موسكو وواشنطن: تجاذبٌ للعلاقات العامة
عامر نعيم الياس
اتصل وزير الخارجية الأميركية جون كيري، منذ يومين، بنظيره الروسي سيرغي لافروف وأبلغه «قلق الولايات المتّحدة حيال تعزيزات عسكرية روسية محتملة في سورية»، في وقت نشرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية تقريراً تحدّث عن «صور استطلاعية تكشف عن بناء عسكري محتمل يُبنى قرب المطار الدولي في اللاذقية» وهذا يشكل «مصدر قلقٍ» وفقاً لما نقلته الصحيفة عن أحد المسؤولين الأميركيين. الوزير الروسي ردّ إعلامياً على الحملة الإعلامية والرسمية الأميركية الداعمة والمؤيدة لما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية حول ملف التواجد العسكري الروسي المباشر في السماء السورية، فالمساعدات والاتفاقات بين موسكو ودمشق تنفّذ والإمدادات الروسية لسورية بالأسلحة لا تجري «في الخفية».
من الواضح أن الحملة الإعلامية المضادة لمواجهة ما تنشره الصحف الأميركية والصهيونية حول هذا الملف تساهم بشكلٍ أو بآخر في رفع منسوب التفاؤل لدى الفئة المؤيّدة للدولة السورية حول حصول تبدّل نوعي في شكل العلاقة العسكرية السورية الروسية، وربما العودة إلى بداية ثمانينات القرن الماضي، إلى زمن الاتحاد السوفياتي والرئيس أندروبوف، فهل يعيد التاريخ نفسه؟
أساس الحملة الأميركية على روسيا ودورها في سورية، وتطوير الرواية الصهيونية عن التواجد الروسي في السماء ونقله إلى الأرض عبر الحديث عن توسيع القاعدة العسكرية الروسية في سورية، وإنشاء قواعد جديدة، كل هذه الأمور تعكس قلقاً أميركياً حقيقياً من الوجود العسكري الروسي في سورية، لكن الأميركيين يدركون أن كل ما يقال عن السلاح النوعي في الأرض والسماء السوريتين لا يعدو عن كونه محاولةً لتبرير الانقلاب الأميركي على روسيا والدفع بصورة جديدة للدور الروسي في سورية تشبه صورته في أوكرانيا، بمعنى أن موسكو لا تشكّل شريكاً موثوقاً به في التسوية السورية وليست جزءاً من الحل، وهنا تتشكل الأرضية المناسبة لاستمرار الاستنزاف ومحاولات تغيير الوضع الميداني في سورية من جانب واشنطن وأنقرة ودول الخليج.
من جانب آخر لا تزال العقلية الروسية تجاه سورية ومنذ عام 1973 محكومة من الناحية العسكرية بشكلٍ خاص بثوابت لم يخرقها إلا السكرتير العام للحزب الشيوعي الروسي يوري أندروبوف بين عامي 1982 و1984 والذي فتح مستودعات الجيش الأحمر العسكرية للجيش السوري أثناء حربه في لبنان في ذلك الحين، لكن ما عدا ذلك تقدّم موسكو أسلحة دفاعية تحفظ التوازن العام للردع في المنطقة ولا تعمل على خرقه بدرجة كبيرة أو استفزار واشنطن و«تل أبيب» في هذا الشأن، وبالتالي فإن الحديث عن سلاحٍ نوعي كاسرٍ للتوازن لا يرقى حتى اللحظة إلى مستوى الحقيقة ولا يمكن التعويل والبناء عليه، لكن في المقابل فإنه من المؤكد أن الموقف الروسي من سورية تسليحياً لا يزال في هذا التوقيت يقدّم مقومات صمود الجيش السوري بالحد المقبول، ويحاول الاقتراب أكثر فأكثر من مطالب دمشق لبعض من أنواع الأسلحة المناسبة لإدارة حرب العصابات في الداخل السوري، والتي تلبي متطلبات الانتشار الواسع للقوات النظامية والقوات الرديفة على مئات الجبهات.
لم يحدث التحوّل النوعي بعد، فيما موسكو واشنطن تديران حملة علاقات عامة دولية في مرحلة خلط أوراق على كافة المستويات وعلى الأرض السورية.
كاتب ومترجم سوري