مسلمون… أم إنسانيون…؟
شهناز صبحي فاكوش
كلّ حملة الرسالات السماوية، من أنبياء ورسل، كانوا من قدوة البشر، خلقاً وأخلاقاً، ولو لم تكن صفاتهم بين الناس وسلوكهم حسناً لما نزلت عليهم الرسالات. هو من ترتيب الخالق لا شك… فقد جعلهم إنسانيين قبل أن يصيّرهم أنبياء ورسلا.
لعل في رسالة خاتم الأنبياء جاءت الموعظة الأبدية الشاملة الجامعة، لما سبق من التنزيل الإلهي، وحسن السلوك الإنساني. فكان الصادق الأمين قبل الرسالة، وفي ختامها قال «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».
تهافتوا كالجراد يقضم الأخضر واليابس، قتلة يقضمون الأرض وما عليها. لم يسلم منهم البشر ولا الشجر ولا الحجر. اتخذوا من حكايات الرعب في الكتب المقدسة مطية لهم، يمارسونها بهمجية بدل أن تكون عبرةً تحسّن السلوك الإنساني لديهم.
تناسوا الإسلام السمح، والمحبة المسيحية والتعفف، فالقواسم مشتركة بما تضمّنته بينها، لأنّ منبعها الإله الواحد. تعاليم أديان نزلت لخير البشر. ثقافتها ترسم خرائط تؤسّس لأهداف واحدة، ضامنة لحضاراتها…
أهداف وتطلعات إنسانية مشتركة أجمعت عليها الديانات، بعيداً عن العدائية والهمجية والفوضى… تسامت عن السجالات العقيمة الهدامة… أسست للحكمة والحجة والتعقل، فجنحت للسلم، صناعة حقيقية تضع أطراً مستقيمة غير معوجة.
منحت الحياة الإنسانية شلالات من الخير والعطاء علّمت الترقق بالتعامل، والرفق في السلوك العام. ما يغسل النفوس بالماء والثلج والبرد. لتنظف القلوب والعقول من تراكم أدرانها. ويبعد عنها ما يمكن أن يبسط سطوته عليها فتمحقه الأيام والليالي.
جاءت «داعش» لتشوّه راية الإسلام وتعمل على تكفير الناس، وتزرع في العقول جائحات من اليباس، منتجةً الإرهاب الذي تنشر على مساحة الجغرافيا العربية، وليس السورية فقط. بعيداً عن الإسلام والتسليم للخالق والأديان والإنسانية، ولوجاً إلى العِداء المستحكم في النفوس الضعيفة.
خرج الإرهابيون عن كلّ معاني الإنسانية والإسلام، ليؤسّسوا عداءً مستحكماً، في رفضٍ للعقل المدرك، والعدل والحقيقة. عاملين على نشر الفوضى التدميرية الهمجية. وزرع الفتنة في ما بقي من المناطق الآمنة الحصينة في سورية…
ما حدث في السويداء الصلدة السورية، فتنة يحاول عملاء «النصرة» و«داعش»، وجميعهم تفريخ «القاعدة» أن يشعلوها لكن عندما تتعاظم الحكمة ويرجح العقل، توأد السحابة التي قد تأتي بطوفان ناري.
لكن العقل… هذه المنحة الربانية التي تحكم العقلاء تنشر النور بين ظلمات النفوس فتهدي الأرواح التائهة. وتعيد الطمأنينة إلى قلوب أرجفها الإرهاب، وفرائص ارتعدت من أصوات التفجير، الذي يوزع الموت بالمجان.
لن يستسلم هذا الشعب العريق الضليع بعراقته وعروبته، لمسار انتقامي يحاول نشر الارتجاج والحقد، ليجعل من الاخوة أعداءً. فيغيب العقل وتنتشر الجراح والاختلاف النافر العدائي. ما يبذر الحقد في النفوس الآمنة. في طمع شهواني. يودي للتقهقر إلى زمن الجاهلية.
لكن العقل عندما يتسامى ويَحْكُمَ الأحداث، يمكنه تحجيم الأمور والوصول بها إلى الإيجابية. بتعزيز مساحات التضامن مع الأرض والوطن. ودحض الإرهاب المتنقل. الذي يتآكل معه في بعض الوقت عقولاً نفاجأ بضآلة تلافيفها…
إنّ المماحكات السياسية تكون في بعض الوقت بوابة لنسف الأهداف والتطلعات المشتركة. وتحطم محاولات صياغة نهج جديد، على أطر مستقيمة مرجوة لتبقي للوطن ألقه وبريقه. الذي أبهر في زمنٍ أعداءَهُ، فكادوا له كيداً أوصله إلى ما هو فيه.
يريدون الوصول بإنسانيتنا إلى الخراب واليباب، بقتل أحلام أبنائنا، وزرع أضغاث حلم ركنَ في أذهانهم بأنّ الخلاص في دول الغرب، حتى عشقوا الوهم، رغم المهانة المنتظرة. حلم اخترعوه وصوروا لهم وجوده هروباً من العنف والحرب.
تركوا حماية البلاد بِرَكنِ المسؤولية على الجيش وحده. وكأن لا دور لغير البندقية. هم يريدون أبناءنا ليصبحوا مع الزمن أبناءهم. تضيع هويتهم بالجنسية الغربية، ويضيع دينهم بالشواذ أو التمرد، وتبرمج عقولهم المبدعة لنهوض بلادهم مصالح .
أصبح الخوف لدى البعض والأرق يحتلان الأيام الراهنة، كل يبحث عن حفنة من دمه متى يفقدها، فتتبدّد أحلامه، في فقد الفرح والسعادة المتلاشية. الهروب زرعوه في أذهان الشباب على انه التعويض عما فقد… ناسين أو مغيّبين أنّ أبجدية الحياة والحكمة، نحن الذين علمناها للبشرية.
يريدون الوصول بنا عبر إرهابهم لمرحلة الدفن في الحياة، قبل استدعاء ملك الموت دون رضاً منه، حين يرفعون حد السيف على الرقاب بوحشيتهم. في تعبيرٍ عن يأس وإحباط وموجة كآبة.. تجعل موج البحر مدفناً، يلغّمُ دروب الشباب.
البحر الذي جفف زبد الشواطئ على صخوره المنسية، لم يرتو بعد من هدير الدم الذي تصطبغ به صفحته… لتتلقف الأيدي المنتظرة على رماله، ضحاياه. تقطعت الأنفاس لوداعهم. هروب من الموت إلى الموت، قتلة جففوا الأديم في كلّ شيء حي.
تُرى لو واجه الهاربون الموت بالبحث عن الحياة في دروب الوطن بتطهيرها من الإرهابيين، والسعي مع الجنود والجيش للحفاظ على سيادته. لاستعادة فرح شحبت ألوانه وغيرتها السنوات العجاف. وإحياء حكايات هي الأجمل في الكون…
فلا نعود نرى دموع التماسيح الغربية على ضحايا البحر، متجاهلين ضحايا الشنق للأطفال. وجنزرتهم لقتل آبائهم أمام أعينهم. وموت التجويع الذي أخذ يفتك فيهم. أما صلب الشباب وقطع رؤوس الشيوخ، فلا ترف له جفونهم.
مهما بلغ اختلاف الرؤى يجب أن لا يفلّ من عقدنا الاجتماعي، وتفاعلنا الوطني، والتسيير الممكن لاقتصادنا، وازدهارنا المعرفي. لتبقى نظرتنا موحدة في الحفاظ على الوطن. مرتعنا ومرابع طفولتنا وشبابنا، وحلم أبنائنا وأحفادنا…
النصر آت فهل ننتظره كما العجائز والأطفال… أم نسعى إليه مع العاشقين المتفانين سعياً لحياة ووجود مصيري، حتى لو كان الموت متربصاً، هو في النهاية قدر.
قدر لا بد منه فليكلل بالشهادة، خير من جبنٍ يجرّ ذيوله الوارثون إلى آخر الزمن… فلنكن مسلمين وإنسانيين كما شاء لنا الله.