوقت الذي كانت فيه نفس العلاقة جيدة مع قطر، ويذكر في هذا الاطار أيضاً الدعم التركي للمقاومة في لبنان، والأجواء الطيبة التي اعلن عنها حزب الله، وكان لافتاً في أحد خطابات أمينه العام السيد حسن نصرالله وصف رئيس وزراء تركيا حينها بالطيب الطيب أردوغان.

المتغيّرات التي عصفت بالمنطقة أسّست لمرحلة جديدة من السلوك السياسي لدولة قطر لكنها كشفت الرعاية الخلفية التي كانت تتخفى وراءها وتكشفت هوية الدولة الأكثر قدرة على التخطيط والتأسيس سياسياً لينحصر دور قطر بالتمويل والحشد الإعلامي والفكري وهي تركيا.

تركيا «رجب طيب اردوغان» هي تركيا التي رغبت بالتدخل مباشرة على خط الأحداث الكبرى، والتي أفردت حيّزاً هاماً لمشروع امتداد حزبي بحت لجماعة «الإخوان المسلمين» التي ينتمي اليها الحزب الحاكم حينها والذي كان يتصدّر البلاد وهو حزب العدالة والتنمية الذي يعاني اليوم من ثقب رئيسي في أوردته التي نزفت مع الدماء التي سالت في الشرق الاوسط كغطاء لنجاح الامتداد، واذ بتركيا اردوغان لم تخسر مشروع بسط نفوذ الإخوان المسلمين في كلّ الدول التي عاشت الثورة فحسب بل يفقد الحزب الأقوى مكانته داخل البلاد ويتعرّض لزلزال أكدت نتائج الانتخابات خطورته، فخسر اردوغان إمكانية التفرّد بالسلطة لتدخل المعارضة التركية من الباب العريض بنتيجة لن تستطيع الجولة الثانية التي أخذت البلاد إليها إعادة لملمتها بحيث تشير المصادر في هذا الاطار الى توقعات بمزيد من الخسائر لمصلحة خصوم اردوغان عكس محاولاته في ان يؤثر على النتائج من باب الملف الكردي.

اذاً، وبالتجربة يتضح الدور القطري المموّل والمنفذ لعدة مشاريع رئيسية في المنطقة لكنه دور مرتبط حصراً بمستقبل حزب الإخوان المسلمين بالمنطقة بقيادة تركيا.

بعد هذا العرض يمكن ربط الأحداث في لبنان بسيناريو مشابه تتكشف فيه الخلفية التركية المؤثرة على خط الاحداث في تركيا أملاً في تحقيق ايّ ثغرة تقدم تمكن اردوغان من زيادة أوراقه لتسويات مقبلة يكون فيها لبنان واحدة من الأوراق الضاغطة في عدة ملفات بينها وأساسها الملف السوري من بوابة حزب الله ودوره المركزي فيها، فتصبح اللعبة اشدّ تعقيداً لكن أكثر اصراراً تركياً وافقاً استراتيجياً.

أفردت قطر مساحة هامة للأحداث الاخيرة في لبنان وهي الحراك الشعبي الشبابي المطالب بالتغيير وباتت الأموال بين أيدي وسائل إعلام كبرى أداة دعم كبرى لهؤلاء الشباب للنجاح في الحراك املاً بتطبيق سيناريو الشارع العربي في لبنان بنفس الأساليب والأسس التي اكدت اليوم أنها وبالرغم من فشلها لم تغيّر أو تعدّل من المزاج التركي في التخلي عن خطط فشلت مسبقاً في دول أقلّ تعقيداً من لبنان، وإلا لماذا تتمادى تركيا في تجربة ما هو مجرب وتكرار ما هو مكرر؟ هل هي آخر الآمال والأوراق؟

اللاعب التركي في لبنان الغير ظاهر هو ابرز الحاضرين اليوم في الساحات، ويبدو أنّ تركيا كسبت ورقة جديدة في لبنان تعدّت ملفاً رئيسياً لم يغلق بعد وهو ملف العسكريين المخطوفين الذي لم تستطع الدولة اللبنانية حتى الساعة المقايضة في إطاره أو حله، واللافت ايضاً انّ المساعي لإخراج العسكريين اللبنانيين كانت قد وصلت الى أجواء جيدة بعثت التفاؤل في الأوساط المعنية في فترات سابقة، ليعود ويتجمّد كأنّ شيئاً ما أوقف ايّ تطوّر بصددها وها هو اليوم ملف يوضع جانباً ليكون ورقة تركية جديدة تتفاوض فيها السلطات التركية وتضغط على حلفاء سورية في لبنان في التسويات المقبلة، وعلى هذا الاساس تتصدّر قطر الواجهة اعلامياً في الملفين، وهي التي لم تسلم من شظايا وزير الداخلية اللبناني في تصريحه عن مسؤوليتها عما يجري في لبنان من أحداث الشغب الأخيرة، والتي ارفقت امس بزيارة للسفير القطري في لبنان علي بن حمد المري إلى الرئيس فؤاد السنيورة الذي أسهب بالتعبير عن عطاءات قطر وأفضالها في ملفات العالم العربي من لبنان الى اليمن!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى