الشريعة الجهادية من بريطانيا إلى فرنسا
عامر نعيم الياس
خلال أسبوعين شهدت دوائر صنع القرار في أوروبة والولايات المتحدة نقاشات حول التطرف الإسلامي، لا يوازيها في الأهمية سوى تلك التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، حينها تم خلق المبررات والقاعدة الإيديولوجية للتوسع الاستعماري عبر التدخل العسكري المباشر بحجة الحرب على الإرهاب. وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون اعترفت في تسريب مصور على اليوتيوب بأن بلادها هي من صنع القاعدة وطالبان، لكن اليوم تأخذ النقاشات منحىً مختلفاً عما سبق من حيثُ الشكل والمضمون، نحن أمام لعنة سورية التي ضربت أوروبة عبر حادثة المتحف اليهودي، خط أحمر لم يكن من المتوقع تجاوزه بهذه السهولة، فالقاعدة التي خدمت المصالح الأميركية والأطلسية على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تعد هي نفسها الوكيل الحصري لفزاعة الإرهاب والحاضن الأساس للإرهابيين المفرّخين في الغرب، فقد احتلت الواجهة تنظيمات أخرى على رأسها الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي بثت الروح في أوصالها بعد الأحداث في سورية عام 2011، والفتوى الشرعية التي قدمها ساسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتغطية «الحرب المقدسة على ديكتاتور دمشق»، ضخ المقاتلون بالآلاف وغض النظر عن الخطر الإسلامي في مؤشر يعكس وجود استراتيجية متكاملة لاستخدام الإسلام الغربي عموماً والبريطاني خصوصاً، في تدعيم الهيمنة الأطلسية على مقدرات العالم، منذ تسعينات القرن الماضي كانت العاصمة البريطانية لندن عاصمة دولية للمفكرين والأفراد من الإسلاميين العرب الذين كان كثير منهم يقاتلون ضد السوفيات في أفغانستان، وضد الدولة السورية في الثمانينات، وفي أعقاب هجمات لندن عام 2005 أشار رئيس الحكومة البريطانية آنذاك، طوني بلير، إلى أن حكومته لن تكتفي بمطاردة الإرهابيين المشتبه بهم فحسب، بل ستركز على أي شخص يروّج لإيديولوجية مرتبطة بالعنف، وعود لأسباب انتخابية ذهبت أدراج الرياح، وعود لا يمكن لها أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ، في ظل الدور المأمول من هذا التطرف الموّجه، وعند هذه النقطة تقول دومينيك كاسياني مراسلة الشؤون الداخلية في هيئة الإذاعة البريطانية: «قال بلير إنه سيحظر جماعة حزب التحرير التي تدعم فكرة إقامة خلافة إسلامية والعاملة داخل الأراضي البريطانية، لكنه لم يفعل. وعلى رغم أن رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون قطع على نفسه العهد ذاته عندما كان في صفوف المعارضة، إلا أن الجماعة لا تزال تعمل في إطار قانوني حتى الآن».
ما الذي تغيّر الآن؟ هل نشهد تحوّلاً في نمط وهدف الإرهاب؟ هل نحن أمام فشل الاحتواء وانفلاش الخطر الذي بات حقيقياً بتداعياته على الداخل الأوروبي قبل أي شيء آخر؟.
بعد الحرب على سورية التي لا تزال مستمرة حتى الآن، يجد الغرب نفسه في مواجهة قاعدة جديدة مختلفة كليّاً عن تلك التي أنشأها والتي قامت بعض فروعها بعمليات داخل أوروبة والولايات المتحدة، من دون أن نناقش هنا ما إذا كانت هذه العمليات موجهة لخدمة الحرب على الإرهاب التي أطلقها جورج بوش الإبن أم لا. هذ القاعدة الجديدة أدخلت الغرب في مصطلحات من نوع «حصان طروادة» و «الذئاب المستوحدة» جميعها تهدف إلى تمييع ملف الإرهاب، لكنها تجتمع على تسليط الضوء عليه من الداخل، فبعد أن كانت الحرب على الإرهاب أداةً لحشد الرأي العام وراء سياسات الحكومات الغربية، فإنها اليوم تتحول بشكل متسارع إلى قضية رأي عام يستوجب معالجتها من داخل البيت الأوروبي وليس العكس، فالخلايا النائمة استفاقت وباتت تتحرك داخل المدارس العمومية لمدينة برمينغهام البريطانية ثاني أكبر مدن المملكة المتحدة والتي تبلغ نسبة المسلمين فيها 22 في المئة من عدد السكان، وحسب لوموند الفرنسية فإن «المسؤولين والمدّرسين من الإسلاميين المعتدلين وغير الإسلاميين كانوا هدفاً لمضايقات مستمرة من المتطرفين، فضلاً عن الفصل بين الجنسين داخل المدرسة الواحدة، والنداءات عبر مكبرات الصوت للصلاة، والإعلانات داخل المدارس الست في برمينغهام عن تمويل رحلات الحج إلى مكة، والدعوة لحظر تدريس الموسيقى والفن، وأخيراً منع وضع صورة السيد المسيح والاحتفال بعيد الميلاد ومحاولة فرض الشريعة الإسلامية على المدارس ذات الغالبية المسلمة». لوفيغارو الفرنسية تنقل عن لويك غارنييه المنسق العام لمكافحة الإرهاب في فرنسا قوله: «نحن نعلم أن عدداً من الجهاديين الفرنسيين في سورية يتدربون على أيدي قادة تنظيم القاعدة من أجل تنفيذ هجمات في أوروبة. لقد تم اختيارهم وفق معايير لغوية لقدرتهم على الاندماج مع سكان المجتمعات الغربية، والضرب في اللحظة المناسبة مع امتلاكهم لكل الخبرات الضرورية كتقنيات تصنيع القنابل وفن الإخفاء بهدف ارتكاب تفجير انتحاري بكل دم بارد. وبعد غسل دماغ هذه العناصر، فإنهم لم يعودوا اليوم في معركة ضد الديكتاتور بشار الأسد، بل وحسب جدلية القاعدة أينما كنت اضرب المرتد . نحن نواجه تهديداً متعدد الأوجه، وهي ظاهرة لم نعهدها أبداً و تمثل القلق الأكبر لدينا».
إذاً الحرب تجاوزت سورية والديمقراطية، ودخلت في طور الحرب الشاملة على «الكفار» أينما وجدوا، توجه يتعكس فكراً نظم حركة الإسلام السياسي منذ نشأتها فأنت مستهدف من الجميع دوماً وعليك وحدك تقع مسؤولية «تطبيق شرع الله»، لكن بين المظلومية والانتقام يستوجب توافر شرط التمكين سواء عبر الهجرات إلى الخارج وبيع ورقة المعارضة لنظام ما كما في الحالة السورية، أو سواء عبر استغلال الفوضى واللعب على وتر التكفير والتكفير المضاد بقوة السلاح كما حصل في أفغانستان. أوروبة في عين العاصفة فهل يتحرك الساسة أم يكتفون بحصان طروادة والذئاب المستوحدة وغير ذلك من مصطلحات تسبغ صبغةً رومانسية على القنابل البشرية الموقوتة.
كاتب سوري